وجه المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان رسالة شهر رمضان المبارك لهذا العام من مكتبه من دار الإفتاء الجعفري، اشار فيها الى انه اليوم وبمشهد لا سابق له يرى العالم بكل مكوّناته أهل غزة وهم يعانون من أسوأ مذبحة بشرية ترتكبها تل أبيب بشراكة ودعم لا سابق له من واشنطن والأطلسي، وموقفنا منها تماماً كموقف المسيح والنبي محمد إغاثةً وإسناداً وتضامناً وبذلاً يليق بطبيعة فطرتنا ولازمِ وجودنا ومواثيق الربّ والإنسان فينا. ولا يختلف إثنان في أن تل أبيب أسوأ عاصمة إرهابية إقليمية، وهي الثكنة العالمية الأبرز لواشنطن، واليوم الإنسانية بمقاس أهل غزة تذبح، والضمير الديني بنسخة أطفال غزة ونسائها ممتحن، وأهله بين خائن أو منتصر، والعارُ كلّ العار لمجلس الأمن الذي تحوّل منذ نشأته الى غرفةٍ لإدارة عمليات المذابح، وأسوأ الخيانة لمجمّعات حقوق الإنسان الأوروبية الأمريكية التي ابتلعت لسانها، واليوم العرب عرب بمقدار إغاثتهم لبني جلدتهم في فلسطين، والمسلم مسلم بمقدار إغاثته لأهل غزة، والمسيحي مسيحي بمقدار تطويبه لذاته وإمكاناته من أجل المعذبين في غزة وبيت لحم والقدس، والإنسان إنسان بمقدار تأكيده لإنسانيته الثائرة من أجل أطفال غزة ونسائها وعزّلها، ولا ضمير لأكثر العالم الذي يعيش على الصفقات القذرة.

ولفت قبلان الى انه من هنا وفي هذا المجال، إنّ ما تقوم به المقاومة اللبنانية والعراقية وصنعاء اليمن وبقية أهل النخوة ممن يمارسون نُسُكَ القتال السيادي والإنساني يضعنا بمعسكر المسيح ومحمد، ويؤكد شرف هذه القوى الحرة وقيمها الأخلاقية والإنسانية، وكلّ من يجادل بالقيمة الدينية والأخلاقية بل والميثاقية على مستوى الأمم هو جاهل أو متجاهل، ولسنا ممن يعيش على الارتزاق، ولن ننتمي لمعسكر لا يفرّق بين الدماء والمراقص، ونحن أهل الحرب وأصحاب ميادينها، وكلنا مقاومة، رجال ونساء وأطفال ورضّع، وأرواحنا وأنفسنا وكل ما نملك هو مجيّر في سبيل مشروع المقاومة الأخلاقي والوطني، والأشياء في وقتها والمفاجآت بلحظتها، وموقف رئيس الحكومة في هذا المجال أخلاقي وتوافقي مع الديانات السماوية والمواثيق الأممية والوطنية.

واعتبر بان ما تقوم به حركة أمل وحزب الله وأهل الجنوب بمختلف طوائفهم على مستوى جبهة الجنوب هو عين النخوة الوطنية، وهو نسك إلهي، وهو مصلحة لبنانية عليا، وهو ضرورة أممية وعبادة إلهية وإنسانية تتفق مع صميم تعاليم المسيح ومحمد. وما يجري الآن حرب منطقة لها ما بعدها، وعين المعركة على أرضية المنطقة وميزانها ومنها لبنان، وما يجري في باب المندب وخليج عدن والملحمة التي يقودها أهل اليمن الشرفاء ضرورة سيادية للمنطقة وحجّة مطلقة على الأنظمة والشعوب والقيادات العربية والإسلامية الدينية والسياسية، وأيّ خسارة استراتيجية ستعني كارثة سيادية لكل المنطقة، ولسنا ممن يقبل بالعبودية وسيّدنا الإمام الحسين(ع).

واردف قائلا: "في هذا السياق أقول للعرب والدول الإسلامية: إسرائيل كيان إرهابي يجب أن يُردع ويزول، والتطبيع جريمة بحقّ الإنسانية وكارثة وطنية وقومية وأخلاقية، وما تقوم به تل أبيب في غزة خريطة طريق لما تطمح له في لبنان والمنطقة، لذلك بالمقاس الوطني والأخلاقي والأممي: ما تقوم به المقاومة في لبنان ضرورة وطنية وملحمة سيادية، وشهداؤها أشرف قرابين هذا البلد، ومجاهدوها أعظم دروع هذا الوطن، وإمكاناتها الصادمة رمزُ سيادة لبنان، ولا قيمة للبنان بلا المقاومة، ولا قيمة للمصالح الوطنية بلا درعها المقاوم، والمطلوب أن لا نتأمرك، وأن لا نتخذ مواقف تصبّ بالمصلحة الصهيونية الإرهابية، ومصلحة واشنطن وتل أبيب في لبنان واحدة، وخرائط الموفدين الدوليين الأمنية تتطابق مع المصلحة الصهيونية والتي لا محلّ لها في لبنان، ونحن مع كلّ مبادرة تبدأ من غزة وتضمن ناسها ومقاومتها وصميم حقوقها، ولن نخذل غزة وفلسطين، وقد اختلط الدم بالدم، والقرابين بالقرابين، وكموقف للتاريخ أقول: الحرب على فلسطين وقتل النساء والأطفال والعزّل وتدمير المنازل والمباني والمؤسسات والبنية التحتية لا يصنع نصراً، ولا يبني استراتيجيات، والزمن الذي تعيش فيه تل أبيب دون قواعد وحماية أميركية وأطلسية انتهى، ولبنان بمقاومته وجيشه وشعبه على أهبّة الاستعداد لتحقيق أكبر نصرٍ مع أي خطأ صهيوني استراتيجي".

ولفت الى ان اللحظة لحظة مصير، والموقف من أجل الله والإنسان والأوطان، ومن لا يريد أن يفهم سيلاقي الله بأشلاء غزة ومذابحها، ولبنان شراكة وطنية، والبذل من أجل لبنان واجب الجميع، ومن لا يفعل يخسر بواجب وطنيته، والغُنم بالغُرم، ومنذ عشرات السنين تمارس إسرائيل إرهابها على أهل الجنوب، والمطلوب شراكة أهل الجنوب بقتالهم السيادي وتضحياتهم الوطنية وليس صلبهم وإطلاق النار على ظهورهم، ولم يُهزم أهل الجنوب ولن يهزموا إن شاء الله تعالى، وإذا كانت للتضحية الوطنية صورةٌ وقامةٌ فأهل الجنوب صورتها وقامتها، وما يصلح للمسيحي وطنياً يصلح للمسلم، وروح الكنيسة والمسجد تصبّ بعمق شراكتنا الإنسانية ومشروع وحدتنا الوطنية، والضمانة الميثاقية ضرورة تكوينية بمراكز القرار الوطني، والمطلوب إنتخاب رئيس لبناني لا غير، وواجبنا تكريس مصالح لبنان لا مصالح واشنطن، والأصابع الاميركية موجودة بصميم هذا البلد، والسيادة الوطنية تبدأ من مجلس النواب، وما يقوم به الرئيس نبيه بري سيادي بامتياز، والحلّ بتسوية رئاسية ضامنة، ولعبة الصولد لا تبني وطناً ولا تضمن سيادة، وتجربة هذا البلد والتاريخ المرّ للمتاريس يكفي لتأكيد ميثاقيتنا وضمان سيادتنا وشراكتنا، وكلّ كلام خارج هذه الحقيقة لا يصبّ بمصلحة لبنان، ومهما اختلفنا لن نختلف على الوحدة الوطنية ومشروع الدولة الضامن والشراكة الإسلامية المسيحية.

واستطرد قائلا "أخيراً أقول للحكومة اللبنانية: شهر رمضان فحصٌ لمهارة الحكومة ومؤسساتها العامة، وما حصلت عليه الحكومة بالموازنة العامة يكفي لقيامها بوظيفتها ويزيد، والمطلوب أسواق بلا طحين عفن، وبلا أرز مسرطن ، بل أكبر واجبات الحكومة اليوم تكمن بحماية الأسواق والسلع الغذائية خاصة، وحماية الدواء وتأمينه، واليد اللبنانية ووضع حدّ لفلتان النزوح، وإعادة تزخيم القطاع العام، والضرب بيد من حديد بقضايا الجرائم والفوضى والفلتان الأمني".

وبهذا المجال يجب نبش القوانين الجنائية من جديد، ولن نقبل بتهديد لبنان ديمغرافيا أو وطنياً.

وكلّ عام ولبنان وشعبه ومقاومته وغزة والعراق وسوريا واليمن وكل شعوب منطقتنا بخير، بعيداً عن جريمة التطبيع والاستسلام".