هذا شهر رمضان المبارك قد أقبل على هذه الأمّة في ظروف حرجة وحسّاسة، وكلنا نعلم ما تعاني من تحديات وصعاب وظروف ليست عادية. إلا أنَّ الله سبحانه وتعالى، جعل هذا الشهر المبارك شهراً فيه الكثير من الابعاد التربوية والاجتماعية والعبادية والسلوكية. ومن الابعاد التربوية لهذا الشهر الشريف، تقوية جهاز الارادة عند الانسان من خلال الصوم. يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (سورة البقرة:183)، حيث جعل الله عزّ وجلّ، غاية وعلّة الصوم للانسان الوصول الى مكلة التقوى، والتقوى هي السيطرة على النفس ومنعها من كل ما له عواقب أخروية سيئة.

وهذا يحصل من خلال الصّوم، حيث أن هناك جملة من المفطرات يجب على الانسان الصائم الامتناع عنها في نهار شهر رمضان، وبالتالي هذا الانسان الصائم خلال ثلاثين يوماً يتدرب على الامتناع عن هذه المفطرات وان كانت هي حلال في غير شهر رمضان، فيصبح لديه القدرة والارادة في السيطرة على شهواته وتحكيم عقله في ادراة شؤونه. وهذه الارادة على السيطرة أشدّ ما يحتاج إليها الانسان اليوم في ظل وجود الموجات الثقافية الانحرافية عن إنسانيته، وفي ظلّ وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي قد تستدرج الانسان من شيء لاخر من دون أن يشعر. فعندما يقوى جهاز الارادة لدى الانسان، يصبح لديه ملكة التقوى التي تمكّنه من التحكّم بكل قواه من دون تأثير خارجي عليه.

ولكي يعزّز الله سبحانه وتعالى، هذه الملكة بعقيدة قوية راسخة ورؤية كونية واضحة، حفّز الانسان على تلاوة القرآن في شهر رمضان وجعل ثواب من قرأ آية كمن ختم القرآن في غيره من الشهور، حيث أن القرآن الكريم هو كتاب هداية للانسان وفيه الحقائق الكونية للخلق وأسرار هذه الحياة ومفاتيح العيش فيها بهدوء وإطمئنان. ومواكبة لتلاوة القرآن أيضاً، فتح الله باب الدعاء للانسان حيث قال: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " (سورة البقرة:186) لكي يأخذ الانسان البعد الوجداني في علاقته مع الله سبحانه وتعالى، ويخاطبه في أي وقت شاء ويطلب منه حوائجه من دون وسيطـ، لذا ورد جملة من الادعية المباركة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بخصوص أيام وليالي شهر رمضان المبارك، وأبرزها دعاء الافتتاح الذي يقرأ كل ليلة، اضافة إلى أعمال ليالي القدر المباركة.

وبالتالي، نجد كيف أن الله سبحانه وتعالى، جعل من هذا الشهر المبارك مدرسة تربوية كاملة بكل أبعادها حيث يتمكن الانسان من تربية النفس ومجاهدتها، لكي يواجه كل تحديات هذه الحياة الدنيا بقوة وشجاعة وإرادة قوية لا يمكن لا تعرف الهزيمة.

فنسأل الله أن يتمّم علينا صيام هذا الشهر المبارك واحياء لياليه المقدّسة، وأن يعيدها على الجميع بظروف أفضل. إنه سميعٌ مجيب والحمد لله رب العالمين.