لا أحد يرغب بالحرب، لا من مؤيدي "المقاومة" ولا من معارضيها، ولكن عندما تكون "اسرائيل" على حدود لبنان يتبدّل كل شيء، إذ لا مكان للحياد بوجود عدو يطمح ببناء اسرائيل الكبرى ولبنان جزء منها، ولا مكان للسلام مع دولة دينيّة عنصرية متطرفة لا تقبل المسلم ولا المسيحي، ولا مكان للإستقرار مع دولة تخطّى رقم خرقها للسيادة اللبنانية الـ30 ألفاً خلال 17 عاماً.

ومع هذا، لا أحد يرغب بالحرب، ويمكن النقاش طويلاً بتحرك "حزب الله" العسكري في الجنوب في 8 تشرين الأول الماضي، وخلفيّاته وأسبابه وما اذا كان يمكن تفاديه أو لا، ومدى وجود رغبة اسرائيليّة تصعيديّة مع لبنان حتى ولو لم يتحرّك الحزب، وغيرها من المواضيع الشائكة، ولكن هناك أمر لافت للغاية وهو حديث بعض معارضي الحزب، من المسؤولين اللبنانيين، عن الأضرار الاقتصاديّة للحرب الحاليّة، وكأنّ لبنان كان في جنّة اقتصاديّة قبل تشرين الأول الماضي وتحوّلت الى جحيم.

هكذا، يُقال أنّ الاقتصاد اللبناني عام 2023 كان باتجاه تحقيق النمو الأبرز خلال 8 سنوات، مع العلم أنّ المعاناة زادت العام الفائت، والتي تكاد تكون أصعب أعوام الأزمة بسبب دولرة كل شيء ما عدا الرواتب، حتى إيجارات المنازل قد عادت الى ما كانت عليه قبل الأزمة والرواتب بقيت لا تزيد عن 30 أو 40 بالمئة مما كانت عليه، هذا بأفضل الأحوال.

تناسى المسؤولون في لبنان أنّهم أوصلوا البلد الى دمار اقتصادي أودى بحياة اللبنانيين عبر ودائعهم وجنى أعمارهم، منذ العام 2019، وانهم يغطّون المصارف ويؤمّنون لها الحماية المطلقة، ويسعون الى منع إعادة هيكلتها وإصلاحها، ويريدون تحميل الدولة، أيّ الشعب اللبناني، مسؤوليّة كل الديون والخسائر، وتذكّروا اليوم أنّ الحرب في الجنوب تقتل الاقتصاد وتسبب خسائر ماليّة ضخمة.

تناسى المسؤولون أنهم السبب أصلا في عدم الوصول الى استراتيجيّة دفاعيّة تحمي لبنان وتمنع كل هذا التقاتل الداخلي حول الخيارات، وأنهم المسؤولون عن عدم بناء جيش قوي مسلّح يتمكن في لحظة الحقيقة من الدفاع عن كل مواطن لبناني وكل شبر في لبنان، وأنّهم المسؤولون عن وقوعنا في ما يزيد عن 8 سنوات من الفراغ الرئاسي والحكومة في السنوات العشرين الأخيرة التي ضاعت من عمر شباب لبنان وساهمت بقتل أحلامهم وآمالهم.

تناسى المسؤولون كل هذه الوقائع ويصوّبون على الحرب للقول بأنّها سبب مآسي لبنان، وبالتالي يتنصّلون من كلّ مسؤولية ويُشعلون صراعهم المبنيّ على المصالح الخاصة والحصص والتنفيعات والوصول الى السلطة.

تباً للحرب، وتباً لإسرائيل، ولمن زرعها في منطقتنا، تباً للصراعات الاقليمية والخلافات العربية-العربية، تباً للقوى السياسية التي عاثت فساداً في بلادنا وجعلت الشعب في تناحر طائفي بغيض، بينما تُدير الطبقة الحاكمة، من كل الطوائف، مشاريعها ومصالحها.

اليوم وبعد مرور 5 أعوام على بدء الأزمة الاقتصاديّة، لم يتّخذ المسؤولون أيّ قرار في خدمة شعبهم، لا على صعيد الشعب في الجنوب او بالنسبة لكل اللبنانيين الذين ينتظرون مصيرهم، ولن يتّخذوا ونحن على ثقة وقناعة، والحرب القائمة حالياً ستزيد الهمّ والشرخ بين شعب انساق خلف مسؤوليه، فيعيش في خوف دائم من الآخر، في قوقعة طائفيّة ومذهبيّة ليس لها نهاية سعيدة، فبات مواطن يشعر بالفرح لدى موت مواطن آخر، ومواطن يشعر بأن استمرار الحياة مع مواطن آخر صار مستحيلاً.

في اسرائيل، لدى العدو، كان هناك مثالا يُحتذى به في بداية الحرب، اذ تقارب المتباعدون وشكّلوا حكومة حرب، وتحول المجتمع الاسرائيلي الى مجتمع حرب، بينما في لبنان زاد التباعد بين أبناء المجتمع، بين القوى السياسية، وسيزداد أكثر الكره والحقد.

للأسف، نعيش كشعب في بلد أمامه اسرائيل التي تُريد قتلنا وخلفه مسؤولون يريدون استثمارنا لأجل مصالحهم، فإلى أين الهروب؟.