مجدّدًا، أطفأت اللجنة الخماسية الدولية المعنيّة بالشأن اللبناني محرّكاتها على خط الملف الرئاسي، بعدما أدارتها لبضعة أيام، عبر سفرائها المعتمدين في لبنان، الذين جالوا على عدد من اللاعبين الأساسيّين في المعادلة، من بينهم الرئيس السابق ميشال عون، ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، إضافةً إلى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وكذلك رئيسي مجلس النواب نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.

حرصت اللجنة بعد مختلف لقاءاتها على إبداء "تفاؤل" بدا مُبالَغًا به لكثيرين، بالنظر إلى المعطيات والوقائع التي تستبعد قدرتها على تحقيق أيّ "خرق"، ولا سيما أنّها لمست عدم وجود رغبة حقيقية بتقديم التنازلات، ولو كانت متبادلة، فيما كان لافِتًا الهجوم الذي شنّه رئيس حزب "القوات" على برّي بعد لقائه "الخماسية"، وتشديده على أنّ "الخماسية" لن تحصل على شيء من المعارضة، باعتبار أنّ المشكلة هي لدى "الممانعة"، على حدّ وصفه.

لن تكون جولة "الخماسية" الأخيرة، وفق ما تقول، فإطفاؤها لمحّركاتها "مؤقّت"، وسببه الجوهري "إجازة الأعياد"، وما خلّفته من "غيابات" في صفوفها، بفعل مغادرة عدد من السفراء إلى بلادهم، ما يعني أنّ "لمّ الشمل" قد لا يكون ممكنًا في وقتٍ قريب، على أن تكون "العودة" بعد انقضاء الأعياد، بجولة جديدة، تشمل هذه المرّة من تمّ "استثناؤهم" سابقًا، كـ"حزب الله" مثلاً، وكذلك رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل.

وبانتظار جولة "الخماسية" المقبلة، والتي لا تبدو قريبة، مع استمرار الحديث عن "تباينات" في صفوفها، على الأسماء والآليات والتفاصيل، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام، فعلى ماذا تراهن "الخماسية" عمليًا، خصوصًا بعد ما لمسته من "تناقضات" في جولتها الأخيرة؟ لماذا يرى كثيرون في تحرّكاتها مجرّد محاولة لـ"ملء الوقت الضائع"، بعد "انكفاء" الموفدين الخارجيين، وبانتظار "متغيّر ما" يمكن أن يفرض "ثقله" على اللبنانيين؟!.

يقلّل العارفون من شأن إطفاء "الخماسية" لمحرّكاتها إلى ما بعد الأعياد، باعتبار أنّ ذلك كان "مجدولاً سلفًا"، ولو دلّ على أنّ الاستحقاق الرئاسي المؤجّل منذ تشرين الأول 2022 "غير مستعجل" ويمكن تأجيله أكثر، وبالتالي فإنّه لم يكن ناجمًا عن مجريات الجولة الأخيرة على الأفرقاء، وإن كان واضحًا أنّ "غاياتها" لم تتحقّق، بدليل عدم قدرتها على "إقناع" الأطراف بالذهاب إلى الحوار أو التشاور، انطلاقًا من مبادرة كتلة "الاعتدال" التي دعمتها.

فبعيدًا عن تصريحات السفير المصري، الذي يبدو الناطق باسم اللجنة، التي تضمّ ممثلين عن كلّ من الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر ومصر، والتي تنطوي على "مبالغة واضحة" في التفاؤل والإيجابية، يقول العارفون إنّ جولة "الخماسية" الأخيرة كانت "مخيّبة للآمال" إلى حدّ بعيد، ولا سيما أنّها أظهرت "تشبّث" كلّ طرف برأيه، بدليل التصريحات التي صدرت عن بعض الأفرقاء على هامش زيارة وفد لجنة "الخماسية" تحديدًا.

بهذا المعنى، بدا للبعض أنّ جولة "الخماسية" شكّلت في مكانٍ ما فرصة لتعميق "الشرخ"، وليس "تقريب" وجهات النظر، وهو ما ظهر جليًا مثلاً في المواقف التي أدلى بها رئيس حزب "القوات اللبنانية" بعد اجتماعه مع وفد السفراء، والتي هاجم فيها بعنف رئيس مجلس النواب نبيه بري، واصفًا إياه بأنّه "الأشطر بتضييع الشنكاش"، بل بأنّه "babysitter محور الممانعة"، ومتهمًا إياه بأنّه من نسف مبادرة "الاعتدال" عمليًا وأفرعها من مضمونها.

في المجمل، يقول العارفون إنّ لجنة "الخماسية" استمعت خلال جولتها الأخيرة إلى "الشيء ونقيضه" في آنٍ واحد، ولم تقدّم في المقابل أيّ "آلية" يمكن أن تجمع الأمرَين، بعيدًا عن فكرة مبادرة "الاعتدال" التي يُقال إنّها سقطت أصلاً، ولو لم يكن لدى القيّمين عليها "الشجاعة" لإعلان موتها، علمًا أنّ "توسيع" لقاءاتها في المرحلة المقبلة، وبالتالي تجاوز "الفيتوات" التي كانت قد فرضتها على نفسها، بفعل العقوبات والتصنيفات، لا يبدو حلاً سحريًا.

بالنسبة إلى العارفين، فإنّ ما تسعى إليه "الخماسية" في هذه المرحلة ليس سوى "إثبات الوجود"، لأنّها تدرك أنّها عاجزة عن تحقيق "الخرق" في ظلّ الظروف والمعطيات الآنية، ولا سيما أنّها تواجه تعقيدات واسعة في الداخل والخارج على حدّ سواء، وهو ما يفسّر على الأرجح "المماطلة" التي تبديها، لكنّها تسعى لحفظ موقعها في المعادلة متى حان موعد "الجِدّ"، والذي قد يكون مرتبطًا بالهدنة الإنسانية، التي لا يزال يُعمَل عليها، وقد تبصر النور في العيد.

بالحديث عن التعقيدات، ثمّة من يقول إنّ التباينات داخل اللجنة لا تزال موجودة، ولو سعى السفراء لحجبها ونفي وجودها، عبر الاكتفاء بالحديث عن "مواصفات عامة" لا يختلف عليها اللبنانيون أصلاً، من دون الغوص بالأسماء والتفاصيل التي تكمن فيها "الشياطين"، وثمّة من يشير إلى "تنافس على النفوذ" داخل اللجنة، يظهر جليًا بين فرنسا وقطر، لكنه يصل إلى "صراع الأولويات" حتى بين الأميركيين والسعوديين بشكل أو بآخر.

يُضاف إلى هذه التعقيدات الواقع الداخلي اللبناني، الذي لا ينبئ بأيّ "انفراجة" في الأفق، فرئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية أطلق قبل أيام مواقف صريحة أراد من خلالها حسم الجدل حول ترشيحه، والتأكيد أنّه مستمرّ في خوض المعركة حتى النهاية، فيما تتمسّك المعارضة في المقابل بـ"شرط" انسحابه، أو التخلّي عنه من جانب الثنائيّ الشيعي، من أجل القبول بالذهاب إلى أيّ صيغة تشاوريّة، ما يترك الأمور في دائرة مقفلة بشكل أو بآخر.

واستنادًا إلى ما تقدّم، يخلص العارفون إلى أنّ أطراف "الخماسية" يدركون أنّ ثمّة "استعصاء" في الوصول إلى حلّ في الوقت الحاليّ، وهو ما يفسّر استلام السفراء المعتمدين زمام الأمور، وتأجيل كلّ ما كان يُشاع عن زيارة لموفدين من هنا، أو اجتماع وزراء خارجية من هناك، وذلك بانتظار نضوج الظروف التي قد تسمح بـ"خرق ما"، ولو أنّ هذه الخلاصة تجعلهم "أقرب" إلى مقاربة "وحدة المسارات" التي يتبنّاها "حزب الله" إلى حدّ بعيد.

في النتيجة، تنتظر "الخماسية" ظروفًا معيّنة لتوسيع تحرّكها، قد تكون على شكل "هدنة" في المنطقة، يفترض أن تحفّز اللبنانيين على إنجاز الاستحقاق، ضمن "ترتيبات" مرحلة ما بعد الحرب الدائرة حاليًا. لكنّ الثابت مرّة أخرى، أنّ الرهان على "الخماسية" ليس في محلّه، ليس فقط لأنّ دورها يبدو "شكليًا" في هذه المرحلة، ولكن لأنّ "الخماسية" لن تنتخب الرئيس نيابةً عن اللبنانيين، ما يعني أنّ الكرة في ملعبهم مهما عاندوا!.