رأى أحد كبار المستشارين لحكومة تصريف الأعمال، أنّه "حتّى الهدنة لم تعد مضمونة وقد نصبح في مكان آخر"، بعد الضّربة الصّاروخيّة الّتي نفّذها الطّيران الحربي الإسرائيلي على القنصليّة الإيرانيّة في العاصمة السّوريّة دمشق، يوم الإثنين الماضي.

ولم يُخفِ، في حديث إلى صحيفة "الأنباء" الكويتيّة، "الجهود الحثيثة الّتي يبذلها أهل الدّاخل من السّياسيّين اللّبنانيّين، للإفادة من الجهود الدّوليّة بتحييد البلاد عن الحرب في ​غزة​، والتّوتّر الشّديد في المنطقة"، كاشفًا عن "تقدّم خطوة، وتراجع خطوات نتيجة التشعبّات بين الدّاخل والإقليم. ولا يخفي في المقابل، تفاؤلًا بانفراج جزئي قد يلي اشتداد الأزمة، "في حال نجاح الاتصالات الدّوليّة في احتواء التّصعيد".

بدورها، أعربت مصادر متابعة لـ"الأنباء"، عن ارتياحها للمعلومات الّتي يتمّ تداولها بين القوى المسيحيّة والإسلاميّة المعنيّة. وذكرت أنّ "انتخاب رئيس للجمهوريّة وُضع على نار حامية"، مشيرةً إلى أنّ "بعض القوى السّياسيّة بدأت تقديم العديد من الطّروحات العمليّة والجدّيّة وبذل المضاعفة، بالتّشاور والتّنسيق مع الدّول الشّقيقة أوّلًا ومن ثمّ الصّديقة، لإنجاز الاستحقاق الرّئاسي خلال فصل الرّبيع، في حال لم يحدث أيّ طارئ أمني إسرائيلي على ​لبنان​ يؤدّي إلى خلط الأوراق مجدّدًا".

وبيّنت أنّ "بعض القيادات السّياسيّة تقوم بتدوير الزّوايا، لإيجاد مخرج لانتخاب رئيس مقبول من الأغلبيّة النّيابيّة، وبمساندة من ​اللجنة الخماسية​"، لافتةً إلى أنّ "جميع الأفرقاء السّياسيّين اللّبنانيّين أصبحوا مدركين تمامًا خطورة انهيار مؤسّسات الدّولة، والفلتان الأمني الّذي بدأ يتنقّل بين منطقة وأخرى، وآخرها ما حدث في منطقة الأشرفية في العاصمة بيروت أمس الأوّل، وقبلها على طريق المطار؛ رغم الجهد الكبير الّذي تبذله القوى الأمنيّة بإمكاناتها المتواضعة".

وأكّدت المصادر أنّ "لبنان لا يزال ممسوكًا من قبل الأجهزة الأمنيّة، وفي طليعتها الجيش وقوى الأمن الدّاخلي، بمعاونة القوى السّياسيّة الفاعلة على الأرض، ولن تسمح بالتّالي بتأجيج نار الفتنة والفوضى الشّاملة، رغم الظّروف الصّعبة الّتي يمر بها الوطن على المستويات كافّة، خصوصًا ما يمارسه العدو الإسرائيلي من عدوان يومي على ​جنوب لبنان​ وبعض المناطق الأخرى في العمق اللّبناني".

كما شدّدت على أنّ "تأخير انتخاب رئيس هو السّبب الرّئيسي لتأجيل ​الانتخابات البلدية​ والاختياريّة، فلا يمكن إجراء انتخابات بلديّة واختياريّة في ظلّ عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة، بالإضافة إلى السّبب الآخر وهو استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، دون أيّ أفق يشير إلى نهاية هذه التراجيديا اللّبنانيّة".

جزيرة ​قبرص​ تدق ناقوس الخطر وبوادر توتر مع لبنان وخشية من انفجار ملف النزوح

من جهة ثانية، اعتبرت "الأنباء" أنّه "كان لافتًا في الشّهرين المنصرمين، كثافة الزّيارات الّتي قام بها إلى لبنان مسؤولون رفيعو المستوى من قبرص و​اليونان​ ودول أوروبيّة أخرى، واللّافت أيضًا أنّ الزّيارات لم تقتصر على البُعد السّياسي، إنّما كانت زيارات لقادة أجهزة أمنيّة وعلى مستوى مدراء المخابرات ووزراء الأمن والهجرة".

وأشارت إلى أنّ "مَن يرصد الإعلام الأوروبي وتحديدًا القبرصي واليوناني، يلمس بشكل واضح أنّ لبنان ذاهب إلى أزمة دبلوماسيّة وربّما أكثر مع هاتين الدّولتين على الأقل، إذ ضجّت وسائل الإعلام بالتّحقيقات والمقالات والأخبار عن موجات المهاجرين غير الشّرعيّين الّتي تنطلق من الشّواطئ اللّبنانيّة باتجاه قبرص كمحطّة أولى، بالإضافة إلى اليونان وإيطاليا".

وأوضح مصدر لبناني لـ"الأنباء"، أنّ "المسؤولين القبرصيّين واليونانيّين وآخرهم رئيسة الوزراء الإيطاليّة، أعطوا الأولويّة في محادثاتهم مع المستويَين السّياسي والعسكري الأمني لمسألة الهجرة غير الشّرعيّة، مطالبين لبنان باتخاذ إجراءات صارمة للحدّ من هذه الهجرة".

ولفت إلى أنّ "في المقابل، فإنّ الموقف الرّسمي اللّبناني أكّد أنّه لم يعد من طاقة للبنان على تحمّل أعباء ​النزوح السوري​، وأنّ سلوك ​المجتمع الدولي​ بالإبقاء على النّازحين في لبنان لا بل توطينهم بدل تسهيل عودتهم إلى سوريا وتقديم المساعدات لهم هناك، سيؤدّي عاجلًا أم آجلًا إلى انفجار ملف النّزوح وخروجه عن السّيطرة، لأنّ لبنان المنهَك اقتصاديًّا والمنهار ماليًّا والمدمّرة بناه التّحتيّة، لا يستطيع تحمّل أعباء هذا الكمّ من النّازحين؛ بينما المجتمع الدّولي يواصل عمليّة منع إيصال المساعدات والدّعم إلى ​الحكومة اللبنانية​".

وأضاف: "الجهات الرّسميّة اللّبنانيّة أبلغت مرارًا وتكرارًا إلى الموفدين الأوروبيّين، لاسيّما القبارصة واليونانيّين، أنّ الحلّ ليس بيد لبنان إنّما بيد المجتمع الدّولي، الّذي يستخدم النّازحين ورقة مساومة في المفاوضات السّياسيّة حول مستقبل سوريا، وأنّ لبنان هو في موقع مساءلة الغرب على سياساته المشبوهة الّتي يعتمدها في ملف النزوح، بعدما أباح التّعامل مع هذا الملف لآلاف الجمعيّات الّتي أثّرت على حساب معاناة النّازحين، وتجاوز مؤسسّات الدولة اللبنانية الّتي يجب أن يكون التّعامل معها في معالجة هذه القضيّة؛ وليس حصر المطالبات عندما تقع المشاكل ويتحوّل النّزوح إلى تهديد لدول الجوار".