لم يكن يعلم المسعف في جمعية كشافة الرسالة الإسلامية الشاب حسين عسّاف أن بذّته وسترته المحميّة بموجب الاتفاقيات الدولية ستقيه نيران العدو الإسرائيلي، فالشاب إبن الثمانية عشرة ربيعا والذي لم يترك بلدته ميس الجبل الحدودية البتة والقرى المحيطة بها ، منذ اندلاع المواجهات على الجبهة اللبنانية الجنوبية، حيث خرج في عشرات المهمات الإسعافية والإنقاذية مع زملائه في الفرقة، متنقلا بين البلدات الحدودية، تارة ينقذ جريحا وتارة أخرى يسحب جثمان من قضى بنيران صواريخ الطائرات الإسرائيلية، الّتي صوّبت نيرانها تجاهه بشكل مباشر وأطلقت عليه النار، وما لبث أن فارق الحياة في المستشفى، بعد أيام قليلة على إصابته في الرأس.

حسين ليس آخر ضحية من ضحايا الاحتلال الإسرائيلي، فقد سبقه زميله الشهيد حسين جهير الذي قضى مع أبناء بلدته إثر غارة على بلدة الناقورة، وكذلك استهداف المسيّرات الإسرائيلية مراكز للهيئة الصحية الإسلامية في كفركلا وبليدا والتي قضى فيها عدد من المسعفين، ولا ننسى استهداف الطواقم الإسعافية أثناء عمليات سحب الجرحى والجثامين، وكذلك ترويع رجال الإطفاء خلال عمليات إخماد النيران التي أشعلتها القذائف الفوسفوريّة الإسرائيلية منذ بداية الحرب في تشرين الاول الفائت، من خلال إطلاق النار عليهم لإبعادهم وثنيهم عن عملهم.

لم تترك القوانين الدولية شيئا إلا ولحظته، فالغاية منها تنظيم العلاقات بين البشر ليس في وقت السلم فحسب بل في أوقات الحروب والصراعات أيضا، فنجد أن القانون الدولي الإنساني نص على توفير الحماية العامة والخاصة للمواقع المدنية وذلك في اتفاقية جنيف الرابعة (1949) اضافة الى المادة 18 منها، الّتي لحظت حماية خاصة للمستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء، ويجب احترامها وحمايتها في جميع الأوقات. ناهيك عن اتفاقية لاهاي (1954) والبروتوكولين الأول والثاني لاتفاقيات جنيف (1977).

القوانين والاتفاقيات هذه لطالما ضربتها إسرائيل بعرض الحائط، وما حصل في غزّة من تدمير المستشفيات بشكل كلي واستهداف الأطباء والمسعفين والممرضين والناشطين في الجمعيات الدولية للإغاثة خير دليل على ذلك، وما نشهده اليوم في لبنان من استهدافات لهذه الكوادر الإغاثية والقصف بالمدفعية على محيط مستشفى ميس الجبل الحكومي لترويع الطواقم العاملة في المستشفى، يقطع الشك باليقين بأن إسرائيل لا تعر أي اهتمام لهذه المواثيق والقوانين الدولية، وأن ضروراتها العسكرية تبيح لها كل شيء.

وبالتزامن مع هذه الاعتداءات التي لم تلقَ التفاعل اللازم لا من الدولة اللبنانية ولا من الإعلام اللبناني، نجد أن نسبة كبيرة من مستشفيات الجنوب تصارع اليوم للبقاء في هذه الحرب المستعرة، وفي هذه الظروف الاجتماعية والإقتصادية الخانقة، وهذا ليس بسر، وإنما أشار إليه مسؤولون في الدولة اللبنانية، الّذين طلبوا من الدول الصديقة والجمعيات الدولية المساعدة في هذا الإطار.

يأمل الجنوبيون أن تنتهي الحرب وينتهي معها مسلسل الاستهدافات الإسرائيلية للبنانيين وأرزاقهم، إذ يرى هؤلاء أن الاحتلال كسر كل القواعد ويمارس جنونه أمام أنظار العالم المتفرج، حيث لا قانون يردعه ولا محكمة تحاسبه.