يُعتبر التيار الوطني الحر "حاجة" للثنائي الشيعي لكسر الانقسام الطائفي الحاد الذي يعيشه لبنان، كذلك يُعتبر الثنائي الشيعي "حاجة" للتيار لكي يتمكن من البقاء في السلطة، سواء في الدولة والمؤسسات العامة أو حتى في النقابات، وما جرى في انتخابات نقابة المهندسين في بيروت كان خير مثال على ذلك.

كانت انتخابات نقابة المهندسين في بيروت معركة سياسية بامتياز سعى من خلال الثنائي الشيعي الى هزيمة القوات اللبنانية التي تعتمد خطاباً سياسياً خطيراً في هذه اللحظة التاريخية التي يمر بها لبنان، ورغم أن التيار فاز بمنصب النقيب، واعتبر رئيسه النائب جبران باسيل أنه لا يزال الرقم الصعب في المعادلة رغم كل الهجمات والحملات ضده، إلا أنّه باسيل يُدرك تماماً أن الحلف المنسوج مع باقي المكوّنات أدّى فوز من فاز في نقابة المهندسين في الانتخابات.

انطلاقاً من حادثة خطف وقتل المسؤول القواتي باسكال سليمان بدا واضحاً أن القوات اللبنانية تسعى لتصعيد الصراع الداخلي، ولولا تدخل مخابرات الجيش اللبناني السريع وإلقاء القبض على مرتكبي الجريمة لكانت الأوضاع سارت باتجاه صعب للغاية، تقول مصادر سياسية متابعة، مشيرة عبر "النشرة" الى أن التحرك السريع للجيش قطع الطريق عن فتنة كادت تقع في منطقة كسروان-جبيل، علماَ أن المصادر تؤكد أن محاولات إشعال الفتنة لا تزال مستمرة وآخرها الاعتداء على كنيسة في بلدة لاسا الجبيلية.

كذلك تكشف المصادر أن قيادة الجيش والثنائي الشيعي كانا على تواصل دائم خلال تلك المرحلة لقطع الطريق على أي فتنة، كما قامت قيادة الجيش بدور كبير وفعال مع القوات اللبنانية والبطريركية المارونية، وبالتالي فإن ما حصل يومها يعطي مؤشرات خطيرة ينبغي مواجهتها بالسياسة بطريقة مختلفة عن قبل.

لعل الطريق الأمثل للمواجهة هو كسر الانقسام الطائفي، لذلك كان خيار الثنائي الشيعي وتحديداً حركة أمل التحالف مع التيار، فهو يحقق ثلاثة أهداف رئيسية، الأول إيصال مرشح الحركة الى النقابة، والثاني منع وصول مرشح القوات اللبنانية الى مركز النقيب، والثالث منع تصوير كل الصراعات الانتخابية والسياسية على أنها صراعات طائفية.

بالمقابل يُفترض أن يكون باسيل قد اقتنع أنه لا يستطيع جذب الشارع المسيحي بتصعيد الخطاب الطائفي والحديث عن حقوق المسيحيين وغيرها من الشعارات، فقوة التيار لم تكن يوماً بالخطاب المسيحي بل بالخطاب الوطني، وقدرة التيار على نسج علاقات وتحالفات مع كل المكونات اللبنانية، من هنا يمكن قراءة محاولات التقارب التي يقوم بها التيار مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعد سنوات.

نقاط قوة التيار لا تشبه نقاط قوة القوات اللبنانية، لذلك لا يجوز استمرار التياريين بمحاولة تقليد القواتيين، فالأوّل عندما انفتح على الجميع حقّق انتصارات هامّة، من رئاسة الجمهورية الى الحكومات والنقابات، والثاني وإن حقق انتصاراً بالشارع المسيحي إلا أنه لا يستطيع أن يصلوا لوحده الى مراكز القرار، فهذا البلد يُحكم بين مكوناته.