نحن لا ننظر إلى أيقونة نزول الربِّ إلى الجحيم لنبقى متفرِّجين فقط، بل نحن ندخلها ونسير جارِّين خلفنا قبرنا المليء بخطايانا ومعاصينا وترابيَّتنا، نسير نبحث عن الحياة والنور، وعن مصدرهما، عن الربِّ يسوع المسيح، فنجد في الحقيقة أنَّه هو مَن يبحث عنَّا، تمامًا كما قلنا في تقاريظ الجنَّاز: «لقد نزلتَ يا ربُّ إلى الأرض لتبحث عن آدم، فلمَّا لم تجده نزلتَ تبحث عنه في الجحيم». الربُّ يبحث عنه لينتشله، ويقيمه معه إلى مكانه الأوَّل الَّذي هو السماء، موطننا الأوَّل ومقصد رحلتنا الأرضيَّة وحياتنا هنا.

كلُّنا آدم، إناثًا وذكورًا، وكلُّنا خلَقَنا الله على صورته كشبهه، وكلُّنا أولاده بالتبنِّي، وكلُّنا لنا مكان معه إذا نحن قبِلْنا خلاصه وأردنا ذلك.

لقد بدأنا رحلتنا الصياميَّة في زمن التريودي، في مراحله الثلاث، التهيئة والصوم الأربعينيِّ، والأسبوع العظيم، لنصل إلى القيامة المجيدة، حيث سبت النور العظيم يختم التريودي، لنعبر إلى زمن جديد، الزمن الخمسينيِّ مع أحد الفصح المجيد.

إنَّه عبور إلى الفرح الأبديِّ، نعلنه بعبارة: «المسيح قام» في سحر الأحد المجيد. ومن يراقب جيِّدًا يلاحظ أنَّ الكنيسة تترجم هذا العبور بأبهى الصلوات والترانيم والقراءات والخدم والأيقونات المقدَّسة والألوان.

فاللون البنفسجيُّ لون الصوم يحلُّ مكانه اللون الأبيض في سبت النور إعلانًا أنَّ الربَّ انتصر على قوى الشرِّير وفجَّر الجحيم وأطلق المأسورين ووهبَنا خلاصه ، بعد أن أمات الموتَ بموته.

أمَّا أيقونة نزول الربِّ إلى الجحيم، والمعروفة بأيقونة القيامة، فهي تُظهر الربَّ قائمًا في الوسط يحيط به أنبياء وقدِّيسون من العهد القديم، وهو ينتشل آدم وحوَّاء من الموت، وتحت أقدام الربِّ الشيطان مقيَّدًا، وأبواب الجحيم مخلَّعة ومفاتيحها مبعثرة.

الصحابة عن يمين يسوع ويساره هم ليسوا فقط شهودًا على الحدث الخلاصيِّ، بل دخلوا في عمق الحدث بعد أن تجسَّدت كلمة الله الحيَّة فيهم، وهم يدعوننا إلى أن نلتحق بهم.

إنَّهم فرحون، وفرَحُهم لا يوصف. والخدم طوال الأسبوع العظيم المقدَّس تجعلنا نتذوَّق مسبقًا طعم الملكوت السماويِّ. الشموع المضاءة أثناء زيَّاح الختن والقداديس قبل الظهر، ومسحة الزيت المقدَّس، والصلوات، وأناجيل الصلب، والدفن البهيُّ، ورشُّ الغار في يوم سبت النور، والهجمة في سحر الأحد، كلُّها، مع الصلوات والقراءات والتراتيل ورائحة البخور، هي مجموعة واحدة متكاملة ومتناغمة، إن أحسَنَّا الإصغاء إليها، ودخلت إلى عمق قلبنا، لأقامتنا من قبر خطايانا وأدخلتنا الحدث الفصحيَّ، فننضمَّ إلى أهل السماء.

هذا تذوُّق ومشتهى، مَن ذاقه بات عاشقًا للنور ويلهف للقائه، كانتظار الليل لشروق الشمس، ليستنير بها ويستدفئ بحرارة شعاعاتها. هذه هي علاقتنا مع القائم الَّذي شقَّ سواد الظلمة وأشرق علينا نوره البهيَّ والقياميَّ، وهذا ما يُعلنه الكاهن بصوت جهوريٍّ حاملًا شمعة ليضيء المؤمنون شُموعَهم منها: «هلمُّوا خذوا نورًا من النور الَّذي لا يعروه مساءٌ، ومجِّدوا المسيح الناهض من بين الأموات».

هذا النور يقتحم كلَّ الأبواب ويفتحها، يدحرج الحجر عن باب قلبنا، ويجعلنا خليقة جديدة إن أحسَنَّا الجهاد وطلبنا الله بصدق وتوبة.

خطايانا تندثر تحت أقدام المسيح إلى غير رجعة إن اعترفنا بها ومقتناها. أوراق الغار الَّتي رماها الكاهن في قدَّاس سبت النور تملأ الكنيسة إشارة إلى ظفَر المسيح.

ظفَرُ المسيح مفتوح على مصراعيه لنشترك به.

هذا ما تُظهره الأيقونة. آدم وحوَّاء اللذان يقيمهما الربُّ صورة لقيامتنا أجمعين. هابيل الراعي الَّذي قتله أخوه حسدًا موجود في أيقونة نزول الربِّ إلى الجحيم. هو حيٌّ معه إلى الأبد إذ كان صورةً عنه. داود وسليمان من سلالة المسيح حاضران أيضًا ليقولا إنَّ الهيكل الحقيقيَّ هو يسوع. ألم يقل الربُّ «انقُضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيَّام أُقيمُه»؟ (يو 2: 19). وهو الَّذي كرسيُّ مجده يدوم إلى الأبد.

موسى أيضًا حاضر في الأيقونة لأنَّ الشريعة لا تكتمل إلَّا بالربِّ، وفي دعوته لنا إلى القداسة. هو إلهنا الوحيد. ولا ننسَ أنَّ موسى أسَّس الفصح الأوَّل الَّذي كان صورة مسبقة عن فصح المسيح. دانيال النبيُّ الَّذي حفظه الربُّ في جبِّ الأُسُود يشهد لقيامة الربِّ. النبيُّ يوحنَّا المعمدان الَّذي لم يساوم على الحقِّ واستشهد يقف منتصرًا في الأيقونة مع المسيح. وهو خاتمة الأنبياء الَّذي أخبرَنا عن مجيء المسيح.

قد يتنوَّع الأشخاص الموجودون بين أيقونة وأخرى، فتشمل أحيانًا البطاركة الأوائل إبراهيم واسحق ويعقوب، لأنَّ من نسل ابراهيم يأتي المخلِّص. والفتية الثلاثة الذين خلّصهم الرب من أتون النار، وإيليّا النبيّ الذي كان دائمًا يقول: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَنَا وَاقِفٌ أَمَامَهُ»، وغيرهم. وأحيانًا نرى الصليب محمولًا من الملائكة علامة الظفر.

الربُّ في وسط الأيقونة لأنَّه الحدث والجوهر وهو محور حياتنا وركيزتها، وخلفه الصخور تشقَّقت. لباسه أبيض اللون إشارة إلى النور الَّذي بدَّد ظلمة الجحيم. نراه وسط Mandorla والشعاعات الثلاثة خلفه تشير إلى مجده، والأبعد هو الأغمق لكون جوهره لا يُدرَك.

ما أعظم هذا الحدث وما أجمله! وكم كنَّا سنكون تعساء لو لم يأت الربُّ ويتجسَّد ويُصلَب ويقوم! إنَّها المحبَّة اللامتناهية واللامحدودة. إنَّها قيامة المحبَّة الَّتي تزيل كلَّ العوائق في حياتنا وتفتح لنا طريق السماوات.

إلى الربِّ نطلب.