بعد أن غاب الإستحقاق الرئاسي عن دائرة الإهتمامات، بسبب إنشغال القوى الخارجية المؤثرة والأفرقاء اللبنانيين الأساسيين بملفات أخرى، أبرزها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجنوب لبنان وتداعيات أزمة النازحين السوريين بعد السجال الذي رافق الإعلان عن الهبة الأوروبية الغامضة. برزت مجموعة من التحليلات التي تتحدث عن إمكانية إعادة تحريكه من جديد، إنطلاقاً من الزيارة التي يقوم بها قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى قطر، بالإضافة إلى إجتماع اللجنة الخماسية الذي يعقد اليوم في السفارة الأميركية.

في هذا السياق، تذهب مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى التأكيد بأن ما يطرح له خلفيات منطقية، تبدأ من المعلومات عن أن الدوحة في وارد التحرك على المستوى الرئاسي، حيث من المفترض أن تستقبل العديد من الشخصيات السياسية اللبنانية، بعد أن كانت قد استقبلت البعض في الفترة الماضية، بالإضافة إلى هامش الوقت الذي يضيق أمام إمكانية تحرك الإدارة الأميركية الحالية برئاسة جو بايدن، بسبب إقتراب موعد دخولها مرحلة الإنشغال بالإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

على الرغم من ذلك، توضح هذه المصادر أن ذلك لا يلغي أن البحث في هذا الموضوع يتطلب بعض التروي في قراءة المعطيات، حيث تلفت إلى أن زيارة قائد الجيش غير متعلقة بالإستحقاق الرئاسي، بالرغم من أنه من المرشحين الدائمين إلى جانب رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، بل هي تتعلق بشكل أساسي بواقع وحاجات المؤسسة العسكريّة، خصوصاً أن الدوحة كانت من أبرز الداعمين لها في الفترة الماضية، وبالتالي لا يجب أن تعطى أي أبعاد أخرى.

أما بالنسبة إلى إجتماع اللجنة الخماسية، فتوضح المصادر نفسها أن الإجتماع في مقر السفارة الأميركية لا يعني حصول أي تبدل في موقف واشنطن، بل أن إختيار المكان يرتبط بالمداورة القائمة بين الدول الأعضاء في هذه اللجنة، حيث عقد في المقرات الأخرى في الفترة الماضية، وهو من الممكن وصفه بـ"الروتيني" للتباحث في التطورات أكثر مما هو يحمل أي جديد على هذا الصعيد، خصوصاً أن المعطيات لم تتبدل منذ اللحظة التي كانت فيها هذه اللجنة قد "جمدت" نشاطها.

في هذا الإطار، تجدد المصادر السياسية المتابعة التأكيد على أنّ التحول المنتظر، الذي من الممكن الرهان عليه من الناحية العملية، هو الوصول إلى إتفاق على هدنة أو وقف إطلاق النار في غزة، الأمر الذي يفتح الباب أمام إتفاق آخر بالنسبة إلى الحدود الجنوبية، ثم أمام حصول تسوية تتعلق بالملف الرئاسي، وتضيف: "حتى الآن لا يبدو أن هناك معطيات حاسمة في هذا الإتجاه، بل على العكس من ذلك إذ تبدو تل أبيب مصرة على التصعيد".

من وجهة نظر هذه المصادر، الحديث عن أن الإستحقاق الرئاسي من الممكن أن ينجز خلال شهرين، مرتبط بالرواية عن التسوية في غزّة خلال هذه المدة، على قاعدة أن الإدارة الأميركية مستعجلة على الإنتهاء من هذا الملف، قبل دخولها مرحلة الإنشغال بالإستحقاق الإنتخابي، لكنها تشير إلى أن نجاحها غير مضمون، وبالتالي من الممكن أن تؤجل كل الملفات إلى ما بعد هذا الإستحقاق، وفي حال فوز الرئيس السابق دونالد ترامب فإن التأجيل قد يكون إلى ما بعد تسلمه السلطة، أي إلى العام المقبل.

في المحصّلة، تجدد المصادر نفسها التأكيد على أن مفتاح الحل لبنانياً، سواء بالنسبة إلى الجبهة الجنوبية أو بالنسبة إلى الإستحقاق الرئاسي، وهو مرتبط بمستقبل الأوضاع في قطاع غزة، حيث تستبعد حصول أي مفاجأة غير متوقعة على هذا المسار، بسبب التباعد المستمر في مواقف الأفرقاء المحليين، لا بل رهانهم على مجمل التطورات في المنطقة.