على الرغم من الصعوبات التي لا تزال تدفع الأفرقاء المحليين إلى إستبعاد الوصول إلى تسوية رئاسية في وقت قريب، لا يمكن تجاهل التحركات التي تصب في هذا الإتجاه من قبل العديد من الجهات الدولية، حيث تتحرك قطر من خلال إستقبالها بعض الأفرقاء اللبنانيين، في حين تتحضر فرنسا لإرسال موفدها الرئاسي جان إيف لودريان إلى بيروت، في وقت يدعو البعض إلى إنتظار نتائج القمة التي ستجمع الرئيسين إيمانويل ماكرون وجو بايدن، الشهر المقبل.

إنطلاقاً من ذلك، ينبغي النظر إلى كل ما يحيط بالملف اللبناني بطريقة مختلفة، حيث من غير المستبعد احد السيناريوهات المحتملة، لا سيما أن المفاجآت قد تحصل في أي لحظة، فمن كان يتصور، في العام 2016، ذهاب كل من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، إلى تأييد إنتخاب الرئيس السابق ميشال عون؟.

في هذا السياق، تذهب مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى وضع مقدمات أساسية للحديث عن إمكانية إنتخاب رئيس للجمهورية في وقت قريب، تتخطى الإشارات التي تم التعبير عنها في البيان الذي صدر عن اجتماع سفراء اللجنة الخماسيّة الماضية، حيث تلفت إلى أنّ الإنطلاقة يجب أن تكون من تزايد مخاوف حيال شن إسرائيل لعدوان على جنوب لبنان، وأكدتها المواقف التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أول من أمس.

بالتزامن، تشير المصادر نفسها إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث الجميع متفق على أن واشنطن، بعد إنتهاء شهر حزيران، لن تكون قادرة على الإنخراط بشكل فعال في الملفات الخارجية الهامة، بالرغم من حاجة إدارة الرئيس الأميركي إلى إنجاز على المستوى الخارجي، بعد أن تحولت حرب غزة إلى عامل مؤثّر في هذه الانتخابات، نتيجة التداعيات التي تركتها على الواقع الداخلي في الولايات المتحدة.

بالإضافة إلى ما تقدم، توضح هذه المصادر أن ّهناك عاملاً آخرَ يرتبط أيضاً بالإنتخابات الأميركية، يتعلق بإمكانية الوصول إلى تسوية إقليمية كبيرة في المنطقة في الشهرين المقبلين، وهو ما يبرز من خلال الإغراءات التي تقدم إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، للذهاب إلى وقف الحرب في غزة، أبرزها التطبيع مع المملكة العربية السعودية، من دون تجاهل عامل المفاوضات المستمرة بين واشنطن وطهران.

بناء على ذلك، كان من الطبيعي أن يبدأ الحديث عن إمكانية الوصول إلى تسوية في لبنان، من ضمن أخرى أكبر على مستوى المنطقة، لكن في المقابل هناك العديد من النقاط التي ينبغي التطرق إليها، لمعرفة التوجه العام، حيث السؤال الأهم يبقى حول مهمة الرئيس المقبل، في حال كان هناك إمكانية لتمرير هذا الإستحقاق في وقت قريب، هل المطلوب رئيس يتولى التفاوض عن لبنان أم رئيس يكرس نتائج التسوية التي ستحصل؟.

وللجواب عن هذا السؤال الهام، بحسب المصادر السياسية المتابعة، يفترض العودة إلى التوازنات الداخلية، حيث تسيطر حالة من القلق على قوى المعارضة، التي تزال تخشى خيار المقايضة بين القوى الكبرى و"حزب الله"، خصوصاً مع تكريس الحزب لدوره بشكل أكبر في ظل الحرب الحالية، وقد يكون التعبير الأدقّ عن هذا الواقع هو "سخرية" الرئيس السابق لللحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط من زيارة الوفد النيابي إلى واشنطن، على أساس أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري هو الذي يتولى المفاوضات مع مستشار الرئيس الأميركي عاموس هوكشتاين.

في المقابل، تلفت المصادر نفسها إلى أن القوى الداعمة لترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية لا تزال على موقفها، معتمدة سياسة النفس الطويل وتسجيل التقدم بالنقاط، لا سيما أن الفريق الأساسي فيها، أي "حزب الله"، ليس لديه ما يخسره، ولا ينفع معه التلويح بخيار العقوبات، ما يعني أنه لن يقدم على تنازلات قبل معرفة المسار الذي ستسلكه الأحداث على مستوى المنطقة برمتها، بما يشمل الأوضاع على الجبهة الجنوبية.

في المحصّلة، تعود هذه المصادر إلى السؤال الأهم، رئيس مفاوض أم مكرس لنتائج التسوية، لتؤكد أنّ الخيار الأول لا يمكن أن ينتخب من دون موافقة "حزب الله" الكاملة على الإسم، لأنه ، في حال عدم الوصول إلى ذلك، يفضل أن تبقى هذه المهمة بيد رئيس المجلس النيابي، أما بالنسبة إلى الخيار الثاني، فإن الأمور مرهونة بنتائج المفاوضات، حيث من الممكن التوافق على أي إسم بعد ذلك، بناء على المعادلات التي ستكون حاضرة.