شدد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، في كلمة له خلال مؤتمر "التجدد للوطن"، على أنّ "المقاطعة الناتجة عن عدم الثقة بين اللبنانيين هي سيّدة الموقف، ولذلك لا يجرؤ أحد على المبادرة إلى فتح حوار وطنيّ صادق، وكذلك لا يرى أحد جدوى في تلبية حوار لا يغوص في نقاط أساسية تراكمت حتى تحوّلت إلى قنابل موقوتة".
وقال: "أما آن الأوان لنكون رجال دولة حقيقيين فنُبادر فوراً إلى انتخاب رئيس للجمهورية يُعيد الثقة ويضعنا على السكة الصحيحة لترسيخ الإستقرار؟"، مشيرًا إلى أنّ "لبنان بلدًا ديمقراطيًا وفئاته الاجتماعية تمارس نمط حياة خاصًا من دون أن تتصارع اجتماعيًا وأمنيًا"، لافتًا إلى أنّ "لبنان بات بلداً طبقيًّا وحين انتفض الشعب لتحسين وضعه وحين اختار في الانتخابات فهو اختار الأسماء المغلوطة".
وأشار إلى أنّ "لبنان تحوّل إلى ساحة فوضى وتصفية حسابات وبات ساحة مفتوحة على كلّ الاحتمالات الهدّامة ونشأت في الأوساط اللبنانية كانتونات اجتماعية تتداول في كيفية تسييس ذاتها".
وشدد الراعي على "أننا نريد رئيسًا يُغيّر ويخلق بيئة وطنية نظيفة والتزامًا بالثوابت التاريخية ويضع حدًا للتبعية وتشتيت الشرعية ويطلق سراح اللبنانيين".
وقال: "كثرت في الآونة الأخيرة. طروحات دستورية مختلفة من أجل إيجاد صيغ دستورية تعيد الأمل إلى الحياة في لبنان من دون أن تقضي على كيان لبنان. تعتقد هذه الفئات أنها صبرت كثيرا على الصيغة القائمة وأعطتها جميع حظوظها، فيما فئات أخرى، من كل الطوائف أيضا، تعتقد أن المراحل الصعبة باتت وراءنا والصيغة الحالية ستستعيد تألقها، ولا داع بالتالي للبحث عن صيغ جديدة. لكن سها عن بال هؤلاء أن تألق الصيغة اللبنانية يتعذر بمنأى عن انتظام الاستقرار السياسي والأمني والكياني في سائر دول الشرق الأوسط. تطور المجتمع اللبناني جاء متنافرا. فئات كانت بعيدة عن الفكرة اللبنانية صارت تدافع عنها، وفئات أخرى كانت قريبة منها ابتعدت عنها. تجاهلتها وتجهلت، والتحقت بأفكار أخرى لا تمت إلى الفكرة اللبنانية، حتى بات التوفيق بينهما مستحيلا".
وأضاف الراعي "الحلول التي يقترحها اللبنانيون للبنان الجديد يرتاب أصحابها في نجاحها لأن المجتمع اللبناني صار عصيا على الحلول وأليفا على المشاكل، ولأنهم يطرحونها تحت وطأة الأحداث. استأنس اللبنانيون التنقل من أزمة إلى أخرى كأن الأزمات أهون من الحلول. الحلول الوطنية معقدة، والحلول الفئوية ليست موضوع إجماع. الإشكالية الكبرى في المجتمع اللبناني أن العناصر التأسيسية التي تكون "أمة" – وهي الشعب والتاريخ والجغرافيا واللغة والحضارة و/أو الثقافة – هي العناصر الخلافية التي تفرق بين اللبنانيين. فأطراف لبنانية، متأثرة بالمحيط، اختزلت جميع العناصر التأسيسية للأمة بالدين ثم بالمذهب وقضت على مفهوم الأمة الحضارية اللبنانية وجرفت في طريقها مفهوم الدولة/الكيان. لا قيمة لأي أمة أو دولة ما لم توفر للشعب السلام المستدام والحرية والكرامة. وهذه الفضائل هي ثمرة إرادة الحياة المشتركة قبل أن تكون حصيلة الدستور والقانون".
وفي كلمة له خلال المؤتمر، أشار بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسي إلى أنّ "العناصر التي يتأسس بها الوطن هي الشعب واللغة والجغرافيا والتاريخ والتقاليد والثقافة والدين، وما يؤسس الوطن فوق كل هذه العناصر هي الإرادة لبناء وطن واحد يعيش فيه المواطنين متساوين بالحقوق والواجبات".
وأشار إلى أنّ "الأوطان ليست حصيلة أُمنية بل حصيلة إرادة"، وقال: "النظام الطائفي شيء والفكر الطائفي شيء آخر"، مشددًا على أنّ "انتخاب رئيس للجمهورية هو بداية استعادة الثقة بلبنان وهو خطوة للعودة الى حضن الوطن".
وكان قد استُهل المؤتمر بكلمة رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي شارل عربيد، حيث قال "نلتقي في ساحة الوطن، لا في مكان جغرافي، بل في مساحة الانتماء للبنان. نسميها ساحة الوطن، التي تجمعنا حول رفض الوطن الساحة".
واعتبر أنّ "لبنان لا تنقصه اللقاءات والاجتماعات وصنوف عروض الكلام وحسن البيان والتعبير، بل تنقصه الأفعال المبنية على إرادات واعية وصافية وعارفة بمكامن الأمراض وعلاجاتها، وبمواضع الثغرات وإجاباتها"، مضيفًا "هذه اللحظة هي لحظة أزمات متنوعة ومتراكمة، في سياق تحولات عالمية وإقليمية شديدة الخطورة، تضع لبنان أمام خطرٍ وجودي كبير، أو أمام فرص كبيرة".
وقال: "تراجعت أزماتنا الداخلية العميقة والتاريخية لتتوارى خلف هول الحرب الإسرائيلية المجنونة على غزة، وانعكاساتها في الجنوب اللبناني بسلسلة مستمرة من العدوان الذي يفاقم من أزماتنا، ويوسع من مشكلاتنا الاقتصادية والأمنية والدفاعية والسيادية".
وأوضح أنّ "في الداخل، تبقى الأزمات الاقتصادية والمالية، والتعثر المؤسساتي بخلو سدة الرئاسة ومواقع أخرى كثيرة غيرها، وفقدان الثقة بالدولة، لتهدد قوتنا الجمعية، ودولتنا بمكوناتها كافة".