تساءلت صحيفة "الراي" الكويتية، "ماذا بعد الارتقاء الأكبر الذي شهدتْه جبهة جنوب لبنان في الساعات الماضية، في الوقت الذي تقف ​حرب غزة​ أمام مفترق جديد شكّله "مقترح الرئيس الأميركي جو ​بايدن​" لوقف مستدام لإطلاق النار وتبادُل الأسرى وإعادة الإعمار؟".

وأشارت إلى أنّه "سؤال تردّد بقوّةٍ أمس، على وقع دخول الـ"ميني حرب" المفتوحة جنوباً منذ نحو 8 أشهر، منعطفاً جديداً يتم وضعه بحدّه الأدنى في سياق ترسيمٍ مدوٍّ لـ"توازنِ تدميرٍ" يظهّره "​حزب الله​" بأوضح صورة وبـ"أثقل" الاستهدافات في الأرض والجو، وفي حدّه الأقصى على أنه رياح تسخينية سبّاقة لموجة تصعيد كبرى تُسابق منذ 7 تشرين الأوّل 2023 جهوداً دبلوماسيةً وأكثر من "خط طوارئ" جرى مدّه -حتى بين قوى دولية وإقليمية على ضفتَي نقيض- للإمساك بدفّة المواجهات وتفادي تفلُّت ​الحدود اللبنانية​- ال​إسرائيل​ية من "ضوابط ذاتية" تتشابك فيها اعتبارات أكلاف الانفجار الشامل مع ملامح "​شبكة أمان​" نُسِجت في الكواليس؛ وعلى جانبيها كلّ من الولايات المتحدة وإيران".

ولفتت الصحيفة إلى أنّ "غداة ضَرب "حزب الله" ما أعلنت إسرائيل أنه "هدف استراتيجي خارج التوقّعات"، جرى فرضُ "رقابة عسكرية على طبيعته والأضرار التي وقعت فيه" وتوسيعه حزام النار ليطال المستوطنات التي لم يتمّ إخلاؤها في الجليل الغربي، بدا أن الحزبَ اختار الردّ بالنار على إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أنه "أعطى تعليمات للجيش بتوسيع مستوى الضربات على لبنان"، فمضى في رفْع وتيرة استهدافاته وتطويرها كمّاً ونوعاً، والتي كان أبرزها أمس استهداف مقر قيادة اللواء الشرفي 769 (معسكر جيبور) في مستوطنة كريات شمونة بصواريخ "بركان" الثقيلة ما تسبب بأضرار كبيرة فيه، وإسقاطه مسيّرة نوع "هيرمز 900"، التي تُعتبر من أكبر وأغلى الطائرات التي يملكها الجيش الإسرائيلي".

وأفادت بأنّه "تمّ التعاطي مع هذه "النقلة" من "حزب الله"، على أنها في سياق مزدوج:

- أوّله ملاقاة تَمادي تل أبيب في تَوَحُّشها الذي كان طاول الجمعة فريق إسعاف (تابعا للهيئة الصحية الإسلامية في "حزب الله") في بلدة الناقورة، ما أدى إلى سقوط عنصر وجرْح آخَر، ومدنيين جُرحوا في بلدة عين قانا بغارةٍ أدت إلى مقتل عنصر في الحزب، وقبْلها اعتداء جوي على أطراف بلدة عدلون، أدى إلى سقوط مواطنة وإصابة عدد من الجرحى وتدمير المنزل المستهدَف؛ وعلى الخيام حيث تم ضرب سوبرماركت ما تسبّب في اندلاع حريق.

- والثاني "ربْط نزاع" في الميدان المشتعل، مع الطروحات التي يُراد أن تكون بمثابةِ المَدرج لـ"هبوط آمِن" يَنقل جبهة الجنوب إلى كنفِ ترتيبات أمنية تشتمّ منها "الممانعة" محاولة للحصول ب​الدبلوماسية​ على مكتسباتٍ لا تعبّر عن وقائع الأرض وموازينها، وذلك فقط على قاعدة أن إسرائيل لوّحت بالتصعيد وبالضغط على الزناد ما لم تتحقق رؤيتها للحلّ على حدودها الشمالية".

كما اعتبرت أنّ "الأكثر تعبيراً عما يُعدّ لـ"اليوم التالي" لبنانيًا، كان ما أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن من أن "واشنطن ستساعد في صوغ حلّ على الحدود اللبنانية"، في الوقت الذي كان مستشاره لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين، الذي يخوض مفاوضات مكوكية حول جبهة الجنوب، يكشف في مقابلة مع مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي مرتكزات مسار مزدوج يعمل عليه بالتوازي منذ 7 تشرين الأوّل الماضي، ويقوم على:

- المدى الآني لجهة إبقاء الهجمات والردود بين إسرائيل و"حزب الله"، في نطاق لا يسمح لها بالانتشار بما يؤدي إلى "صراع أوسع وحرب نشطة كاملة بين إسرائيل ولبنان قد تمتد إلى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط"، مع التحذير من أن :خطأ في الحساب أو حادثاً لصاروخ يخطئ الهدف فيصيب حافلة مليئة بالأطفال أو هدفاً مدنياً آخَر مثلاً، قد يجبر النظام السياسي في أي من البلدين على الرد بطريقة تؤدي بنا إلى الحرب. رغم أن كلا الجانبين ربما يَفهم أن حرباً أوسع أو أعمق ليست في مصلحة أي منهما".

- والمدى المستدام الذي يستند إلى "خريطة طريق" يعمل عليها، بحيث يكون هناك اتفاق جاهز لإسقاطه على جبهة الجنوب، في اللحظة المناسبة، "وقد يكون ذلك مرتبطاً بحرب غزة وربما لا، وذلك على قاعدة عودة الاسرائيليين بأمان إلى منازلهم في الشمال، وعودة سكان جنوب لبنان إلى مناطقهم واستعادة لبنان الازدهار الاقتصادي والأمني".

وبيّنت "الراي" أنّ "الموفد الأميركي حرص على تأكيد أن هذا المسار يقوم على "سيبة ثلاثية"، لا يمكن عزل مرتكزاتها الأمنية والاقتصادية والسياسية، وتعبّر عنها المراحل الثلاث من الاتفاق المُراد بلوغه، وملحقه الرئاسي"، ناقلة عن هوكشتاين أنّ "المرحلة الأولى أمنية، وهي القيام بما يكفي للسماح للمجتمعات الشمالية في إسرائيل بالعودة إلى منازلهم، والمجتمعات الجنوبية في لبنان بالعودة إلى بيوتهم، مع رؤية للمستقبل تقوم على تعزيز القوات المسلحة اللبنانية (لنشرها جنوباً) وهذا يتطلب كمية هائلة من التدريب والتجهيز، وهذا يأخذ وقتاً. ولذا سنبدأ في إجراء تلك المحادثات قبل الوصول إلى اتفاق".

وأضاف أنّ "الثانية هي "حزمة اقتصادية للبنان تتعلق بضمان أن المجتمع الدولي يُظْهِر للشعب اللبناني أننا نستثمر فيهم لفتح فصل جديد (...) وقد وَضَعنا حزمة يمكن أن تؤمن 12 ساعة من الكهرباء للبنانيين في فترة قصيرة". والثالثة هي الحدود البرية "والتأسيس، للمرة الأولى على الإطلاق، لحدود معترَف بها بين البلدين، وأعتقد أن ذلك سيساعد كثيراً"، متداركاً أنه "لا يتوقع سلاماً دائماً بين حزب الله وإسرائيل، ولا أعتقد أن هذا مطروح".