من ايلول 2023 الى حزيران 2024، قرابة السنة مرّت لكن السفارة الاميركية في لبنان بقيت تجذب الرصاص نحوها. في الحالة الاولى، خرجت الخلاصة الرسمية بأن ما حصل مجرد خلاف شخصي و"انتقام" من عامل توصيل Delivery، وهو ما لم يقنع الكثيرين وقيل عن الاسباب التي تدفع الى عدم الاخذ بهذه الذريعة لان اطلاق النار على سفارة اكبر دولة في العالم ليس بالامر البسيط، خصوصاً اذا كان السبب "خلاف شخصي". ولكن ما حصل بالامس بدا اكثر جدية، ولم يكن من الممكن التغاضي عنه وعن خطورته لسببين رئيسيين: الاول انه اظهر بوضوح ضلوع سوريين في تنفيذه وينتمون الى تنظيم "داعش" الارهابي، والثاني ان الجيش هذه المرة كان اكثر جهوزية للتعامل مع الحادثة وتمكن من توقيف احد المهاجمين.
ووفق ما يقوله مصدر لبناني متابع للاحداث والتطورات، فإنه من غير المستبعد ان تتوقف هذه الهجمات على السفارة الاميركية، وقد لا تتخطى حدود اطلاق النار عليها، نظراً الى التدابير التي يتخذها الجيش اللبناني في محيط السفارة، والاعتبارات الامنية المتشددة والمدعومة بأحدث انواع التكنولوجيا التي يستخدمها الاميركيون لحماية منشآتهم الضخمة. ويقول المصدر ان الاميركيين كانوا يتوقعون، عندما اتخذوا قرار بناء ثاني اكبر سفارة لهم في المنطقة وربما في العالم، ان تكون هدفاً لتلقي الرسائل الامنية، ولكنهم كانوا على يقين بأن الحماية الخارجية لن تقل شأناً عن الحماية الداخلية وبالتالي فإن نسبة الخطر قليلة. اما سبب توقع الهجمات، فيعود الى ان لبنان بلد قابل للاستعمال وفيه من لا يؤيد السياسة الاميركية ووقوفها المطلق الى جانب اسرائيل، كما انه من الاسهل توجيه الرسائل من لبنان في موازاة غيره من الدول في المنطقة.
اما عن عودة "داعش" الى الساحة الامنية، يقول المصدر ان هذه المسألة ليست بريئة، ففي حين تشتت هذا التنظيم ولم يعد يشكل خطراً جدياً كما كان سابقاً، الا ان الخلايا النائمة حاضرة وفي اكثر من دولة، ويمكن استعمالها في اي وقت، وهدفها خلق البلبلة، وفي بلد كلبنان قد يصل الامر الى حدود "الفوضى المضبوطة" التي تؤذي من دون ان تقضي على النظام والتركيبة القائمة. ويضيف المصدر ان خطر الوجود السوري في لبنان المتجسد بمئات الآلاف من النازحين يقيم معظمهم بشكل غير شرعي، ليس خفياً على احد، وبالرغم من ذلك، يفضّل الاميركيون والغربيون بقاءهم في لبنان على عودتهم الى سوريا او استقبالهم في اي بلد آخر، لانهم يعتبرون ان خطرهم اقل على مصالح هذه الدول اذا ما بقوا حيث هم، وحين يُسألون عن الخطر على الوجود اللبناني، يأتي الجواب بطمأنة السائلين بأن هذا الوجود ليس معرضاً للخطر لان احداً لن يسمح بزوال لبنان، ولكن الابقاء على معاناته والقلق على مصيره شيء آخر. وبالتالي، فإن قرار هذه الدول بالنسبة الى مصير النازحين السوريين في لبنان لن يتغيّر حتى ولو تصاعدت الحوادث الامنية المرتبطة بهذا الحضور الكثيف على الاراضي اللبنانية.
وفي ظل انتقاد البعض للتدابير التي يتخذها الجيش اللبناني في محيط هذه السفارة، بقيت الاشادات بعمله وبعمل الاجهزة الامنية، عالية النسبة. وشدد المصدر على انه متأكد من عدم التعرض للجيش وابقاء الدعم الدولي له، بما يضمن ابقاء الستاتيكو الحالي وعدم المخاطرة بتدهوره، ودعمه ليستمر في التعامل مع المشاكل الامنية التي تحصل، ومحاولة القضاء على عدد من الخلايا النائمة التي تنتظر الضوء الاخضر للظهور والقيام بما يُطلب منها.
ويتحسّر المصدر على الوضع الذي وصل اليه لبنان، واعتباره من قبل الجميع كـ"مستودع" لتمرير الوقت في ظلّ الجمود الحاصل على الصعيدين الاقليمي والدولي، فهل من يعتبر؟.