منذ اللحظات الأولى للإعلان عن حادثة الإعتداء على ​السفارة الأميركية​ في عوكر، طُرحت الكثير من الأسئلة حول تداعيات هذه العملية ودور تنظيم "​داعش​" الإرهابي فيها، لا سيما أن البعض استغرب أن يذهب التنظيم إلى تنفيذ هكذا عملية في لبنان، في حين أن البعض الآخر قرّّر أن يستغلها أو يضعها في سياقات مختلفة، بينما هناك من قرّر البحث فيما إذا كان هناك قراراً لدى قيادة التنظيم بإشعال الساحة اللبنانيّة، على قاعدة وجود العديد من الخلايا النائمة التي من الممكن أن تستيقظ في أي لحظة.

بعيداً عن هذه القراءات، التي لا تستند إلى أي أدلّة عمليّة، خصوصاً أن التحقيقات مع المنفذ لم تنتهِ بعد، تلفت مصادر متابعة لملف التنظيمات المتطرفة، عبر "النشرة"، إلى أن ما حصل من الممكن أن يحصل في أي دولة في العالم، لا سيما أن التنظيم لم يتوقف، منذ بداية العدوان الإسرائيلي، عن التحريض على هذا النوع من العمليات، حيث كان من الواضح أنه يريد أن يستفيد من حالة الغضب، الناجمة عن المجازر الإسرائيليّة التي ترتكب بحق المدنيين في القطاع، للإستثمار فيها، عبر الدعوة إلى تنفيذ عمليّات في الدول الغربيّة والعربيّة.

في هذا السياق، تعتبر هذه المصادر أنّ ما حصل لا يعني أنّ التنظيم لديه قدرات كبيرة على الساحة اللبنانيّة، فهو، منذ سنوات، نتيجة الضربات التي تعرض لها في سوريا والعراق، إنتقال إلى العمل وفق معادلة الذئاب المنفردة، التي تقوم على التحريض للوصول إلى تنفيذ أشخاص -قد لا يكونون مرتبطين به مباشرة- عمليات من هذا النوع، وفي حال توقيف أحداً منهم، من قبل الأجهزة الأمنية، لا يكون لديه أي معلومة مفيدة، لا بل حتى قد لا يكون على علم بالأسماء الحقيقية للذين كان يتواصل معهم.

بالنسبة إلى حادثة الإعتداء على السفارة الأميركية في عوكر، تؤكد المصادر نفسها أنه من الضروري إنتظار أن تحسم التحقيقات كافة المعطيات، لكنها تشير إلى أن ما حصل يقود إلى سؤال جوهري يتعلق بالفائدة من هكذا عمليات، في المرحلة الراهنة، خصوصاً بالنسبة إلى القضية الفلسطينية؟ حيث أن المنفذ ذهب إلى الإعلان أنه قام بها لمساندة غزّة، لا سيما إذا ما تكرّرت هكذا عمليات في أماكن أخرى حول العالم، في الدول الغربية تحديداً، وهي النقطة المفصلية التي تستحق البحث فيها.

في هذا الإطار، تشير المصادر المتابعة لملف التنظيمات المتطرفة إلى أنه في المشهد العام، لا يمكن تجاهل التحول الحاصل في الرأي العام الغربي، بالنسبة إلى الموقف من القضية الفلسطينية، لا سيما لناحية الإعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينية، في حين كانت تل أبيب تسعى، منذ الأيام الأولى لبدء عدوانها، إلى كسب تعاطف هذا الرأي العام معها، على قاعدة أن ما تعرضت إليه في السابع من تشرين الأول عملية "إرهابية"، تشبه ما كانت قد قامت به التنظيمات الإرهابيّة في الدول الغربية من هجمات، وهي عمدت، في سبيل ذلك، إلى إختلاق مجموعة من الأكاذيب، متحدّثة عن جرائم ارتكبت بحق المستوطنين.

في المحصّلة، هنا يعود السؤال الأساسي إلى الواجهة، ماذا لو أقدم التنظيم أو أحد المتعاطفين معه إلى إرتكاب جريمة من هذا النوع في دولة غربيّة، حيث تشير المصادر نفسها إلى أنه من دون التفكير مطولاً في التداعيات، من المؤكّد أن المتضرر الأول ستكون القضية الفلسطينية، بينما إسرائيل ستسعى إلى إستغلال الأمر إلى الحدود القصوى، لا بل هو سيكون بمثابة حبل الخلاص لها من الضغوط التي تتعرض لها، نظراً إلى أنه سيعيد التعاطف الشعبي معها إلى الواجهة، تحت عنوان مكافحة الإرهاب وحقّها في الدفاع عن نفسها.