بدأت حكومة تصريف الأعمال للمرة الأولى أمس اجتماعات جدية تحسّبًا لتطورات الجبهة واحتمال توسّعها، فبعدما عقد مجلس الوزراء جلسة طارئة غداة استهداف الضاحية الجنوبية لتدارس الإجراءات المطلوبة، علمت "الأخبار" أن الاجتماعيْن اللذين عُقدا أمس في السراي الحكومي، ترأّس الأول وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين بحضور الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد المصطفى وممثلين عن المنظمات الدولية العاملة في لبنان (من بينها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية) لمناقشة المساعدات التي يُمكن تقديمها للبنان في حال وقعت الحرب، والخطة التي وضعتها هذه الجهات لتقديم الدعم اللازم.
وكشفت مصادر مطّلعة عن "جوّ سلبي ساد الاجتماع، إذ لم تبد الجهات الدولية استعداداً كبيراً للمساعدة، ولم يتعدّ المبلغ الإجمالي الذي أشارت المنظمات إلى إمكانية تأمينه الـ 50 مليون دولار"، ما أثار استغراب الحاضرين، "إذ إن المساعدات الدولية التي تصل إلى كيان العدو هي أضعاف أضعاف هذا المبلغ".
أمّا الاجتماع الثاني لتحديد الآليات التنفيذية لمواجهة تطورات الوضع في أكثر من قطاع، ترأّسه ياسين أيضاً، بحضور اللواء المصطفى والمدير العام لوزارة الاقتصاد محمد بو حيدر ورئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي ورئيس نقابة أصحاب السوبرماركت نبيل فهد ورئيس جميع الشركات المستوردة للنفط مارون شماس.
وركّز المجتمعون على 3 نقاط رئيسية: الأولى، الإسراع في إخراج البضائع الموجودة في مرفأ بيروت، وتوزيع المواد الغذائية لتكون متوافرة على كل الأراضي اللبنانية، والإسراع في إصدار نتائج التحاليل الخاصة بالمواد الغذائية في المختبرات. وفي السياق، علمت «الأخبار» أن اجتماعاً سيُعقد الجمعة المقبل بين بو حيدر وكل مستوردي المواد الغذائية لوضع آلية للشركات المستوردة تتضمن تحديد 4 أو 5 نقاط توزيع لها في مختلف المناطق تحسّباً لقطع الطرقات، فضلاً عن مناقشة الرسوم الجمركية على البضائع والرقابة عليها.
كذلك ترأّس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سلسلة اجتماعات وزارية لمواكبة الأوضاع الراهنة ومراجعة جهوزية الوزارات والإدارات في حال حصول أي طارئ، من بينها اجتماع حضره ياسين ووزير الأشغال علي حمية والأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية والمصطفى، عُرضت فيه نتائج الاجتماع الموسّع للجنة إدارة الأزمات والكوارث، وتمّت خلاله مناقشة نقاط أساسية، تتعلق بالإيواء وجهوزية المستشفيات والمراكز الصحية ضمن خطة الطوارئ التي تعمل عليها وزارة الصحة، وملف الغذاء.
مخزون المحروقات يكفي شهرين
إلى ذلك، نقلت صحيفة "الأخبار"، عن عاملين في شركات استيراد وبيع المحروقات في لبنان، قولهم إنّ "مخزون الشركات الخاصة من مادتي البنزين والمازوت سيبلغ خلال شهر آب مستوى مرتفعاً نسبياً، إذ يُتوقّع أن تصل شحنات بكمية 216.8 مليون ليتر بنزين و262.2 مليون ليتر مازوت، بالإضافة إلى ما هو متوافر لديها في خزاناتها، كما في 7 آب، والبالغ 169.7 مليون ليتر بنزين، و155.9 مليون ليتر مازوت.
وأفادت الصحيفة بأنّ "مجموع هذه الكميات يفترض أن يكفي الاستهلاك المحلّي لفترة تزيد على شهرين. هذا الأمر عُرض في الاجتماع الموسّع لـ"لجنة إدارة الأزمات والكوارث" الذي انعقد أمس في السراي الحكومي لاستباق أي حالة طوارئ قد تحصل بسبب العدوان الإسرائيلي، حيث جرى نقاش يتعلق بتأمين مادتي البنزين والمازوت لأربعة قطاعات استراتيجية وأساسية هي: الأفران، المستشفيات، محطات ضخّ المياه، سنترالات ومراكز أوجيرو.
لكن المسألة الحيوية في هذا المجال، تتعلق بسلاسل التوريد، إذ ما دام لم يحصل أي حصار بحري على لبنان، فإن شحنات البنزين والمازوت ستواصل التدفق، وإن كان سعرها قد يرتفع ربطاً بأكلاف التأمين على الشحن التي ترتفع أثناء الحروب.
وأضافت صحيفة الأخبار"، بأنّ اللافت أن هناك شركة واحدة تتحمّل العبء الأكبر في تأمين هذا المخزون، بينما باقي الشركات لم تخطط لاستيراد كميات كبيرة من مادتي البنزين والمازوت خلال شهر آب. وهذا الأمر يثير التساؤلات بشأن قدرة الشركات الأخرى على الاستيراد وتحمّل أعباء التخزين، ولا سيما أن عدة شركات منها لعبت دوراً مماثلاً أثناء فترة الدعم، فلم تكن تخاطر بتمويل استيراد كميات كبيرة من هاتين المادتين لأن الربح المتحقق منها لم يكن مؤكداً.
ورغم أن هناك أكلافاً تأمينية كبيرة، إلا أن انخفاض الأسعار العالمية كان له تأثير أكبر على الأسعار المحلية. ففي هذا السياق، لا تزال أسعار مادتي البنزين والمازوت تسجّل انخفاضاً للأسبوع الثاني على التوالي، ويُتوقع أن تسجّل المزيد من الانخفاض في الأسبوعين المقبلين. فقد انخفض أمس سعر المازوت عالمياً إلى 701 دولار للطن مقارنة مع 752 دولاراً في 24 تموز الماضي، أي إن الأسعار مرشّحة لانخفاض بقيمة 75 ألف ليرة لكل صفيحة. كما انخفض سعر طن البنزين إلى 765 دولاراً مقابل 820 دولاراً في 24 تموز الماضي، أي إنه مرشّح لانخفاض مماثل بقيمة 75 ألف ليرة لكل صفيحة. هذا الانخفاض سجّل منه في الأسبوعين الماضيين نحو 25 ألفاً في كل صفيحة من المادتين، وبالتالي فإن هناك انخفاضاً متوقعاً في الأسبوعين المقبلين بقيمة إجمالية تبلغ 50 ألف ليرة لكل صفيحة.
وبحسب "الأخبار"، فإنّ "ارتفاع المخاطر وانخفاض الأسعار، لا يعنيان أن الشركات تعمل مجاناً، بل هدفها تحقيق أقصى ربح ممكن. وهذا الأمر محميّ بعملية التسعير التي ترسمها وزارة الطاقة، إذ إن آلية التسعير تعتمد على سعر الطن قبل 17 يوماً، أي إن انخفاض الأسعار الذي كان يُفترض أن يؤدي إلى خسائر لدى الشركات حافظ على استقرار أرباحها، كما أن عملية التسعير تعتمد على سعر الأساس (البلاتس) مضافاً إليه 136 دولاراً لكل طن، وهذا المبلغ هو مجموع كل الأكلاف والأرباح للطن الواحد. بحسب مستوردين، فإن ربح الطن الواحد الفعلي، يراوح بين 30 دولاراً و40 دولاراً".
وقائع من النقاشات مع الموفدين
وفي سياق تطورات الحرب، أفادت صحيفة "الجمهورية، نقلًا عن معلومات موثوقة بأنّ "مسؤولاً أمنيّاً غربيّاً رفيع المستوى زار بيروت في الفترة الاخيرة، ونقل إلى كبار المسؤولين مخاوف بلاده مما سماه التصعيد الخطير والمتنامي على جبهة جنوب لبنان. وان بلاده تشجّع كل جهد من قبل لبنان يقود الى خفض التصعيد، وفي ذلك مصلحة كبرى للبنان".
وبحسب المعلومات فإن "المسؤول الامني الغربي الرفيع نقل ما بدت انها رسالة واضحة تتضمن تأكيدا من جهة، على القرار 1701 كضابط للأمن والاستقرار في منطقة الحدود، وتحذيرا من مخاطر الحرب، وتنبيها للجهات من ان لا مصلحة لأحد في التصعيد وانزلاق المواجهات الى حرب واسعة". وابرز ما فيها دعوة مباشرة للبنان إلى أن يبادر إلى خطوات تضيّق من احتمالات الحرب، ومحاولة ثني "حزب الله" عن القيام بأيّ فعل من شأنه أن يتسبب في تصعيد الموقف أكثر".
واشار الى انّ "بلاده تتفهم مخاوف كل الجهات، وتضع أمن واستقرار لبنان في قائمة اولوياتها، وفي الوقت ذاته ترى انّ له مصلحة اكيدة في خفض التصعيد والانخراط في حل سياسي ينهي الوضع القائم، وتتشارك في ذلك مع حلفائها، وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية. ونحن نرى أن فرص هذا الحل ممكنة. وفي لقاءاتنا مع المسؤولين الاسرائيليين لمسنا جدية في انهم راغبون في الوصول حل للتصعيد مع لبنان بالوسائل الديبلوماسية"، مضيفًا "الحرب إن وقعت، قد لا تبقى محدودة ومحصورة ضمن نطاق معين، بل قد تتطور الى حرب دمار شامل تتمدّد تداعياتها وتأثيراتها في كل الاتجاهات، ونخشى ان يكون لبنان اكثر المتضررين. وهذا الوضع بالتأكيد مبعثٌ للقلق ليس على مستوى المنطقة فحسب بل على مستوى العالم. ومن هنا فإن الجهود منصبّة، وبدفع قوي من قبل الولايات المتحدة، على تجنّب الحرب. وثمّة ما يعزز فرضيّة استبعاد هذه الرسائل. كاشفا عما سماها رسائل مباشرة وغير مباشرة يتم تبادلها عبر قنوات مختلفة، وتعكس بوضوح رغبة الأطراف في عدم دحرجة الأمور الى حرب".
الى ذلك، اطلعت "الجمهورية" على خلاصة تقرير تضمن وقائع من نقاشات ومداولات تمت بصورة مباشرة او عبر اتصالات هاتفية بين مسؤولين لبنانيين، ومستويات دولية سياسية وديبلوماسية.
ويلحظ التقرير "تأكيد المسؤولين على الالتزام الكلي بمندرجات القرار 1701، وأن "لبنان لم يكن يوما في موقع الراغب في الحرب، ولا الانجرار اليها، وهو ما يؤكده أداء المقاومة في الجنوب التي ما زالت ملتزمة التزاما كليا بقواعد الاشتباك رغم تعمّد اسرائيل خرق هذه القواعد واستهداف المدنيين والاعلاميين وعمق المناطق اللبنانية. كما حصل في الضاحية الجنوبية، وما زال يحصل يوميا في مناطق لبنانية اخرى"، وتم التأكيد "في ما خص الحل السياسي المقترح للمنطقة الجنوبية، يأنّ هذا الحل مرتبط ارتباطا وثيقا بوقف الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة"، وأنّ "لبنان هدف دائم للعدوانية الاسرائيلية، والشواهد لا تحصى عن الاجتياحات وما ارتكبته وترتكبه من جرائم واعتداءات وخروقات فاضحة للقرار 1701. وكل ذلك يجري امام انظار العالم، الذي إن لم يكن شريكا مباشرا لاسرائيل، فهو شريك لها في تغطية عدوانيتها بتبني مقولة "حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها". وفي موازاة ذلك، للبنان الحق الكامل والواجب في مقاومة ايّ عدوان".