في إطار عدوانها المفتوح على لبنان، وقبل يوم واحد من إعلانها عن بدء عملية عسكرية برية محدودة على طول الحدود الجنوبية، وسّعت إسرائيل دائرة استهدافها لتطال، للمرة الأولى، قلب المخيمات الفلسطينية في منطقتي صيدا وصور، ناهيك عن اغتيال مسؤولين عسكريين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وذلك في سياق استكمال عملياتها باغتيال القيادات الفلسطينية، وخاصة من حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي".
واعتبر محللون سياسيون لـ"النشرة" أن استهداف القوى السياسية والمخيمات الفلسطينية في لبنان يُعتبر مؤشراً خطيراً على قرار إسرائيلي بخوض غمار حرب مفتوحة في جميع الاتجاهات وعلى كل الجبهات، وبدون ضوابط أو حدود، في محاولة لكسر شوكة المقاومة وتصفية كل مناضل يرفع شعار الدفاع عن القضية الفلسطينية وتحريرها.
وقد تُرجِم هذا القرار عبر ثلاثة مؤشرات ميدانية خلال يومين فقط، جمعت بين القرار الإسرائيلي بضرب المخيمات، بغض النظر عن المجازر التي قد تُرتكب من أجل اغتيال مسؤول ما، ذلك أن المخيمات معروفة بالاكتظاظ البشري وتلاصق المنازل. كما تم استهداف مسؤولين من فصائل فلسطينية جديدة، مثل الجبهة الشعبية، بعد أن كان الاستهداف سابقًا مقتصرًا على حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، اللتين انخرطتا في المعركة من البوابة الجنوبية بعدما أعلن حزب الله عن فتح جبهة الإسناد دعمًا لغزة ومقاومتها وشعبها.
استهداف الجبهة الشعبية
المؤشر الأول: تمثل في اغتيال مسؤولين عسكريين اثنين من الجبهة الشعبية في منطقة الكولا في بيروت، يوم الإثنين 30 أيلول 2024، وهي المرة الأولى التي يتم فيها اغتيال عضو المكتب السياسي للجبهة ومسؤول الدائرة العسكرية الأمنية، محمد عبد العال (أبو غازي)، وعضو الدائرة العسكرية للجبهة وقائدها العسكري في لبنان، عماد عودة (أبو زياد)، بالإضافة إلى الشهيد عبد الرحمن عبد العال.
وتُعتبر الجبهة الشعبية واحدة من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، لكنها تتبنى خيار المقاومة رغم أنها لم تنفذ أي عملية عسكرية من الجنوب اللبناني ضد إسرائيل. كما تُعد فصيلًا رئيسيًا مقاوِمًا في غزة والضفة الغربية بعد حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"كتائب شهداء الأقصى"، وتتمتع بحضور ونفوذ جيد فيهما، كما في لبنان وسوريا.
وقد أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي وجهاز الأمن العام "الشاباك" عن اغتيال عبد العال، بزعم مسؤوليته عن تخطيط وتنفيذ عمليات مسلحة ضد الاحتلال في الضفة الغربية، وخصوصاً في منطقة يهودا والسامرة (التسمية الإسرائيلية للضفة الغربية). كما ادعى البيان أن عبد العال كان يعمل على إنشاء بنية تحتية عسكرية في تلك المناطق ويشرف على العمليات الموجهة ضد أهداف إسرائيلية.
بينما نعت الجبهة الشعبية شهداءها الثلاثة، وقالت في بيان: "إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي تودع قادتها الشهداء الأبطال، تعاهدهم وتعاهد كل شهداء شعبنا وأمتنا بأنها ستواصل درب الكفاح والمقاومة حتى كنس الاحتلال، مهما طال الزمن ومهما بلغت التضحيات. كفاحنا مستمر، ورايتنا ستبقى خفاقة تعانق الشمس".
مخيم البص-صور
المؤشر الثاني: تمثل في اغتيال قائد حركة "حماس" في لبنان وعضو قيادتها في الخارج، فتح شريف "أبو الأمين"، في منزله داخل مخيم البص في منطقة صور. وهي المرة الأولى التي يتم فيها قصف مخيم فلسطيني بشكل مباشر منذ بدء عملية "طوفان الأقصى"، حيث استشهد مع زوجته وابنيه. علمًا أن إسرائيل اغتالت عددًا من مسؤولي الحركة في لبنان، أبرزهم نائب رئيس المكتب السياسي، الشيخ صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وقد نعت الحركة شريف وأكدت في بيانها: "إن القائد أبا الأمين مضى شهيدًا في معركة "طوفان الأقصى" المباركة، على طريق القدس والقادة والشهداء، بعد مسيرة حافلة بالعمل خدمةً للشعب الفلسطيني ونضاله المشروع وقضيته العادلة". وأضافت: "لقد تميزت في عملك في سلك التعليم، حيث كنت معلمًا ناجحًا ومديرًا متميزًا، فكانت مدرستك التي تديرها دائمًا في مقدمة المدارس المتميزة، التي خرّجت أجيالًا من الفلسطينيين اللاجئين في لبنان".
مخيم عين الحلوة
المؤشر الثالث: استهداف مخيم عين الحلوة للمرة الأولى منذ بدء العدوان الإسرائيلي في 8 تشرين الأول 2023، حيث نفذت طائرة مسيرة غارة على القيادي في حركة "فتح" وقائد "كتائب شهداء الأقصى" اللواء منير المقدح، الذي نجا من محاولة الاغتيال ولم يكن موجودا في المنزل بعدما أحاط نفسه بتدابير احترازية، بينما استشهد نجله حسن وزوجته نظمية رائف حمودة وأربعة مدنيين يقطنون في منازل مجاورة.
وتُعتبر عملية الاستهداف الثانية للمخيمات الفلسطينية في لبنان، بعد مخيم البص في منطقة صور، والثالثة بعد عملية اغتيال القيادي في حركة حماس سامر الحاج (9 آب 2024) عند مستديرة حسبة صيدا المجاورة لمخيم عين الحلوة، وشقيق اللواء المقدح نفسه خليل المقدح (21 آب 2024) في منطقة الفيلات–صيدا، وفشلت في اغتيال نضال حليحل (26 آب 2024) عند أوتوستراد الشماع في حارة صيدا.
المخيمات في قلب المعركة
ويؤكد مسؤول "الجبهة الديمقراطية" في المخيم، فؤاد عثمان، لـ "النشرة"، أن الغارة الصهيونية على حي مكتظ بالسكان لا تُعتبر جريمة بحق المدنيين فقط، وإنما تأتي استكمالًا لجرائم العدوان في لبنان وغزة، وتدل بوضوح على طبيعة العدو المجرم. مشددًا على أن المجازر لن تثني شعبنا ولا عزيمة المقاومة عن استمرار النضال حتى تحقيق الأهداف ودحر الاحتلال، مشددًا على أن المخيمات في قلب الصراع وستكون جنبًا إلى جنب مع المقاومة في لبنان، وعندما يحاول العدو التقدم بريًا ستكون المخيمات وشعبنا جزءًا من هذه المقاومة