احتفل رئيس اساقفة الفرزل و​زحلة والبقاع​ للروم الملكيين الكاثوليك ​المطران ابراهيم مخايل ابراهيم​ بالذبيحة الإلهية في كنيسة مقام سيدة زحلة والبقاع بمناسبة اختتام الشهر المريمي، حيث قال في العظة "نجتمع في نهاية هذا الشهر المريمي المبارك، أمام هذا المقام المقدّس، مقام سيدة زحلة والبقاع، لنرفع قلوبنا وأدعيتنا إلى مريم، أمّنا السماوية، سيّدة البقاع، وحارسة هذا الوطن المجروح، ملتمسين شفاعتها، متمسّكين بثوبها كأبناء يطلبون الأمان في حضن أمّهم".

وأضاف "مريم، التي قالت "نعم" دون أن تفهم كلّ شيء، فعلّمتنا الإيمان، وسارت خلف الرب في صمت الطاعة والمحبّة، رافقته إلى الصليب، وبقيت في العليّة تنتظر مع الرسل تحقيق الوعد. مريم التي حملت الحياة في حشاها، وحملتنا نحن في صلاتها، لا تزال حتى اليوم، تحيطنا بعينيها الأموميتين، وتنظر إلى هذا الشعب اللبناني المتألم، بحنوّ وشفقة ووجع".

ولفت إلى أنّ "في ختام هذا الشهر، نريد اليوم، من مقامكِ يا أمّنا، أن نسلّمكِ زحلة الحبيبة، والبقاع العزيز، ولبنان الجريح، شعبًا وأرضًا ومؤسسات. نضع في يديكِ الأموميتين هذا الوطن الصغير الكبير، المتروك لمصيره، المنهك من الأزمات، والمثقل بالهموم والانقسامات والمآسي"، وقال: "نطلب شفاعتكِ، يا أمّ الله، كي تسهري على لبنان وشعبه. نطلبكِ ساهرةً كفي قانا، تلاحظين الخطر قبل وقوعه، وتتوجّهين إلى ابنك يسوع، قائلةً له من جديد: "ليس لهم خمر!"... ليس لهم سلام، ليس لهم رجاء، ليس لهم طعام، ليس لهم دواء، ليس لهم كهرباء، ولا ماء، ولا أمان، ولا دولة تحميهم".

وأشار إلى "أننا نسلّمكِ يا مريم زحلة التي عرفت كيف تكون وفية لله، وكيف تحافظ على إيمانها وكرامتها وهويّتها رغم كلّ الظروف. زحلة، التي احتضنت البشارة، ورفعت راية الإنجيل في البقاع، والتي قدّمت رجالاتها للكنيسة والوطن. ومع ذلك، لا تزال زحلة مهمَّشة، محرومة من الإنماء، من أبسط الحقوق، من العدالة المتوازنة ومعها سائر البقاع".

وتابع إبراهيم "أمامكِ يا مريم نرفع صرختنا: مَن يهتمّ للبقاع؟ مَن يسمع صوت الناس في هذه السهول والجبال؟ مَن يوقف هذا التهميش المزمن الذي جعل من طرقاتنا طرقات موت؟ مَن ينقذ ضهر البيدر، هذا الشريان الحيوي، الذي صار مسرحًا للحوادث والمآسي؟ مَن يعيد الحياة لنهر الليطاني الذي تحوّل من نعمة إلى نقمة، ومن نبع للحياة إلى مصدر للأمراض والسرطانات؟ مَن يتحمّل مسؤولية هذا الإهمال المتعمّد، وهذا الإنكار الصارخ لكرامة الناس؟".

ولفت إلى "أننا نقول لكِ اليوم، يا مريم، إنّنا تعبنا من الوعود الفارغة، ومن المسؤولين الذين يتفرّجون على نزيف هذا الشعب دون أن يحرّكوا ساكنًا. تعبنا من صمت الضمائر، ومن موت الحسّ الوطني والإنساني. تعبنا من الذين جعلوا من السلطة وسيلة للاستغلال بدل الخدمة".

وتوجه إبراهيم الى المسؤولين قائلاً "أيّها المسؤولون، إنّ صوتنا في نهاية هذا الشهر لا يوجَّه فقط إلى السماء، بل إلى ضمائركم أيضًا. اتّقوا الله! افتحوا عيونكم على شعب يموت ببطء! لا تجعلوا من زحلة والبقاع منطقة منسيّة أو حقل تجارب أو خزانًا انتخابيًّا يُستغلّ عند الحاجة. لكنّنا، رغم هذا الألم، نرفض اليأس. نرفض أن نستسلم. لأنكِ أنتِ، يا مريم، علّمتينا أن نبقى واقفين عند الصليب، واثقين بأنّ القيامة آتية. كم نحن مملوئين أملاً بالعهد الجديد بقيادة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بشفاعتك وحمايتك له ولكل من يساعده".

وأضاف :نحن اليوم نؤمن أنّكِ ستحملين لبنان بين يديكِ، وتضعينه عند قدمي ابنك، كما حملتِ يسوع يوم التقدمة في الهيكل، قائلة: هذا هو الرجاء، فخلّص هذا الشعب به".

وذكر "أننا هنا، نصلي. لكن صلاتنا ليست استسلامًا، بل صرخة، وصلاة احتجاج. نؤمن أن الصلاة تغيّر القلوب، وتكسر القساوة، وتُقيم الموتى من رقادهم الأخلاقيّ والوطني. نرفع أصواتنا مع مريم، كما رفعتها في نشيد التعظيم، معلنين: "أنزلَ المقتدرين عن الكراسي، ورفع المتواضعين، أشبعَ الجياع خيراً، وصرف الأغنياء فارغين." (لوقا ١: ٥٢-٥٣)".

وقال إبراهيم "يا سيّدة زحلة والبقاع، احفظينا من كلّ شر. تشفّعي من أجل فقرائنا ومظلومينا ومرضانا وأطفالنا وشيوخنا. ضعي يدكِ على لبنان، ليُشفى من جراحه. ضعي يدكِ على زحلة، لتستعيد مجدها ودورها وكرامتها. ضعي يدكِ على كلّ مسؤول، ليستيقظ ضميرُه. وأعيدي إلينا الفرح، كما في قانا، حين تدخّلتِ.

وفي ختام هذا الشهر، نجدد عهدنا معكِ: ن نحبكِ، أن نخدمكِ، أن نقتدي بكِ، أن نعمل لأجل وطن يشبه قلبكِ النقي، وطن العدالة والرجاء والسلام. آمين".