أصدرت ​محكمة استئناف الإسماعيلية​ في مصر الاسبوع الماضي حكماً في دعوى بشأن قطع الأراضي المتنازع عليها بمحافظة ​جنوب سيناء​، وقضت بأحقية "تابعي ​دير سانت كاترين​" في الانتفاع بالدير والمواقع الدينية الأثرية بمنطقة سانت كاترين، مع ملكية الدولة لهذه المواقع بوصفها من الأملاك العامة.

وتضمن حكم المحكمة "وجوب احترام العقود المحررة بين الوحدة المحلية لمدينة سانت كاترين والدير بشأن بعض قطع الأراضي المستغلة بمعرفة تابعي الدير"، ما ينفي وقوع تعدٍّ على هذه الأراضي. كما أكدت المحكمة في حكمها أن باقي قطع الأراضي المتنازع عليها محميات طبيعية، وجميعها من أملاك الدولة العامة، ولا يجوز التصرف فيها أو تملكها بالتقادم، ولم تصدر بشأنها أي عقود من جانب جهة الولاية (تقصد السلطات المصرية).

وبعد حالة من الجدل نتيجة ما تردد عن سعي السلطات في محافظة جنوب سيناء المصرية مصادرة دير سانت كاترين التاريخي التابع إدارياً للكنيسة اليونانية، وانتزاع الأراضي التابعة له، أكّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لرئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، الجمعة، "التزام مصر الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية الفريدة والمقدسة لدير سانت كاترين، وعدم المساس بهذه المكانة".

ودخلت السلطات في أثينا على خط الأزمة، حيث صرّحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية اليونانية، لانا زوهيو، بأن الحكومتين (المصرية واليونانية) عملتا بشكل متواصل خلال الفترة الماضية للتوصل إلى اتفاق يحافظ على الطابع الأرثوذكسي المقدّس للمنطقة، مشيرة إلى أن القرار القضائي المصري صدر، والجانبان ما زالا يعملان على دراسة التفاصيل المتعلقة به. وأكّدت زوهيو أن وزير الخارجية اليوناني تواصل فوراً مع نظيره المصري، مؤكداً "رفض أي إجراء يخرج عن التفاهم المشترك بين البلدين، الذي جسّده قادة أثينا والقاهرة خلال اجتماع المجلس الأعلى للتعاون الذي عقد أخيراً في اليونان".

وحذّر رئيس أساقفة أثينا واليونان للكنيسة الأرثوذكسية إيِرونيموس الثاني من أنه بات من الممكن الآن "مصادرة" أملاك الدير.

وخلال اتصال هاتفي مع السيسي، اكد رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أهمية "المحافظة على الحج (إلى الدير) وعلى طابعه الأرثوذكسي اليوناني".

وبحسب وكالة الأنباء اليونانية الرسمية، فإن هذا الموقف "مدعوم بوثيقة من ​اليونسكو​ تثبت بأن مصر أقرت كتابيا منذ العام 2002 بأن ملكية الأراضي والأبنية تعود إلى ​الكنيسة الأرثوذكسية​ اليونانية وأبرشية سيناء".

وتتسلّط الأضواء على دير سانت كاترين التاريخي الواقع وسط جبال سيناء والذي أثار توترات مؤخرا بعدما قضت محكمة مصرية الأسبوع الماضي بأنه ضمن أراضٍ مملوكة للدولة. والدير العائد إلى القرن السادس قبل الميلاد مدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي وهو أقدم دير مأهول بشكل متواصل في العالم ويجذب مئات الحجاج والسيّاح سنويا. وبعد تحذيرات من السلطات والكنيسة الأرثوذكسية في اليونان من أن الحكم يهدد وضع الدير، يزور وفد حكومي من أثينا القاهرة الأربعاء لبحث المسألة.

وأسس الدير الإمبراطور البيزنطي جستينيان في القرن السادس عند سفح ​جبل سيناء​ حيث تفيد النصوص الدينية بأن النبي موسى تلقى الوصايا العشر. وسمي على اسم القديسة كاترين الاسكندرانية التي تضم الكنيسة رفاتها إلى جانب أيقونات ومخطوطات نادرة.

ويرأسه رئيس أساقفة جبل سيناء والطور تحت الولاية القضائية الكنسيّة لبطريركية الروم الأرثوذكس في القدس. وبحسب اليونسكو فإن "المنطقة بأكملها تحمل أهمية روحية كبيرة" بالنسبة للمسيحية والإسلام واليهودية. وتفيد المنظمة بأن الدير "ملك لكنيسة الروم الأرثوذكس ويتبع لأبرشية سيناء".

وقد بدأت أعمال البناء في آذار 2021 في منطقة سانت كاترين التي تضم بلدة تحمل الاسم ذاته ومحمية طبيعية من أجل مشروع حكومي ضخم يعرف باسم "​مشروع التجلي الأعظم​" في سانت كاترين. ويهدف المشروع لجذب ما يزيد عن مليون سائح سنويا إلى القرية الجبلية الهادئة.

وتشمل مشاريع البناء العديدة المشمولة فيه، قاعة للمناسبات ومئات غرف الفنادق ومنطقة سكنية جديدة تضم مئات الوحدات. ويفيد مراقبون بأن المشروع ألحق أضرارا بالنظام البيئي للمحمية وشكّل تهديدا للدير والسكان.

وبحسب تقرير صادر عن منظمة "وورلد هيرتج ووتش" المعنية بالتراث العالمي، فإن المشروع "دمّر سلامة هذا الموقع التاريخي والمقدس".

وطلبت اليونسكو عام 2023 من مصر "وقف تطبيق أي مشاريع تطوير إضافية" وإجراء تقييم للتأثيرات وتطوير خطة لحماية الموقع.

وأفادت الحكومة المصرية في كانون الثاني بأن المشروع اكتمل بنسبة 90 في المئة، علما بأنها تسعى لتولي الوزير السابق للسياحة والآثار خالد العناني منصب المدير العام لليونسكو اعتبارا من تشرين الأول.

وتجذب القمم والوديان المحيطة بسانت كاترين مجموعات كبيرة من متسلقي الجبال إذ بلغ عدد زوار جبل سيناء خلال يوم واحد ذروته عند ألفي زائر في كانون الأول الماضي، بحسب ما أفادت السلطات المحلية.

وتقع المنطقة على ارتفاع كيلومتر ونصف عن مستوى البحر وتلقى إقبالا خصوصا لدى المصريين والسياح الأجانب الساعين للابتعاد عن منتجعات البحر الأحمر المكتظة في أنحاء أخرى من سيناء.

وتقطن المنطقة قبيلة جبالية، علما بأن اسمها مشتق من كلمة "جبل". ويُعتقد بأن أبناءها هم أحفاد الجنود الرومان الذين حرسوا الدير في بدايات تأسيسه. وهم على ارتباط وثيق بسانت كاترين حيث يعمل العديد منهم كمرشدين سياحيين اليوم.

ودعا هؤلاء على مدى عقود إلى تحسين البنى التحتية بما في ذلك توفير إمدادات مياه يمكن الاعتماد عليها وخدمات طوارئ وتغطية لشبكة الاتصالات لتحسين عملهم وحياتهم اليومية.

وبحسب "وورلد هيرتج ووتش"، بات عدد العاملين على بناء المشروع الضخم يتجاوز بالآلاف عدد أبناء القبيلة.