بعد أكثر من أسبوع على بدء الحرب الإسرائيلية على إيران، بهجوم الفجر المباغت، الذي أدّى لاغتيال عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيّين، وما أعقبه من قصف صاروخي متبادل بين طهران وتل أبيب، يبدو أنّ الأمور تأخذ منحىً تصاعديًا ودراماتيكيًا، وسط توقّعات بأن تكون الأيام المقبلة حاسمة ومفصليّة، لجهة الذهاب إلى توسيع أكبر للصراع، بما يحوّله إلى حرب إقليمية شاملة، أو إلى تهدئة تعيد الأمور إلى المربّع الأول.

ولعلّ نقطة التحوّل الأساسيّة في هذا السياق تمثّلت في عمليّة "مطرقة منتصف الليل" التي نفّذتها الولايات المتحدة ليلة السبت - الأحد، واستهدفت المنشآت النووية الإيرانية، من دون أن يُعرَف على الفور حجم الضرر الذي أحدثته، حيث تفاوتت مواقف المسؤولين الأميركيين أنفسهم على هذا الصعيد، في وقت ذهب الرئيس دونالد ترامب بعيدًا بقوله إنّ منشآت فوردو ونطنز وأصفهان "مُحيت بالكامل"، جازمًا بـ"تدمير" ​البرنامج النووي الإيراني​ بالمُطلَق.

وإذا كانت عملية "مطرقة منتصف الليل" نقلت الولايات المتحدة من دور "الدعم اللوجستي" المعتاد في حروب إسرائيل، إلى "شريك فعليّ" في الحرب، بخلاف ما أعلنه الرئيس ترامب في اليوم الأول للعدوان، فإنّها لم تحسم الجدل بشأن البرنامج النووي، بدليل تشكيك الصحف الأميركية بالنجاعة "الاستراتيجية" للعملية، إذ ليس من المؤكد أنها طاولت مخزون إيران من اليورانيوم المخصب، وفق واشنطن بوست ونيويورك تايمز مثلاً.

هنا، يبدو أنّ الضربات الأميركية فتحت جدلاً آخر بشأن السيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة، علمًا أنّ بعض التسريبات الصحفية أشارت إلى أنّ ​الولايات المتحدة وإسرائيل​ لا تريدان "حرب استنزاف طويلة"، وإن اختلفتا ضمنيًا على "هدف" إسقاط النظام في إيران، فهل يمكن القول إنّ عملية "مطرقة منتصف الليل" ستعجّل عمليًا من نهاية الحرب، أم على العكس من ذلك، قد تفتح الحرب أمام منعطفات جديدة، بحيث يصبح اتساع نطاقها أمرًا واقعًا؟!.

في المبدأ، وقبل الحديث عن السيناريوهات المحتملة، لا بدّ من التوقّف عند "حصيلة" نحو عشرة أيام من الحرب على إيران، "حصيلة" يبدو أنّها لم تكن لصالح تحقيق الأهداف الإسرائيلية، المُعلَن منها وغير المُعلَن، وهو ما أدّى إلى دخول واشنطن على الخط، لتنسجم بذلك مع ضغوط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كان "يضغط" منذ اليوم الأول للعدوان من أجل ذلك، باعتبار أنّ حرب إيران مختلفة عن حروب غزة ولبنان وسوريا وغيرها.

وخير دليل على ذلك، "الاستنزاف" الذي شهدته "الجبهة" بين إسرائيل وإيران على امتداد أسبوع من الحرب، من دون أن تنجح إسرائيل في تحقيق "نجاح كاسح" كما كانت تفعل في جبهات أخرى، فعلى الرغم من "البداية المبهرة" التي حقّقتها، إن صحّ التعبير، باغتيال قادة الصف الأول في النظام الإيراني، فإنّ الوضع في الأيام اللاحقة لم يكن بالجودة نفسها، خصوصًا مع الضربات الصاروخية الإيرانية، ومشاهد الدمار الواسع في تل أبيب.

ولعلّ "ذروة" هذا الوضع تمثّلت بالاستنفار الإسرائيلي غير المسبوق خلال الأسبوع الماضي، خصوصًا بعد الضربات الصاروخية التي أدّت إلى تضرر مستشفى سوروكا في بئر السبع جنوبي إسرائيل، ما دفع مسؤولين إسرائيليين إلى الحديث عن "جريمة حرب"، ما وصفه كثيرون بالوقاحة، ولا سيما أنّ إسرائيل هي التي كرّست المستشفيات كأهداف مشروعة لها، حتى إنّها لم تُبقِ مرفقًا طبيًا في الخدمة في قطاع غزة، حيث بات المرضى عمومًا عرضة للموت.

بهذا المعنى، جاءت عملية "مطرقة منتصف الليل" لتعيد "خلط الأوراق" في ضوء غياب المعلومات الواضحة بشأن نتائجها، وسط تفاوت في التقديرات بين أن تكون الضربات الأميركية على المنشآت النووية "قاضية" كما يوحي الرئيس دونالد ترامب الذي يتحدّث عن "تدمير" البرنامج النووي الإيراني بالمُطلَق، ومن يشكّك بذلك، متحدّثًا عن "تعطيل" للقدرات النووية، من دون أن يعني ذلك عدم قدرة النظام على إعادة النهوض وصولاً لتصنيع سلاح نووي.

استنادًا إلى ما تقدّم، يمكن الحديث عن سيناريوهات متضاربة تفرضها الضربات الأميركية على الحرب الإسرائيلية الإيرانية بالمُطلَق، بينها إمكانية الذهاب إلى تهدئة، والعودة إلى طاولة المفاوضات، وهو ما يحاول الأميركيون الدفع باتجاهه، ومعهم الإسرائيليون، أقلّه بحسب ما يسرّب إعلامهم، الذي وصل لحدّ الحديث عن استعداد تل أبيب لوقف إطلاق النار فورًا، إذا ما أبدى المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي، الجاهزية لذلك.

لكنّ هذا السيناريو يبدو وفقًا للعارفين ضعيفًا جدًا، فإيران تدرك أنّ ما بعد الضربة الأميركية ليس كما قبلها، وأنّها إذا كانت في السابق تقول إنّها لا تريد الحرب، فإنّها اليوم باتت في قلبها، بل إنّها ترى أنّ السكوت على العدوان الأميركي سيكون بمثابة "هزيمة واستسلام"، وهو ما يعني ضمنًا "كشف" النظام، بما يسمح بإسقاطه، ولو بعد حين، خصوصًا أنّ إيران تعرّضت لخديعة تلو خديعة من الولايات المتحدة، بعدما أبدت كلّ انفتاح على التفاوض معها.

في السيناريوهات الأخرى، ثمّة من يتحدّث عن حرب استنزاف طويلة، على طريقة ما جرى في الأسبوع الأول من العدوان، من خلال القصف المتبادل بين إسرائيل وإيران، وربما أميركا أيضًا من خلال قواعدها في المنطقة، وهي حرب يعتقد العارفون أنّها ليست في صالح الولايات المتحدة التي أجلت موظفيها "غير الضروريين" من سفاراتها، ولا في صالح إسرائيل التي تختبر "الحرب المباشرة" مع إيران للمرة الأولى، بعد كل "حروب الوكالة" التي خاضتها.

يبقى سيناريو "توسّع" الحرب مطروحًا بقوّة، وفقًا للعارفين، إذ ثمّة من يرى أنّ دخول الولايات المتحدة على الخط، سيؤدّي تلقائيًا إلى دخول أطراف وجهات أخرى على الخطّ، من القوى المحسوبة على إيران، التي لا تزال حتى الآن في موقع "المتفرّج"، باعتبار أنّ إيران قادرة على مواجهة العدوان وحيدة، وهي ليست بحاجة إلى أيّ "إسناد"، لكنّها فرضيّة تسقط برأي كثيرون، عندما تصبح الولايات المتحدة جزءًا مباشرًا من هذا العدوان.

حتى الآن، لا يمكن القول إنّ أحد هذه السيناريوهات يتقدّم على الآخر، وإن كانت الخشية من "توسّع الحرب" تتصاعد أكثر فأكثر يومًا بعد يوم، في وقتٍ يعتقد كثيرون أنّ الأيام المقبلة ستكون مفصليّة وحاسمة على هذا الصعيد، فهل تنجح الوساطات في إنهاء الحرب، ووضع حدّ لكلّ تبعاتها المحتملة، أم أنّ الضربات الأميركية لم تترك "مكانًا للصلح" كما يقول البعض، ما يعني أنّ كلّ السيناريو تبقى مفتوحة على كلّ الاحتمالات، أيًا كانت؟!.