ترأس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك ​يوسف العبسي​، ​مؤتمر الانتشار​ الرومي الملكي الثاني، الذي نظمه رئيس جمعية الانتشار يوسف بخاش بالتعاون مع البطريركية.

وقال العبسي: "بفرحٍ كبير وشكرٍ لله، أحيّيكم في هذا اللقاء المبارك الذي يجمع أبناء كنيستنا الروميّة الملكيّة الكاثوليكيّة، من الأوطان الأمّ ومن بلدان الانتشار، تحت راية المحبّة والعمل المشترك. إنّ اجتماعنا اليوم هو علامة حيّة على حيويّة كنيستنا، وعلى إيماننا العميق بأنّ الكنيسة ليست مجرّد موقعٍ جغرافيّ، بل هي جسد المسيح الحيّ، الممتدّ والموحَّد عبر القارات، عبر المكان والزمان".

وأضاف "الموضوع الذي يجمعنا اليوم معًا نثبّت الوحدة الملكيةّ، ليس مجرّد شعار، بل هو نداء روحي وراعوي، يدعونا إلى التفكير والعمل معًا. وكبطريرك، أجد في هذا النداء صدىً لمسؤوليتي ورسالتي: أن أرافق كنيستنا في أوطانها التاريخيّة، وفي أوطانها الجديدة حيثما وُجد أبناؤها لصنع هذه الوحدة بالرغم من الفروقات والخصوصيّات والتنوّعات".

ولفت إلى أنّ "انتشار أبناء الكنيسة الملكيّة هو واقعٌ مركّب، تفرضه عوامل عدّة، من نزوح أو هجرة وظروف اقتصاديّة ورغبة بعيش كريم، لكنه يترافق أيضا بدعوة تبشيرية وبانفتاح على الشعوب. المهمّ هو أن نبقى أوفياء لرسالتنا: أن نخدم الإنجيل ونعلنه ونحيا الوحدة التي أوكلها المسيح إلى تلاميذه، على مستوى العائلة، والحيّ، والعمل، والوطن. رسالتنا هي أن نكون صنّاع وحدة حيثما حللنا، ولكي نحقّق هذا الأمر في بلاد الانتشار، ينبغي ألا نعالج موضوع الانتشار انطلاقًا من سؤال ماذا نريد منه؟، بل من سؤال أكثر عمقًا ما الذي يتطلّبه منّا؟، ماذا تعني الكنيسة الملكيّة في أوطان الهجرة؟ كيف نبقى أوفياء لهويّتنا، ونحن نعيش في ثقافات جديدة؟ كيف نحيا الوحدة بين شرقٍ وغرب، بين جيل المهاجرين الأوّل وأبنائهم وأحفادهم؟".

وتابع العبسي: "من أجل ترسيخ الوحدة بين كنائسنا في المشرق، وكنائسنا في بلدان الانتشار، نحن بحاجة بشكل عامّ إلى تعزيز ثلاثة محاور أساسيّة: التواصل، والشركة، والمشاركة في المسؤولية".

وقال: "إنّ الكنيسة في كلّ مكان مدعوّة الى أن تكون مركزًا للوحدة. في عالمٍ يشهد انقسام الهويّات وتشتّت العائلات، تبقى الكنيسة المكان الذي يجمع، ويواسي، ويعطي المعنى. رعايانا في الانتشار ليست فقط مراكز لصلاة الأحد، بل بيتٌ حيٌّ تُنقَل فيه الإيمان، وتُصان الهُويّة اللغة والليتورجيّا، وتُنشّأ الأجيال الجديدة، وتُكتشف الدعوات، ويُبنى الانتماء الكنسيّ الحقيقيّ. الوحدة ليست تطابُقًا، بل تناغمًا. هي غِنى التنوّع في قلبٍ واحد، وروحٍ واحدة، وهي تتطلّب جهدًا، وصبرًا، وتواضعًا، والأهمّ من ذلك: محبّة المسيح، الذي صلّى قائلًا: "ليكونوا واحدًا كما نحن واحد".

من جهته قال رئيس اساقفة الفرزل و​زحلة​ والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران إبراهيم مخايل ابراهيم، إنّ "من رحم البقاع، ومن قلب عروسه المتوّجة بالإيمان، ومن حضن سيدة النجاة الذي احتضن الرجاء يومًا وسط العاصفة، وحيث انعقد، هذا الأسبوع، السينودسُ المقدّس لكنيستنا الملكيّة الكاثوليكيّة، كحدثٍ كنسيّ فريدٍ في تاريخها المعاصر، في مدينةٍ ليست كسائر المدن، بل في زحلة، عاصمة الكثلكة، حيث تختلط تراتيل المشرق بعطر الكرمة، وتصعد الأدعية مع أنفاس الجبال".

وأضاف "لقد ارتفعت زحلة كقنديل في ليل الشرق، فاستقبلت السينودس لا كمدينةٍ عادية، بل كأمٍّ مصلّيةٍ فاتحة ذراعيها لأبنائها العائدين من أقاصي الأرض، حاملةً في قلبها ذاكرة الشهداء، وصوت الإنجيل، ووهج الليتورجيا. اجتمع فيها آباء السينودس من كل بقاع الأرض، من الشرق الغابر إلى الغرب الواسع، فاختلطت الوجوه، وتلاقت الألسنة، وتوحّد الصوت الكنسيّ في رجاء واحد: أن تستعيد كنيستنا وهجها الرسوليّ، وأن تبقى بيتًا حيًّا لأبنائها المنتشرين والمقيمين".

وأشار إلى "أننا في هذا المؤتمر، لا نُقيم تذكارًا لحدثٍ مضى، بل نواصل مسيرة انطلقت من زحلة لتصل إلى أقاصي الأرض. نحمل معنا النداء الصادر من عمق الكنيسة: أن نكون جسدًا واحدًا، وهمًّا واحدًا، وبيتًا واحدًا لأبنائنا المنتشرين، وأن نُعيد لوجوههم البعيدة دفء الانتماء، ونُعانق فيهم الحنين المكسور، ونُعيد رسم الهوية في وجدانهم بلغتهم، وتراثهم، وطقوسهم".

أمّا بخاش فقال: "نعقد مؤتمر الانتشار الثاني المخصص لتفعيل التواصل بين الروميين الملكيين الكاثوليك المشرقيين واخوانهم في دول الانتشار في ظل شرق مشتعل وغرب يسير بخطى ثابتة نحو التفتت المجتمعي والانهيار الاخلاقي والبدع غير المألوفة . وكل ذلك في عالم تحول بقاراته الى قرية اعلامية صغيرة بفضل التكنولوجيا الرقمية والعالم الافتراضي بما يشكل سيفا ذو حدين".

وأضاف: "نحن ابناء الكنيسة الرومية الملكية الكاثوليكية عاهدنا انفسنا على الاستفادة من الحد الايجابي الذي يساعدنا على التواصل المثمر في ما بين ابناء الكنيسة في سعي دؤوب للتعريف او التذكير اذا ما صح التعبير بتعاليم الكنيسة الام التي هي اولا واخيرا لمصلحة الانسان وانسانيته . وفي نظرة الى الاحداث والتطورات التي عصفت بمشرقنا العربي منذ انعقاد المؤتمر الماضي تثبت الحاجة الى التكاتف والتواصل والتنسيق مع الانتشار. فعلى سبيل المثال وليس الحصر التحولات المتسارعة في سوريا التي وضعت اخواتنا واخواتنا في الكنيسة في مهب الاحداث ويات كل واحد منهم يشعر بخطر غير محدود وغير منظور . وكذلك الامر بالنسبة للملكيين الكاثوليك في فلسطين المحتلة وهذا ما يؤكد على الخطر الدائم ويبرز الحاجة الى التأقلم وتشكيل مجموعات ضغط تعمل في مراكز القرار لابعاد الخطر وتثبيت الوجود في الشرق الذي هو مهد المسيح والمسيحية".

وشدد على أنّ "مسؤوليتنا لا تنحصر بتوصيف التحديات ، بل بالبحث عن سبل لمعالجتها وتخطيها، وانطلاقا من هنا عقدنا العزم على تفعيل التواصل وقد بدأنا البحث عن الحلول وعملنا منذ ما قبل المؤتمر الاول وجلنا منذ ذلك الحين من الخليج العربي الى القارة الاوروبية وتواصلنا افتراضيا مع اخواننا في الاميركتين واستراليا. فتواصلنا مع العلمانيين في ابرشيات الاغتراب وعقدنا معهم سلسلة من الاجتماعات الافتراضية. ومن جملة التحديات التي لاحظناها خلال عمليات التواصل هذه ان تطلعات الاغتراب تتبدل بين الاجيال وهناك فرق بين من هاجر قديما بحثا عن ظروف عيش افضل. ومن هاجر هربا من الاحداث في المنطقة فالاول تأقلم مع مجتمعاته اما الثاني فما زال يبحث عن هويته المشرقية".

وقال: "مؤتمرنا لم يبدأ الآن بل منذ الصباح حيث عقدنا سلسلة من ورشات العمل استعرضت ما قمنا به خلال السنة الماضية وتعلمون انها كانت صعبة للغاية ومليئة بالتحديات الامنية والوجودية ومع ذلك ثابرنا على العمل ونضع امامكم النتيجة التي تشاهدون واعددنا التوصيات التي تشكل خطة العمل للسنة المقبلة وابرزها التحضير لمؤتمر في الاردن كخطوة اولى للتوجه نحو الانتشار ولم الشمل".