أكد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، خلال كلمته في المجلس العاشورائي الذي أُقيم في مقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بمناسبة الليلة الثانية من محرم، أن عاشوراء هي قلب الملحمة التي نهضت بها وصايا الأنبياء والأولياء، مشيرًا إلى أن كربلاء دلّت على حال الأرض، واتصلت صيحة أهلها بدهشة أهل السماء، واهتزّ العرش لعزاء الإمام الحسين (ع).
ولفت إلى أن الإمام الحسين (ع) واجه السلطة من منطلق مرجعيته كقيمة إلهية ترفض الظلم والطغيان، مستشهدًا بقول الإمام (ع) لمروان بن الحكم: "ويل لك يا ابن الزرقاء، أنت تأمر بضرب عنقي، كذبت والله ولُئمت"، وقوله للوليد بن عتبة: "إنّا أهل بيت النبوة... ومثلي لا يبايع مثله"، موضحًا أن هذه المبادئ تلخّص جوهر ثورته التي قامت من أجل الإنسان وحقوقه.
وشدد على أن السلطة، في منطق الأنبياء والأولياء، يجب أن تكون أداة لخدمة العدالة الاجتماعية، وليس وسيلة للهيمنة والفساد، مشيرًا إلى أن جماعات النفوذ والمال عملت تاريخيًا على السيطرة عليها لمصالحها الخاصة.
وأوضح أن منطق الإمام الحسين (ع) يتمحور حول مبدأ "الحق فوق السلطة"، وهو ما كان مرفوضًا في عقلية الحكم الأموي الاستئثاري، معتبرًا أن الشعوب التي تُحكم بدون هذا المبدأ تتحوّل إلى عبيد منهوبين.
وأضاف أن الإمام الحسين (ع) لم يكن خصمًا سياسيًا، بل مرجعية إصلاحية إلهية رفضت الاستبداد والفساد، مشددًا على أن النقاش يجب أن يكون في شرعية الحكم لا في تفاصيله، إذ أن النظام الذي واجهه الإمام كان فاسدًا يستند إلى شرعنة الظلم.
وأشار إلى أن أخطر ما واجهته الأمة هو فتنة المرجعية التي سيطرت على مركز السلطة، محذرًا من الفقهاء الذين ناصروا الحكام الفاسدين تحت عناوين دينية أو قانونية زائفة، مذكّرًا بأمثلة من التاريخ الإسلامي استخدمت الدين لتبرير الاستبداد.
وأكد أن ثورة الإمام الحسين (ع) جاءت دفاعًا عن هوية الأمة وحقوق الإنسان، انطلاقًا من رؤية تعتبر الإنسان جوهر الوجود، مشددًا على أن الأرض لا تحتاج إلى فراعنة جدد أو سلطات فاسدة، بل إلى أنظمة قائمة على الحق والعدالة.
كما شدد على أن الإصلاح الحسيني أراد تأسيس سلطة مقيدة بالرقابة والمحاسبة ومبنية على خدمة مصالح الناس، لا مصالح الحاكم وفريقه، مؤكدًا أن الشرعية لا تُستمد من الموقع بل من الوظيفة التي تخدم الناس.
وهاجم قبلان السياسات الغربية، وخصوصًا الأميركية والإسرائيلية، معتبرًا أن الهيمنة التي تمارسها واشنطن وتل أبيب ترتكز إلى منطق القمع والاستغلال، وتغطيها دعايات إنسانية زائفة، في وقت تُرتكب فيه مجازر بحق الشعب الفلسطيني.
وأشاد بما قدمته حركة أمل وحزب الله في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن ما قاده الرئيس نبيه بري، وما قدّمه السيد حسن نصرالله، يُعتبر شرفًا وطنيًا وإنسانيًا كبيرًا أسس لمرحلة جديدة في تاريخ المواجهة.
وختم قبلان بالتأكيد على أن لبنان في قلب مخاطر سيادية حقيقية، وأن الجنوب والبقاع والضاحية قدّموا تضحيات جسيمة من أجل حماية لبنان، مشددًا على أن الدولة مدينة لهؤلاء ويجب عليها سداد هذا الدين، معتبرًا أن تنكّر الدولة لهذه التضحيات هو كارثة وطنية، ولا قيمة لسلطة تتجاهل الجبهة التي استعادت الوطن.