أشار البطريرك الماروني ​مار بشارة بطرس الراعي​، في احتفال ​جامعة الحكمة​ بتخريج طلابها لعام 2024-2025، دفعة اليوبيل الـ150 على تأسيس الجامعة، إلى أنّ "رسالة الجامعة منذ تأسيسها الإنفتاح على العالمية والتطور وفي كلياتها الثماني: الحقوق، والعلوم اللاهوتية، وإدارة الأعمال والإقتصاد، والشرع الكنسي، والسياحة والعلوم الفندقية، والعلوم السياسية والعلاقات الدولية، والصحة العامة، والهندسة، تهيء أجيالا من ال​لبنان​يات واللبنانيين لمواكبة تطورات سوق العمل وترافق الناشطين من أفراد المجتمع في سعيهم للحصول على المعرفة".

وقال في الاحتفال الذي نُظم في حرم كلية السياحة وإدارة الفنادق في جامعة الحكمة في الأشرفية، إنّ "طلاب الجامعة مدعوون ليكونوا عناصر فعالين لإحراز التقدم والإبتكار"، ثم تناول البطريرك الراعي رؤية الجامعة لافتًا إلى أنها تسعى لأن تصبح مركزًا للبحوث الأساسية والتطبيقية التي تلبي احتياجات وتطورات سوق العمل، وتعمل على تحفيز الروح الريادية لدى الشباب مما يسهّل اندماجهم المهني وتعمل على تعزيز ثقافة الحياة والأسرة كونها جامعة متجذرة في حياة المدينة.

وأكد البطريرك الراعي أن جامعة الحكمة لم تكن يومًا مجرد مؤسسة للتعليم، بل كانت على الدوام منبعًا للفكر وتربية للضمير ومنارة للحكمة كمنهج حياة ورسالة مستمرة والتزام إنساني ووطني. وفي هذا اليوم تتجدد رسالتها في الخريجين والخريجات في دفعة 2025، ويستمر عهدها مع الأجيال المتعاقبة.

وقال البطريرك الراعي إن الإحتفال باليوبيل المئة والخمسين لجامعة الحكمة هو يوم مبارك ويختصر قرنًا ونصفًا من العطاء التربوي والفكري والوطني والكنسي، موجهًا التحية للأساقفة الذين تعاقبوا على أبرشية بيروت وأولياء الجامعة من المطران المؤسس يوسف الدبس، مرورًا بخلفائه وصولا إلى المطرانين بولس مطر وبولس عبد الساتر. كما توجه بالتحية لرئيس الجامعة البروفسور جورج نعمة على تفانيه في ترسيخ حضور الجامعة كمركز أكاديمي رائد ومكان حيّ للعلم والقيم والمواطنة. وحيّى الهيئتين التعليمية والإدارية وكذلك الأهل والخريجين والخريجات الذين يقفون على عتبة جديدة في حياتهم والوطن ينتظرهم، والجامعة ترسلهم إلى واحات المجتمع والوطن كإرسال ليتورجي وتقول لهم: إذهبوا بسلام!".

ورأى أن هذا الإحتفال يحمل طابعًا ليتورجيًا لأنه احتفال بنعمة المعرفة التي هي من الله، وبنمو المواهب التي هي من الروح القدس، وهذا التخرج هو نوع من "الإرسالية" لأنكم اليوم ترسلون إلى العالم كما كان السيد المسيح يرسل تلامذته بعد إعدادهم ليكونوا نورًا وملحًا في الأرض.

وقال للمتخرجين: "أنتم بهذا التخرج تدخلون رحاب الوطن، لا كمتفرّجين، بل كفاعلين ومبدعين ومؤمنين بقدرتكم على صنع الفرق. لبنان ينتظركم لتبنوا وتنيروا وتجدّدوا. كونوا سفراء الثقة، وكونوا التغيير الذي ترجونه والإلتزام في الأخلاق المهنية. وازرعوا في الوطن ما تلقيتم من حكمة وصدق وتجرّد ومحبة للحق".

وختم البطريرك كلمته بالصلاة من أجل جامعة الحكمة في يوبيلها المئة والخمسين لكي تبقى منارة الإشعاع وعلامة رجاء وجسرًا بين العلم والإيمان.

وبعد انتهاء كلمة البطريرك الراعي، سلمه ولي الجامعة رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس عبد الساتر ورئيس الجامعة البروفسور جورج نعمة درعًا تذكاريًا كتب عليه "درع اليوبيل الـ150 يُقدم للبطريرك الراعي".

وألقى المطران بولس عبد الساتر كلمة جاء فيها: "لم نجد من هو أكرم من غبطتكم وأحب على قلوبنا لنطلب منه أن يكون ضيف الشرف في هذه المناسبة. فشكرًا لكم تلبيتكم دعوتنا. نطلب منكم الصلاة على نيّة جامعة الحكمة وطلابها ومعلميها وموظفيها وأهلها حتى تبقى صرحًا تربويًا مؤثرًا في المجتمع اللبناني، ونطلب منكم أيضا الصلاة على نيّة وطننا لبنان الذي يستمر، بفضل جهدكم وجهد العديد من البطاركة الذين سبقوكم وتضحياتكم، بلدَ الإنسان والحرية".

ثم اتخذت صورة تذكارية للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي محاطًا بالمطران بولس عبد الساتر ورئيس الجامعة ونوابه والعمداء والطلاب المتخرجين.

وكان رئيس جامعة الحكمة قد أكد في كلمته أن هذا العام ليس مجرد عام دراسي يُطوى، بل إنه يحمل نبضًا استثنائيًا وبعدًا يوبيليًا مضيئًا، يُخلّد بمرور مئة وخمسين سنة على ولادة جامعة الحكمة من خلال إنشاء كليتها للحقوق، الرائدة الأولى في لبنان والشرق الأوسط.

وتابع أن جامعة الحكمة لم تكن يوما برجًا عاجيًا منعزلا عن تاريخ الوطن وتحدياته. فقد شهدت ولادة لبنان الكبير ورافقت نشأته واحتفلت باستقلاله عام 1943، وعايشت الحرب اللبنانية العاصفة وانهيار المؤسسات، وهي تنهض اليوم مجددًا لتسهم بكل ما أوتيت به من حكمة وقوة وعزم في إعادة بناء دولة لبنان ومؤسساته.

وأضاف أن ما يزيد من جلال هذا اليوم وفرحه، هو حضور البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أب الكنيسة المارونية ومرجع القيم الوطنية والروحية ومنارتها. وقال: "إن حضوركم وتشريفكم لنا اليوم، يتجاوز التحية الرعوية الصرف، فهو علامة حب وعناق أبوي دافئ ورسالة دعم معنوي لهذه الجامعة التي انبثقت من رحم الكنيسة وستبقى وفية لرسالتها الثقافية والتربوية والوطنية في قلب الكنيسة والوطن".

وأضاف رئيس جامعة الحكمة متحدثا عن نشأة الجامعة فقال: "في العام 1875، برز رجل استثنائي هو المثلث الرحمات المطران يوسف الدبس، فأسس مدرسة الحكمة ومعها مشروعًا نهضويًا رائدًا ومتكاملا. لم يكن حلمه في التعليم منفصلا عن رؤيته في بناء الوطن، فأنشأ المعهد العالي للحقوق ليعدّ خريجين قادرين على تأسيس دولة تُبنى على الحق والعدالة والمواطنة الحقة، وهم خريجون يدأبون لبناء مجتمع متسامح ومتماسك ينبذ الظلم والتفرقة والفتنة والإنقسام ويرفض الطاعة العمياء للسلطان آنذاك".

وأشار نعمة إلى أن "المطران الدبس غرس في قلب الجامعة وفي عقل الوطن فكرة جريئة ما زالت تتردد في أروقة مؤسساتنا وتوجه مسيرتنا حتى اليوم: إبحثوا عن الحق ليكون لكم وطنًا. وقد كان في طليعة المبادرين إلى بناء وحدة وطنية أصيلة، حقيقية وشاملة، ففتح أبواب الحكمة على مصراعيها لأبناء الطوائف كافة، لينشئ أجيالا عى اللقاء والمحبة والإنتماء الصادق".

وتوجه نعمة إلى زملائه في الجامعة مؤكدًا أن "هذا إرثًا عظيمًا نؤتمن عليه جميعًا، وهو يحث على استخلاص العبر وإكمال مسيرة التطوير والتحديث التي انطلقت مؤخرًا في الجامعة والتي أثمرت بفضل الإلتزام الإستثنائي. اضاف أننا نتعهد بأن نحمل شعلة المطران الدبس في خوضنا غمار الحياة، وبأن نبقى أوفياء لهوية الحكمة التربوية، ورسالتها الثقافية والوطنية السامية، وأن نكمل المسيرة التي أطلقها صاحب السيادة المطران بولس مطر برؤيته المؤسساتية عبر إنشاء كليات جديدة. وتابع رئيس جامعة الحكمة مؤكدًا أننا نتعهد بكل ذلك، ببركة راعي الأبرشية وولي الجامعة المطران بولس عبد الساتر، الذي يواكب الجامعة بمحبة أب ووضوح راع وشجاعة القائد المؤمن بدور "الحكمة" في المجتمع والكنيسة، والذي يوصي دائمًا بأن تكون جامعة الحكمة منهلا للعلم يأتيها الراغبون من كل حدب وصوب ليتزودوا بين جدرانها بما يلزمهم لبناء عالم أفضل فترزع فيهم عشق الوطن وإرادة العمل من أجله وتحقق آمالهم وأحلامهم".

وقال متوجهًا إلى الخريجين والخريجات: "إنكم مدعوون لتكونوا رواد تغيير فعالين في خدمة المجتمع. إسعوا جاهدين من أجل بناء مجتمع قائم على العدالة والشفافية والأخلاقيات الرفيعة. فقد تخرّج من قبلكم من جامعتكم هذه، قامات شامخة من رجال الوطن، أدت دورًا بارزًا في تاريخ لبنان وصيرورته، وأسهمت في بناء مختلف مؤسساته. وها أنتم تقفون اليوم على أكتاف هؤلاء العمالقة لتكملوا المسيرة وتعيدوا إلى لبنان تألقه وازدهاره ودوره الريادي المتميز. أضاف رئيس جامعة الحكمة: تذكروا دائمًا أن سر النجاح يكمن في الأثر الإيجابي الذي تتركونه في حياة الآخرين. وأوصاهم أن يحملوا من الحكمة إيمانها بلبنان وجرأتها في قول الحق ووداعتها في خدمة المجتمع".