لا يمكن في زيارة خاطفة إلى ​قلعة شمع​، في البلدة التي تحمل اسمها المستمد من تخفيف اسم "شمعون الصفا" صاحب المقام الشهير المجاور للقلعة، الوقوف على تفاصيلها التاريخية والهندسية، إذ يظهر سريعاً فعل التخريب الإسرائيلي، والدمار الجديد اللاحق بعقدها وقناطرها وأقبيتها وأجرانها، بعدما حوّلها موقعاً له إبان الاحتلال المباشر قبل العام 2000، فيما تشير العديد من المعلومات إلى أن جنود الجيش الإسرائيلي احتلوا القلعة، في عدوان أيلول 2024، وشوهوا معالمها التاريخية والاثرية والسياحية، كما استهدفوا بالمدفعية بنيانها، وسرقوا عدداً من حجارتها المنقوشة باللغة الارامية.

بنى الصليبيون قلعة شمع، في العام 1116، على سلسلة من الجبال، تنتهي برأس الأبيض في أقصى الجنوب، وتشرف على مدينة صور وسهولها، ويتردد أن بوابة عكا الشهيرة أخذت من قلعة شمع. وهي بنيت من حجارة صخرية قديمة، وسيّجت بأسوار داخلية توازي الأسوار الخارجية، وفي الفناء الشرقي، المتساوق شكله تساوقاً جميلاً، بعض الأبواب من الرخام الأبيض والأسود ذات أناقة فائقة. وفي أحد أطراف الحصن نافذة بقنطرتين "قمندلون" لطيفة، ذات قبتين قوطيتين تدلان على هندسة عربية.

بالنسبة إلى الأسوار، التي تهدم قسم من أعاليها، فقد توارى عنها كل ما كان على الحصن الخارجي من شرفات الرماية، وفيها آبار وأقبية لجمع المياه. وهي أحد الحصون التي كانت تحمي الممالك، في صور وعكّا وطبريا، حتى وادي الأردن وبانياس.

ويورد حسن الأمين، في كتاب "​جبل عامل​ السيف والقلم"، أنّ القلعة استعادت مجدها في عهد الصلبيين (نحو 1157هجرياً/ 1744و1745 ميلادياً)، من خلال الشيخ علي والشيخ حيدر ابني احمد بن حيدر بن فارس، حفيدي الملك الأفضل نور الدين الأيوبي الذي أقام في دير عجلون، شرقي كفررمان. وان سليم باشا هدمها مع قلاع هونين وتبنين ويارون وميس وصربا وجباع في العام 1781، أثناء اجتياح قوات الجزار جبل عامل، في أعقاب مقتل الشيخ العاملي ناصيف النصّار.

في حديث لـ"النشرة"، يوضح المؤرخ الجنوبي الإعلامي والخبير في علم الاثار الزميل كامل جابر أن الظاهر من القلعة (في العام 2004) طبقتان: علوية يقسمها جدار مرتفع نحو عشرة أمتار يطل على البحر، من الغرب، وتحته بهو مدمّر يفضي عند زاويته الشمالية الغربية، من خلال فجوة حديثة في الجدار، إلى قبو كبير، ما زال قائماً من الداخل، طوله أكثر من عشرين متراً من الغرب نحو الشرق، وعرضه نحو أربعة أمتار، بارتفاع ثلاث أمتار، في جداره الشمالي نوافذ للإنارة والرماية، ويتصل من مدخله الشرقي الأساسي، بقبو آخر، من الشمال نحو الجنوب، من خلال عقود كانت تفصل بينهما بغرفة مستقلة تهدمت جدرانها.

ويلفت إلى أن بعض النتوءات في السقف تدل على أن مشانق قديمة كانت معلقة فيه، انتزعت حديثاُ، وإلى جانب مدخل القبو، باب نصف دائري في أعلاه، يؤدي إلى داخل برج لم يسلم من الدمار والعبث بجدرانه وفيه مجموعة من النوافذ المطلة على جهات شرقية وشمالية أساسية وغربية، تنتهي عند كوات للرماية والمراقبة، وإلى جانب البرج من الناحية الغربية، قبو أقل انخفاضاً يدل على طبقة ثالثة كانت في القلعة، والقبو سليم من الداخل، بيد أنه تحوّل مكبّا للنفايات.

في القسم الشرقي من القلعة، يوضح أنه كانت الباحة التي تتوسط القاعات والغرف ذات البناء "العقدي"، وسلسلة من الأبراج والقناطر والعقود، في الجهة الغربية منه سلسلة قاعات مدمرة، بقيت منها بعض العقود والأبواب والنوافذ الجميلة، تدل حجارتها على أنها رمّمت في حقبات مختلفة، ويشير إلى أن جدارها الغربي قائم معظمه، هو عينه المطلّ على البحر والغرب، أما الجدار الشرقي للغرف، فلم تبق منه سوى أجزاء قليلة، تهدم معظمه في العقدين الأخيرين بسبب الاعتداءات الإسرائيلية.

ويشير إلى أن الجدار الجنوبي، قائم أكثره، فيه مجموعة من النوافذ التي سدت في حقبة تالية، تقطعه بقايا جدران غرف دمرت كلياً، وفيه باب عقدي وحيد يفضي إلى الجنوب، سدّ بردم من حجارة القلعة، أما السور الشرقي فلم يبق منه غير بقايا نافذتي قبوين، تنتهيان بكوتي رماية نحو الشرق، وبقي عند الزاوية الشمالية الشرقية من أسفل الباحة برج دائري، طارت حجارته الخارجية، لم يبق منها سوى اليسير عند أعلاه، وظلّ شكله كما هو، في وسطه نحو الشرق نافذة تطل على الجنوب الشرقي.

ويلفت إلى أن هناك نافذة وحيدة صغيرة في الجدار الخارجي الجنوبي، عند أقصاه الغربي، مثلثة الكوات، دوّرت في أعلاها، يفصلها حجر في الوسط. أما الجهة الجنوبية من القلعة فقد غزاها البناء الحديث الذي لعب دوراً كبيراً في تبديل أحوال القلعة.