على مدى الأسابيع الماضية، عمدت العديد من وسائل الإعلام، بالإستناد إلى بعض المواقف الأميركية، للترويج لمعادلة أن على ​لبنان​ التعلم من ​النموذج السوري​ الجديد، بقيادة ​أحمد الشرع​ (أبو محمد الجولاني)، على وقع تهديدات بأن تأخرها سيقود إلى تلزيم دمشق الملف اللبناني، لكن ما هي إلا أيام قليلة حتى ظهرت حقيقة هذا النموذج، نتيجة التطورات المستمرة على الساحة السوريّة، فهل فعلاً هذا ما على اللبنانيين التعلم منه؟!.

نتيجة ما يحصل في محافظة السويداء، تأكد أن السلطة الجديدة في دمشق غير قادرة، على المستوى الداخلي، على نقل البلاد إلى مرحلة جديدة، بعد أن أرهقتها سنوات الحرب المستمرة منذ العام 2011، بالرغم من سقوط النظام السابق، الذي كان يتم الترويج على أنه المشكلة الوحيدة، نظراً إلى أنّ تصرفاتها تؤكّد عدم قدرتها على أن تتولى عملية إعادة بناء البلاد، بل على العكس تلعب دوراً رئيسياً في إستكمال تدمير ما تبقى من هويتها الوطنية.

في هذا المجال، قد يظنّ البعض أن هناك تضخيماً لمسؤولية هذه السلطة عما يحصل، إلا أن غالبية التجاوزات التي تعرضت لها مكونات طائفية وعرقية، خصوصاً في الساحل والسويداء، كانت في ظل عمليات عسكرية بادرت هي إلى إطلاقها، وبالتالي لا يمكن أن تعود وتحمل المسؤولية إلى عناصر أو مجموعات غير منضبطة أو غير خاضعة لها، في وقت تسعى إلى تقديم نفسها، أمام الخارج، على أنّها تملك القدرة بالسيطرة على الأوضاع.

في هذا السياق، قد يكون من الضروري التوقف عند عدم مبادرتها، بعد أن أعلنت سحب قواتها من السويداء نتيجة الضربات الإسرائيلية التي تعرضت لها العاصمة دمشق، إلى القيام بأيّ خطوة تحول دون إستكمال المعارك، نتيجة الهجمات التي تقوم بها عشائر البدو، بل عمدت من خلال الشخصيات المحسوبة عليها إلى تأييد هذه الهجمات، في حين هي، على المستوى الرسمي، كانت قد قررت الإنسحاب من المشهد، خوفاً من تعرضها إلى المزيد من الضربات الإسرائيلية.

هنا، من الممكن الحديث عن أن هذه السلطة، على أقلّ تقدير، ساهمت في تعزيز الإقتتال الذي يأخذ طابعاً طائفياً، بدل أن تنتقل إلى مرحلة تكون فيها مسؤولة عن كل السوريين، ما يدفع إلى السؤال عما إذا كان هناك من هو مستعد للعيش تحت كنفها بإرادته، لا تحت طائلة المجازر التي ترتكب، في ظل تصاعد الدعوات إلى ​الحكم الذاتي​ والفيدراليات والحمايات الدولية؟.

ما يهم على المستوى اللبناني، بالرغم من إستمرار القلق من تداعيات ما يحصل داخلياً، هو العودة إلى البحث عما إذا كانت سلطة الشرع نموذجاً يمكن التعلم منه، كما تم الترويج ضمن حملة، شارك فيها بعض اللبنانيين، على قاعدة أنها ستنقل سوريا إلى مرحلة من التنمية الإقتصاديّة، أم أنها النموذج الذي من الضروري تجنبه، خصوصاً أن أحداً لن يبادر إلى الإستثمار في دولة من الممكن أن تقع فيها معارك عسكريّة في أيّ لحظة، ناهيك عن سيطرة فتاوى "المشايخ" على إدارتها الرسميّة بدل الإستناد إلى سلطة القانون.

في المحصّلة، يبقى لبنان، رغم كل المصائب التي تسببت بها طبقته السياسية على مرّ السنين، أفضل من نموذج سلطة الجولاني، التي كان هناك من يدعو إلى التعلم منها أو يبشر بتلزيمها الملفّ اللبناني، في حين هي عاجزة عن إدارة الملفّ السوري، كما أنّها ليست نموذجاً يمكن أن يتعلّم منه، إلا من يطمح بالعودة للقرون الوسطى.