منذ بدايات تشكّل حزب الله في لبنان، حاولت بعض القوى الداخلية والخارجية على السواء اللعب على وتر الانقسامات داخل البيئة الشيعية. تلك المحاولات لم تكن يوماً بعيدة عن المشروع الإسرائيلي الأميركي، الذي يسعى باستمرار إلى تجريد الحزب من عمقه الاجتماعي.
لم تمرّ زيارة الموفد الأميركي توم باراك إلى بيروت مرور الكرام، خصوصاً مع ما رافقها من خطاب سياسي وإعلامي ركّز على "الغزل" الواضح تجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالتوازي مع تسريبات تتحدث عن تباينات بين بري والحزب حيال مستقبل السلاح ودور الثاني في المرحلة المقبلة. هذا المشهد، الذي أعاد إلى الأذهان محاولات سابقة للعب على التناقضات داخل الساحة الشيعية، فتح باب التساؤلات حول ما إذا كانت هناك محاولة جديدة لإحداث شرخ داخل الثنائي الشيعي، مستندة إلى سياق تفاوضي حساس يتعلّق بوقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 ومبدأ حصر السلاح.
اللافت أن هذه المحاولات تأتي على وقع "غزل سياسي" غير خفي يوجهّه الموفد الأميركي توم باراك تجاه رئيس المجلس النيابي، في مقابل حملات إعلامية دولية ومحلية تتحدث عن "جناحين في الحزب"، سياسي يوافق على التهدئة، وعسكري يصرّ على المواجهة. مصادر سياسية في الثنائي الشيعي وصفت هذا الخطاب بأنه "محاولة مكررة لتفكيك الموقف الموحد للمقاومة"، مؤكدة أن "التباين التكتيكي في بعض الملفات لا يلغي وحدة الهدف الاستراتيجي التي تجمع الحزب والحركة منذ تسعينيات القرن الماضي".
تعتبر المصادر عبر "النشرة" أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها اللعب على وتر الخلاف الداخلي. فقد شهدت مرحلة ما بعد عام 2000، وبعد التحرير، محاولات لتصوير الحزب كعبء على الداخل اللبناني، ثم أعيدت الكرّة بعد عام 2006 حين عجز العدوان الإسرائيلي عن تحقيق أهدافه عسكرياً، فلجأ إلى الاستثمار في الداخل السياسي والإعلامي. واليوم، يعاد إنتاج الرواية نفسها لكن بزاوية أكثر خطورة من خلال تصوير أن داخل البيئة الشيعية نفسها انقسام بين من "يتمسك بالسلاح" ومن "يريد تسليمه للدولة".
وتكشف المصادر أن هذه المحاولات تكررت في فترة التفاوض حول وقف الحرب الإسرائيلية في تشرين الثاني الماضي وما بعد توقيع الإتفاق، حيث كان الحديث عن أن بري وافق منفرداً على ما كان يعترض عليه الحزب، وأن الأخير كان يُريد استمرار المواجهة لوقت إضافي بغية تحسين الشروط، مشيرة إلى أن من واكب تلك المرحلة يُدرك جيداً أن هذا الأمر غير صحيح.
تشدد المصادر على أن "الحزب كان في صلب التفاوض على وقف إطلاق النار ولم يكن خارج المشهد كما حاول البعض الإيحاء"، مستشهدة بموقف الشيخ نعيم قاسم الذي حسم الأمر بالقول "نحن جزء من المفاوضات ووافقنا على الطروحات التي تحقق مصلحة لبنان وتحفظ المقاومة". هذا الموقف جاء ليقطع الطريق أمام من يحاول الترويج لفكرة أن الحزب معزول أو أنه يسعى لفرض خياراته على الآخرين، أو يرضخ لما يُفرض عليه.
اليوم يتكرر المشهد حيث يحاول البعض الإيحاء وكأن بري بصدد التفاوض مع الأميركيين على أفكار لا يوافق عليها الحزب، وكل ذلك بهدف خلق مشكلة شيعية-شيعية، تكون السلاح الأهم الذي يحقق مصالح إسرائيل، وخلال زيارة المبعوث الأميركي باراك إلى بيروت صدرت مواقف تتحدث عن أن بري بصدد مناقشة ورقة تفاوضية معه بعيدة عن الحزب، وان المسارين انفصلا بسبب رفض الحزب لكل المقترحات، وهو ما ينفيه بري شخصياً الذي يؤكد أن ما يُفاوض بشأنه لا ينفصل عن موقف الدولة من جهة، ومحاولة تنفيذ الإتفاق القائم والموقع في تشرين الثاني الماضي من جهة أخرى.
تجزم المصادر أن أفكار بري الجديدة تتعلق بآليات تطبيق قرار وقف إطلاق النار، إذ لا أحد في لبنان يفكر بتنفيذ ما يُريده الأميركي "مجاناً" وتحديداً بري الذي كان معارضاً لفكرة الخطوة مقابل خطوة ويفضل مبدأ السلة المتكاملة التي تضمن تنفيذ إسرائيل لقرار وقف إطلاق النار والقرار 1701، مشددة على أن رئيس المجلس ينطلق من قناعتين أساسيتين، الأولى هي أن القرار المذكور يجب أن يُطبق، ولبنان فعل ويستكمل ما عليه جنوب الليطاني، والثانية هي أن السلاح شمال الليطاني يرتبط بنقاش داخلي يتعلق بالإستراتيجية الدفاعية، وهو ما وافق عليه حزب الله نفسه عندما شارك بالحكومة وصوت على بيانها الوزاري، وتأييده لخطاب القسم أيضاً.
رغم كل ذلك، لا تخفي المصادر خشيتها من أن هذه الحملات "قد تفتح الباب لفتنة داخلية أصعب من كل الاستحقاقات السابقة"، مؤكدة أن "المسّ بوحدة الشارع الشيعي اليوم أخطر من أي وقت مضى، لأنّه في حال حصوله سيمسّ أساس التوازن الوطني، لا سيما أن الطائفة الشيعية شكّلت على مدى عقود قاعدة صلبة في مواجهة المشاريع الإسرائيلية".
البيئة الشيعية، التي خبرت على مدى العقود الأخيرة تحديات كبرى من الحرب اللبنانية إلى الاحتلال والفتن الطائفية، تدرك أن أي شرخ داخلي سيكون بمثابة حصان طروادة الذي ينسف مكتسبات عقود من الصمود. لذلك، تحذر المصادر من "الانجرار وراء هذا المخطط"، مؤكدة أن "الانقسام حول السلاح ليس سوى فخّ يراد منه ضرب البيئة من داخلها بعدما فشلت كل الحروب العسكرية والسياسية والإعلامية في ذلك".
وتؤكد المصادر "أن كل محاولة لخلق فجوة بين حزب الله وحركة أمل محكومة بالفشل، لأن العلاقة بين الطرفين ليست وليدة لحظة سياسية عابرة، بل هي ثمرة عقود من النضال المشترك ضد الاحتلال ومشاريع التقسيم"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن "أكثر ما يقلقنا اليوم ليس الضغط الخارجي أو الحرب النفسية، بل محاولات التحريض الداخلي التي تتسلّل عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فنحن ندرك حجم الحرب الناعمة التي تستهدف بيئتنا، لذلك عليها الشيعية لما يُحاك لها اليوم".