توفي وزير الخارجية اللبناني السابق عبدالله بو حبيب مساء امس، عن عمر يناهز 84 عاماً، بعد تعرضه لأزمة قلبية نُقل على إثرها إلى أحد المستشفيات حيث فارق الحياة.
في هذا السياق، نعى نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزف القصيفي وزير الخارجية السابق عبدالله بو حبيب الذي "طوى الصفحة الأخيرة من كتاب حياته الحافل بالتحديات والاحلام مذ كان يافعا في بلدته روميه، وعلى مقاعد الدراسة في مرحلتيها الثانوية والجامعية، قبل أن يحمله الطموح على جناحيه إلى الولايات المتحدة الاميركية، ومنها إلى الدبلوماسية التي مثل فيها لبنان سفيرا بواشنطن، بعدما تحصن بشهادة الدكتوراه في الاقتصاد بجامة فاندربيلت وعمل خبيرا في البنك الدولي".
واشار الى أن "عبدالله بو حبيب كان لبنانيا حتى العظم، مناضلا صلبا في سبيل وطنه، وتولى مسؤوليات جساما في أشد اوقات المحن التي تتالت على لبنان، وكان عليه أن يمشي مستقيما بين خطوط متعرجة. على أن الطواف الطويل بين أزقة الدبلوماسية ودهاليزها وعالم الاستشارات في البنك الدولي، وطد حضوره السياسي والاكاديمي وزاده معرفة باسرار السياسات وكواليسها، ومفاتيح اللعبة الدولية التي تقرر مصائر الدول والشعوب، وعاد إلى لبنان مغلبا هواه على مصلحته الشخصية منخرطا في الشأن العام على طريقته الخاصة، وكان نائبا لرئيس الرابطة المارونية، ومحركا لنشاطات ثقافية وبحثية واستاذا محاضرا في جامعة الحكمة، قبل أن يعين وزيرا للخارجية في أكثر الأوقات حرجا مواجها حصارا دبلوماسيا دوليا وعربيا غير معلن على لبنان فترتذاك.وغالب الصعاب محاولا فكفكة العقد وتدوير الزوايا وهو الخبير في "الكيمياء" اللبنانية التي عجم عودها وامتحن تضاريسها، مقدما افضل ما يمكن أن يقدمه لبناني لوطنه في أزمنة الشدائد. وفي كتابه "أوراق من واشنطن" يكتب تجربته في سفارة لبنان في الدولة العظمى بحبر المعاناة، ولهف الفتى الذي صدم بقساوة الواقع القامع للاحلام".
واضاف القصيفي "يغيب بو حبيب الصديق القديم مواريا معه مرحلة من حياة لبنان اجتهدنا معا ليكون أحلى وابهى، واكثر قوة، يستظله جميع ابنائه بالعدل والكرامة والمساواة، وليس كل ما يتمنى المرء يدركه، لكن المحاولة الشجاعة هي خير عزاء ولو لم تثمر افعالا بقدر التمني. فنم قرير العين يا صديقي، وليهنأ لك الرقاد في تربة روميه ملتحقا بمن سبقك من أحبة بكيناهم ذات يوم، وليكن ذكرك وذكرهم مؤبدا".
بدوره، اشار الوزير السابق جورج كلّاس، الى أن "الوزير عبدالله بو حبيب يرتقي إلى مجد الروح! بهدأته الباسمة، و حضوره الراقي، قاد عبدالله وزارة الخارجيّة والمغتربين، في ادق المراحل السياسية التي عرفها لبنان (2021-2025)، و نجح بأن يضع مدماكاً لتحصين موقع لبنان وتحسين علاقاته مع الخارجيْن العربي و الدولي، معتمداً هندسة الانفتاح على ما فيه خير الوطن".
أضاف "تشرفت ُ بزمالته في مجلس الوزراء، و إعتزيتُ بصداقته الدائمة، وأشهد له بفنيّة حلّ الأزمات وتجاوز قطوعات النزاعات التي أثقلت ظروف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (معاً للإنقاذ) في مراحلها الثلاث كحكومة مكتملة الأركان، و كحكومة تصريف أعمال ومعتبرة مستقيلة بعد إجراء الانتخابات النيابية، وكحكومة إنتقلت اليها الصلاحيات غير اللصيقة برئيس الجمهورية بعد إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون".
ولفت الى ان "في الحالات الثلاث، كان عبدالله ابوحبيب، وزير الإيجابية الذي تليق به المسوولية الدبلوماسية في كل سلوكاته ومواقفه، وهو الذي كان يقاطع جلسات مجلس الوزراء على مدى سنتين واربعة أشهر من الشغور الرئاسي، إلتزاماً شريفاً من معاليه بنهج و تيار سياسي له موقعه و مكانته، من دون ان يقاطع السراي او يتأخر عن القيام بمهمات إستثنائية تستوجبها المرحلة.
اما رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي فقال "آلمني جدا الرحيل المفاجئ للوزير عبدالله بو حبيب، والمفارقة الموجعة أنني كنت انتظره على لقاء صباح اليوم، فعاجلته المنية ليكون الى جوار ربّه. تسلّم الراحل مهام وزارة الخارجية والمغتربين في فترة تولّي رئاسة الحكومة، وكان تعاوننا مثمرا رغم صعوبة المرحلة التي كانت الاخطر في تاريخ لبنان الحديث. فاظهر صلابة في التعبير عن الموقف بديبلوماسية مزجت بين الحكمة والواقعية والوطنية الصافية والخبرة العميقة في اصول الديبلوماسية والعلاقات الدولية".
واشار الى انني "عرفته لبنانيا في الصميم، متمسكا بقناعات وطنية لا يحيد عنها ولا يساوم عليها، وكانت هذه القناعات حاضرة في كل المحادثات التي يجريها في الوزارة وفي المحافل العربية والدولية. جمعتنا صداقة شخصية متينة ساهمت في ارساء التفاهم على العديد من الملفات الشائكة التي واجهتنا، ونجحنا في ايصال الموقف المطلوب وفي معالجة العديد من الملفات المعقدة او الطارئة بصمت، وبعيدا عن الاثارة الاعلامية. ورغم كل التعقيدات والصعوبات، لم تغب الابتسامة عن وجهه ،فكان يضفي على الاجتماعات حضورا محببا وطرافة لم تفارقه البتة. كما ترك في كل محطة من محطات حياته أثرًا، وفي كل كلمة من كلماته معنى".
كما نعى النائب فؤاد مخزومي وزير الخارجية السابق عبدالله بو حبيب، قائلا "نخسر في لبنان رجلًا ترك بصمات بارزة في الحياة الدبلوماسية والسياسية، وكان مثالاً في الالتزام الوطني وخدمة بلده في أصعب الظروف. أتقدّم من عائلته وذويه ومحبيه بأحرّ التعازي وصادق المواساة، سائلاً الله أن يلهمهم الصبر والسلوان، وأن يتغمّده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جنّاته".