لفتت وزيرة التربية والتعليم العالي ريما كرامي، خلال رعايتها "الملتقى الوطني حول تربية الطّفولة المبكرة"، الّذي نظّمه المركز التربوي للبحوث والإنماء في مبنى المطبعة في سن الفيل، إلى "أنّنا نجتمع اليوم ليس للاحتفال، بل لإطلاق نداء وطني عاجل حول قضيّة تربويّة تحتاج إلى تضافر الجهود والتفكير والتخطيط والالتزام بنقل الخطط إلى حيّز التنفيذ".
وأشارت إلى أنّ "بالنّسبة لنا كوزارة تربية، إنّ التربية في سنين الطّفولة المبكرة ليست خيارًا، وليست مرحلةً تمهيديّةً فحسب، بل هي الأساس الّذي يُبنى عليه كل مسار تعليمي، اجتماعي، وإنساني. هذا أمر لم يعد موضع نقاش"، مبيّنةً "أنّنا جميعنا أصبحنا نعرف بالأدلّة والأبحاث أنّ التربية في السّنوات الأولى ضرورة، وأنّ الاستثمار فيها هو الاستثمار الأكثر مردودًا على مستقبل لبنان".
وركّزت كرامي على "أنّنا حقّقنا كوزارة بعض الخطوات، نعم، ولكن الحقيقة المؤلمة أنّنا ما زلنا متأخّرين عن توفير هذا الحق لكل طفل على أرض لبنان، عن طريق التوعية وترجمة ما توصّل إليه العلم التربوي. فإلى جانب التحدّيات التربويّة والتعلميّة الّتي تعرفونها جميعًا، هناك مسألة أساسيّة لا يمكن التغاضي عنها: الحاجة الى تحسين الحوكمة والتنسيق".
وأوضحت أنّ "اليوم، يتقاسم هذا القطاع ثلاث وزارات: الصّحة، الشّؤون الاجتماعيّة، والتربية. وهذه التعدديّة في الجهات المسؤولة، إن لم تكن محكومة برؤية واضحة واستراتيجيّة تنسيقيّة، تتحوّل إلى مصدر تشتّت وهدر. ورؤيتي كوزيرة هي أن تصبح المدرسة الوطنيّة، بإشراف وزارة التربية والتعليم العالي، المركز الجامع لخدمات الطّفولة المبكرة، بحيث تدعم الوزارات الأخرى -بالصّحة والحماية والرّعاية- هذا الدّور المركزي".
كما شدّدت على أنّ "رؤيتنا في وزارة التربية للمدرسة الوطنيّة الّتي نسعى إلى إحيائها وبنائها، تتجاوز التعليم الأكاديمي. في وزارة التربية، ننظر إلى الطّفولة المبكرة كمرحلة أساسيّة في رحلة التعلّم، لا تبدأ فقط عند دخول الطّفل إلى المدرسة، بل تمتد منذ لحظات حياته الأولى".
وذكرت كرامي أنّ "الأبحاث الدّوليّة تشير إلى أنّ السّنوات الثّلاث الأولى من حياة الطّفل، تشكّل فترةً حسّاسةً جدًّا في نمو الدّماغ واكتساب المهارات الأساسيّة في اللّغة، والعلاقات، والقدرة على التعلّم. هذه المرحلة، بما تحمله من إمكانات كبيرة، تستحق أن تصمّم تدخّلاتها بعناية، وبمنهجيّات متعدّدة التخصّصات، يكون فيها البُعد التربوي والبيداغوجي عنصرًا مكمّلًا وأساسيًّا".
وأكّدت "أنّنا نطمح إلى أن تقدّم المدرسة الوطنيّة كل أنواع الخدمات الّتي يحتاجها الطّفل ليزدهر، فتوفّر بيئةً تعليميّةً مؤاتيةً وآمنة، تشمل: برامج رعاية شاملة للصّحة الجسديّة والنّفسيّة، دعم اجتماعي للأسر لضمان استمراريّة تعليم الطّفل، موارد تربويّة متكاملة من مناهج وأدوات تعليميّة محفّزة، تدريب مستمر للمعلّمات والمعلّمين المتخصّصين في الطّفولة المبكرة، ومساهمات فاعلة من الشّركاء: منظّمات المجتمع المدني، البلديّات، الجامعات، والنقابات؛ بما يضمن شبكة دعم متكاملة حول المدرسة".
وأضافت: "المدرسة الرّسميّة الوطنيّة في رؤيتنا ليست جدرانًا ولا صفوفًا فقط، بل المحور الأساسي للتعلّم والنّمو، ونحن مقتنعون أنّها قادرة إذا مُنحت الأدوات الصّحيحة، على أن تشمل مرحلة الطّفولة المبكرة في بنيتها ووظائفها"، داعيةً إلى "إعادة رسم أدوارنا بشكل واضح حول مساهماتنا في نمو وتعلم كل طفل: وزارة التربية مسؤولة عن البيداغوجيا، المنهج، إعداد الكوادر، وضبط جودة التربية الشّاملة. الوزارات الأخرى شريكة ومساندة بخدماتها الصّحيّة والاجتماعيّة الرّعائيّة".
ولفتت كرامي إلى "أنّنا بدأنا نسير نحو هذه الرّؤية عبر تطوير أطر مرجعيّة وبرامج وطنيّة، ولكنّنا نحتاج إلى إدارة هذه المبادرات، وتنسيق فعلي، للانتقال من الكلام إلى التنفيذ"، مركّزةً على أنّ "المطلوب ليس خططًا على الورق، بل التزامًا بميزانيّات ومعايير، وتوزيع أدوار، يحكمها هدف واحد: كل طفل في لبنان يستحق بدايةً عادلةً وراعيةً وآمنة".
إلى ذلك، شدّدت على أنّ "التحدّيات كبيرة: التمويل محدود، الكوادر المتخصّصة قليلة، والفوارق بين المناطق صارخة. ولكنّنا في وزارة التربية نؤمن بأنّنا كأعضاء في حكومة الإصلاح، نملك ما هو أهمّ: القدرة على بناء شراكة وطنيّة حقيقيّة بين الوزارات، المجتمع المدني، الجامعات، النّقابات، الأهل، والهيئات الدّوليّة. هذه الشّراكة يجب أن تُبنى على الأدلّة العلميّة والبيانات الّتي تعكس فهمنا للسّياق، وتبني على الموارد والقدرات المتاحة، لتتحوّل رؤيتنا إلى خطّة عمل مشتركة متكاملة، لا إلى مبادرات متفرّقة ومتضاربة".
ودعت إلى "تحمّل مسؤوليّة جماعيّة، ولنعلن التزامنا بالسّعي لأن نجعل الطّفولة المبكرة جزءًا لا يتجزّأ من النّظام التعليمي الرّسمي، وأن نضمن لها الموارد والبنية الّتي تليق بها"، جازمةً "أنّنا لن نسمح أن تكون تربية الطّفولة المبكرة ترفًا في بلدنا، هذا عهدنا بأنّها أولويّة وطنيّة واستثمار لا رجعة فيه. فلنعمل معًا كلّ من موقعه، لتحويل هذه الرّؤية إلى واقع يلمسه كل طفل وكل عائلة".