اختتم رئيس الجمهورية ​جوزاف عون​ زيارته إلى ​الجزائر​، بعد أن زار في اليوم الأخير من زيارته كاتدرائية "سيدة أفريقيا" في العاصمة الجزائرية، يرافقه الوزير المرافق وزير الطاقة المتجددة والمناجم محمد عرقاب، والوفد الرسمي ال​لبنان​ي.

وكان في استقبال الرئيس عون لدى وصوله، راعي الكاتدرائية الأب غي، الذي جال معه في أرجائها وقدم له شروحات ومعلومات عنها. وعاين الرئيس عون الجدرانيات فيها واطلع على العبارات المدونة عليها. والتقطت صور تذكارية له مع الكهنة والرهبان والراهبات الذين يخدمون الكاتدرائية.

وتقع الكاتدرائية في منطقة باب الواد، على تلة مشرفة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وتعتبر اول كنيسة كاثوليكية تشيد في أفريقيا على اسم السيدة العذراء، وقد انتهى بناؤها في العام 1872، على يد المهندس المعماري الفرنسي "فروجو".

وبعد انتهاء الجولة، دوَّن الرئيس عون كلمة في سجل الكاتدرائية، جاء فيها: "على بوابة المتوسط، وفي قلب العاصمة الجزائرية، كان لي الشرف اليوم بزيارة كاتدرائية "سيدة أفريقيا"، لأتأمل في المعنى العميق لوجود هذا المعلم الديني والثقافي المسيحي في محيطه. ليس غريباً أن تلهم العذراء مريم ثقافة التعايش والتبادل والاحترام بين الحضارات والديانات في الجزائر. فهي لطالما كانت للمسيحيين أماً وشفيعاً وأيقونة محبة وتفانٍ. وليس أدل على سمو رسالة هذه الكاتدرائية التاريخية التي تقف شاهدة على مسيرة الانسان في الجزائر منذ قرن ونصف، سوى عبارة " يا سيدة أفريقيا صلي من أجلنا ومن أجل المسلمين"، المنقوشة عليها. أسأل الله تعالى أن يحمي الجزائر، ويحضنها بنعمه، ويقودها على دروب الازدهار والسلام".

ثم انتقل الرئيس عون والوزير المرافق لزيارة ​جامع الجزائر​، حيث كان في استقباله امام المسجد الشيخ مأمون القاسمي الذي رحب به، مركّزاً على القيم الدينية ومعاني الاسلام الحقيقية المعتدلة والمنفتحة على الاديان السماوية. كما قدم شرحاً عن تاريخ المسجد والحياة المتوازنة في البيئة الجزائرية والخطاب الجامع فيها لاستعادة القيم الانسانية المشتركة التي بدأت تنحسر.

وشدد على اهمية زيارة الرئيس عون كونه يمثل لبنان التاريخ والشقيق والحضارة والفكر والثقافة والحاضر، آملاً ان يستعيد عافيته ويحفظ الله امنه ووحدته واستقراره، مشدداً على تاريخ العلاقة التي تربط لبنان والجزائر والتي تجددت على مر السنوات.

وقال: "نأمل ان تشكل زيارتكم الى الجزائر، دافعاً قوياً لتحقيق المزيد من التعاون والتبادل لتعزيز العلاقات وتطويرها. ونتطلع في هذا الجامع الى اقامة جسور تعاون بينه وبين مؤسسات دينية وعلمية وفكرية، والى لقاءات يتحقق بها هذا التعاون والتبادل المنشود". كما اشاد بالسفير اللبناني لدى الجزائر محمد حسن، وبالجهود التي بذلها لتعزيز العلاقات بين البلدين وتطويرها.

ورد الرئيس عون شاكراً للقاسمي كلامه وعاطفته، وحفاوة الاستقبال الذي لقيه، مشيراً الى انه يزور صرحاً يمثل ديناً يؤمن بالتسامح والتعاون، مشدداً على اهمية العلاقات الجزائرية- اللبنانية، والرغبة المشتركة في الارتقاء بها الى افضل المستويات، مجدداً شكر لبنان للجزائر على وقوفها الدائم الى جانبه في المحافل الاقليمية والدولية، ومساعدتها له في الاوقات الصعبة.

كما اعرب الرئيس عون عن ترحيبه بالتعاون والتبادل الديني مع مؤسسات لبنانية، وبتطوير العلاقات مع دار الفتوى اللبنانية في هذا السياق.

وفي نهاية اللقاء، قدم القاسمي الى الرئيس عون مجسماً لشعار الجامع.

ثم جال الرئيس عون في ارجائه، وتوجه بعدها الى المئذنة التي يبلغ ارتفاعها 265 متراً وتطل على محيطه والعاصمة الجزائرية، وتؤمّن رؤية شاملة من كل الجوانب بزاوية 360 درجة. ولفت الرئيس عون في جولته وجود ابواب وثريات لبنانية الصنع في قاعة الصلاة.

ودوّن الرئيس عون كلمة في سجل المسجد جاء فيها "في "جامع الجزائر" الذي سعدت اليوم بزيارته، يمتزج الإبداع الهندسي بالإشراق الروحي، وضخامة العمارة بعراقة الإسلام في الجزائر التي احتضنت رسالته منذ أكثر من ألف وثلاثمئة سنة. في أرجائه، وأعمق من إبهار هذا المسجد ذي الطراز العصري، تتغذى بلا شك روح التعايش والتسامح والاعتدال، لتشع في أرجاء الجزائر وأرواح أبنائها، وفي قلوب الزائرين ونفوسهم. رسالة عظيمة شهدت عليها اليوم، أسأل الله تعالى أن تتعمق وتنمو، ناقلة سمو الإيمان الحقيقي الذي يلهم المحبة والعيش بسلام".

وكان الرئيس عون استقبل السفير اللبناني في الجزائر محمد حسن وعرض معه نتائج المحادثات مع الجانب الجزائري. وبمناسبة انتهاء مهمته في الجزائر، نوّه الرئيس عون بالدور الذي لعبه السفير حسن خلال عمله في الجزائر والجهود التي بذلها في تعزيز العلاقات بين البلدين وفي تحضير الزيارة الرئاسية، متمنيا له التوفيق بعد انتهاء عمله الديبلوماسي.

وشكر السفير حسن الرئيس عون على الثقة التي أولاه اياها منذ انتخابه رئيساً للجمهورية وحتى انتهاء مهمته الديبلوماسية في الجزائر، مؤكدا انه سيكون دائما في خدمة لبنان.

بعدها، توجه رئيس الجمهورية الى المطار حيث اقيم له وداع رسمي تقدمه رئيس مجلس الامة عازور الناصري، ووزراء الخارجية والاتصال والداخلية، وعدد من المسؤولين الجزائريين. وبعد استراحة قصيرة في قاعة الشرف في المطار، اقيمت له مراسم وداع رسمية، وعزف النشيد الوطني اللبناني، وحيا العلم الجزائري.

ثم استعرض الرئيس عون والناصري تشكيلة من حرس الشرف من القوات البرية والبحرية والجوية، قبل ان يصافح الرئيس عون مودعيه، كما صافح الناصري اعضاء الوفد اللبناني، واطلقت المدفعية 21 طلقة قبل ان تقلع الطائرة الرئاسية عائدة الى بيروت.

وكان القصر الرئاسي الجزائري شهد مساء امس تقليد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ضيفه الرئيس جوزاف عون وساماً من مصف الاستحقاق الوطني بدرجة "اثير"، وهو اعلى وسام تمنحه الجزائر لرؤساء الدول، وذلك "اثباتا لعلاقات الاخوة والتفاهم ولما بين الجزائر ولبنان الشقيقين من مواقف محفوظة في التاريخ"، كما جاء في براءة الوسام.

كما عقدت امس قمة جزائرية- لبنانية ومحادثات ثنائية بين اعضاء الوفدين اللبناني والجزائري، واخرى موسعة، اسفرت عن العديد من القرارات المهمة لتفعيل سبل التعاون وتعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات.

واعلن الرئيس الجزائري عن توجيهات اعطاها لعودة الطيران الجزائري الى لبنان خلال الاسبوعين المقبلين (وفي وقت لاحق، اعلنت الخطوط الجوية الجزائرية تسيير رحلات الى بيروت ابتداء من 14 آب المقبل). كما اسفرت عن قرار تفعيل آلية التشاور السياسي بين البلدين التي عقدت مرة واحدة منذ عام 2002، والإعلان عن المساعدة في مجال الطاقات المتجددة وبناء محطات على الطاقة الشمسية وغيرها.

كما اشار تبون الى اتفاقيات سيتم توقيعها في القريب العاجل تشمل تعاوناً مالياً واقتصادياً وثقافياً، وكشف عن هدية هي عبارة عن مساعدة مبدئية من الجزائريين الى اشقائهم اللبنانيين، معلناً ان المياه ستعود الى مجاريها بين البلدين.

وخلال المحادثات، تم التوقيع على مذكرة تفاهم اعلامي بين وزير الاعلام اللبناني بول مرقص ووزير الاتصال الجزائري محمد مزيان لتعزيز التعاون والمساعدة في هذا المجال للمؤسسات الاعلامية الرسمية، بعد شرح قدّمه الوزير مرقص للواقع الذي تعيشه هذه المؤسسات الاعلامية والصعوبات التي تعترضها.

وتم التركيز ايضاً خلال المحادثات على مسألة اعادة الاعمار بعد الاضرار الكبيرة التي خلّفتها الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان، حيث قدم الوفد اللبناني مذكرة مفصلة عن هذا الملف، فيما قدّم السفير اللبناني لدى الجزائر محمد حسن مداخلات حول عدد من الملفات والمواضيع التي بحثها الوفدان والعلاقات القائمة حالياً بين البلدين.

كما عقد تبون وعون مؤتمراً مشتركاً، اكد فيه الرئيس الجزائري "الإسراع بعقد الدورة الأولى للجنة المشتركة الجزائرية- اللبنانية، لتكون منطلقًا جديدًا، وإطارًا دافعًا لتعاون مثمر ومستدام، يندمج فيه رجال الأعمال والمتعاملون الاقتصاديون من خلال تفعيل مجلس رجال الأعمال المشترك".

وجدد التزام الجزائر الثابت والدائم بالتضامن مع الشعب اللبناني الشقيق، وحرصها على أمن لبنان واستقراره، ومساعيها على مستوى مجلس الأمن، لوقف انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي للسيادة اللبنانية، ودعم قرار الأمم المتحدة لتجديد عهدة قوات حفظ السلام في جنوب لبنان (اليونيفيل UNIFIL).

ولفت الى انه "من أجل ضمان ديمومة التشاور والتنسيق السياسي بين البلدين، إزاء كل هذه الملفات الحساسة، وجّهنا إلى تفعيل آلية التشاور السياسي، التي لم تُعقد منذ تأسيسها عام 2002، إلا مرة واحدة".

اما الرئيس عون، فشدد على ان لبنان "لا ينسى مواقفَ الجزائر الداعمة له دوماً. فهي لم تغب مرة عن المساعي العربية الحميدة، لخروجِه من أزماته وإنهاء حروبه المركّبة بين داخله والخارج".

واعتبر ان "التضامن العربي هو ضرورة لقوة لبنان، وهو يصلّب وحدته، ويحصّن سيادته واستقلاله"، وقال: "تحدوني آمال كبيرة في إنقاذ بلدي من المخاطرِ المحيقة. وفي استعادة دولته، وإعادتها دولة كاملة الأوصاف والمواصفات. وأولها سيادتها الكاملة وغير المنتقصة ولا المشتركة مع أي كان، على كامل أرضها وكل شعبها".

وشدد على "اننا نطمح إلى الدخول إلى كل بلد عربي شقيق، وإلى كل بيت عربي، بالمحبة والأخوّة. فلا نتدخّل في شأن أي من أخوتنا. ولا هم يتدخلون في شؤوننا، إلا بالمؤازرة على خير كل منا، وخير كل بلداننا، ضمن مناخات الاحترام الكامل والتعاون المطلق".