منذ بداية ​الحرب في سوريا​، في العام 2011، قررت قيادة حركة "​حماس​"، التي كانت تقيم في دمشق وتحظى بتسهيلات كبرى من النظام السابق، الإنتقال إلى ​قطر​ و​تركيا​، لا سيما أن الأجواء في المنطقة، في ظل ما بات يعرف بـ"​الربيع العربي​"، كانت تشير إلى "إنتصار" التيارات المحسوبة على حركة "الإخوان المسلمين" في أكثر من دولة.

لاحقاً، أي بعد سنوات من هذه الحرب، وجدت "حماس" نفسها مضطرة إلى إعادة الإنفتاح على النظام السابق، خصوصاً أنها كانت قد بدأت تتعرض إلى "مضايقات"، إلا أنها عند سقوطه كانت من أول المبادرين إلى تقديم التهنئة إلى السلطة الجديدة، التي لم تتأخر في أخذ القرار بـ"التضييق" على مختلف الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، من ضمن مسار عام يصب في إطار توجيه الرسائل الإيجابية إلى تل أبيب.

هذه المقدمة ضرورية، لفهم المسار الذي وصلت إليه الحركة اليوم، تحديداً بعد عملية "​طوفان الأقصى​" في السابع من تشرين الأول من العام 2023، نظراً إلى أنها، قبل أيام، وجدت نفسها أمام تبني أنقرة والدوحة البيان الصادر عن مؤتمر حل الدولتين، الذي عقد في نيويورك، حيث كانت الإدانة الواضحة لـ"الهجمات التي ارتكبتها حركة حماس ضد المدنيين"، في حين هي لا تزال تواجه معضلة رفض ​إسرائيل​، بدعم من الولايات المتحدة، الوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار، لا يقود إلى إستسلامها بشكل كامل.

بالإضافة إلى هذه الإدانة، هناك بعض النقاط الأخرى التي تستحق التوقف عندها، نظراً إلى أن البيان نفسه تضمن الدعوة إلى أن "يؤول الحكم وإنفاذ القانون والأمن، في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، حصراً إلى ​السلطة الفلسطينية​"، بالتزامن مع مطالبة "حماس" بـ"إنهاء حكمها في ​غزة​ وتسليم أسلحتها إلى السلطة الفلسطينية"، الأمر الذي أحدث، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة عبر "النشرة"، صدمة في أوساط الحركة، تحديداً بالنسبة إلى تبني قطر وتركيا مضمونه، بما يعنيه ذلك من تداعيات على مستقبلها.

من وجهة نظر هذه المصادر، هذا البيان يعني أن المطلوب إنهاء "حماس"، على الأقل جناحها العسكري، بشكل كامل، الأمر الذي لا يعني عدم وجود تداعيات على مستوى عملها السياسي، خصوصاً أنه يحملها جزءاً من المسؤولية عن الواقع القائم في القطاع، لكنه من ناحية أخرى يدفع إلى قراءة المسار الذي ذهبت إليه بشكل كامل، لا سيما عندما فضل أحد أجنحتها السياسية، على المستوى الإستراتيجي، الخيار الفصائلي البحت.

بالإضافة إلى هذا المسار، الذي كانت قد سعت الحركة بشكل أو بآخر إلى تصحيحه، قد يكون من المنطقي مطالبة الحركة بإعادة قراءة خيار الذهاب إلى عملية "طوفان الأقصى"، حيث لا تزال الكثير من علامات الإستفهام تُطرح حولها، تحديداً بالنسبة إلى عدم إدراك تداعياتها، السياسية والعسكرية، لا الأسباب الموجبة المحقة التي وضعت لها، نظراً إلى أن النتائج لا تحتاج إلى الكثير من النقاش.

في هذا المجال، قد يكون من الطبيعي، بحسب المصادر المتابعة، الإشارة إلى الحديث المتكرر عن صراعات الأجنحة داخل "حماس"، بالرغم من نفي الحركة لذلك في أكثر من مناسبة، على إعتبار أن معظم الحركات السياسية، في لحظة التحولات الكبرى، قد تشهد إنقسامات، وبالتالي سيكون من المنطقي رصد كيفية التعامل مع التطورات الحالية، لا سيما أنه لم يبق من حاضنة إقليمية محتملة إلا إيران، التي توجه من قبلها مجموعة من التحديات التي لا يستاهن بها.

في المحصلة، تشدد المصادر نفسها على أن مضمون البيان والجهات "الحليفة" التي وقعت عليه، بالإضافة إلى التطورات القائمة على مستوى المنطقة، تعكس حجم التحديات التي تواجه قيادة "حماس"، الأمر الذي يدفعها إلى طرح الكثير من علامات الإستفهام حول قدرتها على التعامل معها، بالإضافة إلى التداعيات التي من الممكن أن تظهر على واقعها الداخلي، في ظل قدرة أكثر من جهة إقليمية على التأثير فيه.