اقام مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" وقفة تأمّل وصمت، في الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، "تعبيرًا عن الاحترام والتضامن مع ضحايا هذا اليوم وعائلاتهم". وقد أُقيمت هذه الوقفة التكريمية، عند الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم، أمام قسم الطوارئ في المستشفى، الشاهد على اللحظات الأولى للكارثة. وتخلّلت المناسبة كلمة لرئيس مجلس إدارة مستشفى أوتيل ديو دو فرانس ورئيس جامعة القديس يوسف في بيروت الأب البروفسور سليم دكاش اليسوعي، بحضور ومشاركة الطاقم الطبي والتمريضي والإداري في المستشفى.
وبعد الصلاة، ألقى الأب دكاش كلمة قال فيها: "أحبّائي أعضاء الطاقم الطبي والتمريضي والإداري واللوجستي في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس الجامعي – جامعة القديس يوسف، يا أهل بيروت الطيّبة والموجوعة، يا من ما زلتم تؤمنون أن النور أقوى من الظلمة، وأن الحقيقة أقوى من النسيان. نقف اليوم في حضرة الألم، وفي حضرة الأرواح التي ارتفعت إلى السماء قبل أوانها، في ذلك الغروب المشؤوم في الرابع من آب ٢٠٢٠. نقف ليس فقط أمام قسم الطوارئ في هذا المستشفى الجريح، بل أمام جرح وطن مفتوح، أمام صرخة بيروت التي لم تهدأ، أمام أمّهاتٍ ما زلنَ ينتظرن الجواب، وأطفال كبروا على صورة آباءٍ غابوا في لحظةٍ من الغدر. نقف اليوم حاملين صمتًا ممتلئًا بالصلاة، ووجعًا ممتلئًا بالغضب، وإيمانًا لا ينكسر بعدالة الله، وعدالة الأرض، وعدالة الوطن: لبنان". اضاف: "هذا الانفجار ليس قضاءً وقدرًا، لم يكن كارثةً طبيعية حلّت بنا، بل كان ثمرة فسادٍ مزمن، وإهمالٍ قاتل، وتواطؤٍ متوارٍ خلف مكاتب السياسة، وصمتٍ أرعن خنق الحقيقة كما خنق الأرواح".
وتابع: "من هنا، من هذا المكان الذي استقبل المئات من الجرحى والضحايا، نصرخ باسم الضمير: كفى تأجيلاً للعدالة، وكفى تلاعبًا بالتحقيق، وكفى طمسًا للحقيقة. خمس سنوات وما من أحد تحمّل وزر هذه الجريمة النكراء. فأين الحقيقة؟ وأين الجرأة في محاسبة من كانوا السبب وسكتوا عن الخطر؟". وقال الاب دكاش: "نطالب اليوم بأن يُنشر التحقيق القضائي بالكامل فورًا، ونحن في عهدٍ جديد، ورئاسةٍ جديدة، وحكومةٍ جديدة. نطالب بشفافيةٍ تامة، بعيدًا عن أيّ تدخلٍ سياسي أو ضغطٍ طائفي. نطالب بمحاكمة عادلة، وتعويضات قانونية ومنصفة لعائلات الشهداء، لا هِبات تُرمى هنا وهناك، بل حقوق تُعطى بكرامة، عرفانًا لمن دفعوا حياتهم ثمنًا لصمت الدولة".
اضاف: "بيروت لا تطلب الشفقة، بيروت تطلب العدالة. ولا قيامة للبنان إذا لم يكن الحقّ أساس بنيانه. نريد وطنًا لا تُكافأ فيه الجريمة بالصمت، ولا تُختصر فيه المأساة بذكرى عابرة. لا نسلّم قلوبنا لليأس، نحن أبناء الإيمان، والرجاء، والقيامة التي تأتي بعد موت، بعد ألم، بعد صليب. بيروت مدينة القديسين والشهداء، مدينة النداء الإلهي، بيروت لن تموت، سوف تنهض أكثر من أي وقت مضى. ما زلنا نؤمن أن الإنسان يستحق الحياة، والكرامة، والحقيقة".
وختم الاب دكاش: "أنحني بخشوع، وننحني بخشوع، أمام أرواح شهداء الرابع من آب – الـ ٢٦٢، وأتوجّه إلى الجرحى وعائلاتهم بالحب والدعاء، وأُجدّد أمامهم العهد: لن ننسى، لن نتعب، حتى تُعلَن الحقيقة، ويُرَدّ الحقّ إلى أصحابه. فلنتأمل معًا هذا الوجع، ونحوّله إلى التزام دائم، ورسالة سامية، من أجل بيروت ولبنان" .
بعد ذلك، وضع الاب دكاش اضافة الى المشاركين في الوقفة وردة بيضاء على المجسم الذي وضع للمناسبة، تخليدا لذكرى الضحايا.