من جديد، تتوجه عيون العالم نحو الفاتيكان بعد الإستقالة التاريخية للبابا بنديكتوس السادس عشر. فبعد ظهر اليوم، يدخل الـ115 كاردينالاً إلى "شابيل سيستين" ويبدأ "الكونكلاف" المخصص لإنتخاب بابا جديد بعد الإحتفال بالذبيحة الإلهية عند العاشرة صباحاً.

وبانتظار الدخان الأبيض الذي سيعلن في الأيام أو الساعات القليلة المقبلة انتخاب قائد جديد لسفينة القديس بطرس، لا يقف الكاثوليك حول العالم بجمود، وكأن الأمر لا يعنيهم، وكأن الإنتخابات تعني فقط الكرادلة الناخبين، بل يسعى كل منهم للمشاركة بهذا الحدث وبانتخاب الحبر الأعظم الجديد على طريقته.

بعض المبادرات أخذت الطابع التقليدي، كساعات السجود أمام القربان المقدس في مختلف الأبرشيات حول العالم، وصلوات خاصة على نيّة الكرادلة، وتقدمة القداس عن نيّة الإنتخاب، أما البعض الآخر، فأخذ هذه المرّة طابعاً مميزاً، رغم أن المضمون هو هو: الإتحاد مع الكرادلة بالصلاة لكي يتخذوا القرار الأنسب للكنيسة بوحي من الروح القدس.

المؤمنون "يتبنّون" كاردينالا

في وقت أطلقت مجموعة من الشباب الإسبان حملة "أطول تصفيق" تكريما للبابا السابق بنديكتوس السادس عشر، كانت مجموعة أخرى من الشباب الألمان يعملون على إنشاء صفحة إلكترونية تحضيراً لإنتخاب البابا الجديد تحت عنوان "تبنّ كاردينالا".

شارك في هذه المبادرة حتى الساعة نحو 500 ألف شخص من حول العالم، عبر الدخول إلى الصفحة الإلكترونية، ومن ثم إدخال الإسم والبريد الإلكتروني، وانتظار وصول رسالة إلى البريد الإلكتروني باسم الكاردينال "المتبنّى" بطريقة عشوائية للصلاة من أجله خلال فترة "الكونكلاف".

جوليا، إحدى المتطوعات الـ8 للقيام بهذه المهمّة شرحت لـ"النشرة" أن فريق العمل ينتمي لحركة كاثوليكية اسمها "يوث 2000" (شباب 2000) التي تسعى لمساعدة الكنيسة في مهمّة الأنجلة الجديدة"، مشيرة إلى أن فريق العمل مؤلف من متطوعين، يكرّسون أوقات فراغهم وقدراتهم لهذا الموقع.

وعن كيفية الوصول إلى هذه الفكرة، أوضحت أن "أحد عناصر الفريق رأى في إحدى الصحف أسماء الكرادلة وصورهم، وفكّر بأهمية الصلاة لأجلهم، فتباحث الفريق كلّه بأفكار عدّة، وبعد 8 أيام، كانت الصفحة الإلكترونية جاهزة للإستعمال"، لافتة إلى أن "هذا الموقع نشر باللغة الألمانية في 22 شباط، وفي الإنكليزية في اليوم التالي، ومنذ ذلك الحين أضفنا لغات عدّة كالإسبانية والفرنسية والبولندية".

ووصفت جوليا التوسع الكبير الذي حصل عليه الموقع حول العالم بأنه "دليل على أن الكنيسة الكاثوليكية هي حقاً كنيسة جامعة ولا ترتبط بحدود البلدان أو بأية حدود أخرى"، مؤكدة أن ما جرى لم يكن متوقعاً. فكانت فكرتنا موجهة فقط لعائلتنا وأصدقائنا وبعض الحركات الرسولية الأخرى لتشجيعهم على الصلاة من أجل الكونكلاف ومن أجل الكرادلة لكي يحل الروح القدس عليهم".

وعن الهدف الفعلي خلف هذه المبادرة أكدت أن "هدفنا واحد ووحيد وهو جمع الناس وحثهم على الصلاة، لأننا كلنا في الكنيسة جسد واحد ونحن نؤمن بذلك"، مشيرة إلى أن "الكرادلة يحملون ثقلا كبيراً وهم معرضون لشتى أنواع التحديات ولا سيما للهجوم عليهم من قبل كثيرين، ومن خلال صلاتنا نساندهم". وقالت: "الحركة الموجودة على الموقع هي بشكل دائم وهذا يعني أن هنالك أشخاصا يصلون للكرادلة 24 ساعة في اليوم".

ورداً على سؤال حول اعتبارها حقاً مشاركة في "الكونكلاف" من خلال صلاتها، شددت على أنها "بالطبع تشعر بذلك"، معبّرة عن إيمانها بأن "الصلاة لا تذهب سداً".

هذه المبادرة الألمانية ليست الوحيدة، فالفرنسيون أيضاً أنشأوا صفحة تحت اسم "مهمّة الكونكلاف" للغاية نفسها.

من هو البابا الجديد؟

الكرادلة إذاً سيكونون منفصلين عن العالم الخارجي خلال فترة "الكونكلاف"، دون إنترنت ولا أي وسيلة تواصل أخرى، ولكن وسائل التواصل الإجتماعية، هي، لن تنساهم، وسترافقهم في هذه الفترة.

وفي هذا الإطار، رأى مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب ​عبدو أبو كسم​، المتواجد في هذه الأثناء في روما لمتابعة أحداث الإنتخابات، أن هذه المبادرات "هي طريقة من التعبير عن التزام بروحانية الكنيسة، وهي ليست لتزكية كاردينال على آخر، بل للحث على الصلاة، والصلاة تنفع دائماً بكل وقت وزمان ومكان... ولا تنتهي مدّة صلاحيتها"، مشجعاً كل الكاثوليك على الصلاة "لأننا نؤمن بقدرتها، ولكي يلهم الله المسؤولين في الكنيسة لاختيار بابا على مستوى تحديات العصر".

وإلى جانب أجواء الصلاة هذه، تحتلّ التساؤلات الحيّز الأكبر من الإهتمام: فكيف سيكون البابا الجديد وما هي هويّته؟ من أي عرق أو بلد أو قارّة؟ سؤال، سيرى العالم كلّه جواباً عنه... قريباً جداً.

وعلمت "النشرة" أنه، وفي أحد الإجتماعات التي عقدت خلال الأسبوع الماضي في الفاتيكان، قال أحد الكرادلة: "الآن، قد تمّت نصف الإنتخابات بعد أن تعرّفنا على بعضنا البعض، ويبقى النصف الآخر الذي يكمن بدور الروح القدس".

وفي هذا السياق، شرح أبو كسم لـ"النشرة" أن "الأسبوع المنصرم شكّل فرصة كبيرة لكي يتعرّف الكرادلة عن قرب عن أفكار بعضهم البعض، خصوصاً بعد أن عرض كلّ منهم مداخلات في مجالات عدّة تهمّ الكنيسة اليوم"، كاشفاً أن البحث تمحور حول ثلاث قضايا وهي: "تحديات الكنيسة اليوم، الخطة من أجل الأنجلة جديدة، ومواصفات البابا الجديد".

وجدد أبو كسم عدم علاقة الكنيسة بـ"كل التنبؤات الصحافية حول هوية البابا الجديد"، واصفاً ما ينشر اليوم في هذا الإطار بـ"أحاديث الجرايد". وشدد على أن "هذه الحسابات ليست موجودة في آلية انتخاب البابا".

ورغم اقتراب موعد "الكونكلاف"، علمت "النشرة" أن "لا أجواء إنتخابية في الفاتيكان بل جو روحي بامتياز، وما من مؤشر لهذا الحدث الكبير إلاّ تجمع عدد كبير من الصحافيين من مختلف البلدان لمواكبته".

وتجدر الإشارة إلى أن فكرة "الكونكلاف" أطلقها البابا غريغوريوس العاشر في مجمع ليون الثاني عام 1274، لتجنّب ما جرى في إنتخابه الذي طال 34 شهراً. وأصل كلمة "كونكلاف" لاتيني cum clave أي المكان المقفل.