يبدو ان المشهد المصري يتجه حالياً الى نوع من الكوميديا «السوداء» الساخرة بمختلف فصوله فقد مثلت حادثة الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية في العباسية وسقوط عدد من القتلى والجرحى، اضافة الى الاشتباكات الدامية والخسائر المادية والبشرية التي كانت تجري على مرأى من افراد الشرطة وصلت الى حد التلويح باتهامهم بالتواطؤ في هذه الاحداث لغاية في نفس يعقوب.

هي مصر «الجديدة» ومشاهدها الدامية زمن «فتنة الصليب المعقوف» واعمال الشغب واشباح الظلام... هي مصر التي تنبئ بأن ما كان يسمى بالمرحلة الضبابية انتقل الى المرحلة السوداوية عبر التراشق بالمسؤولية عما يحدث بين ما يسمى بالمتآمرين على النظام بشخص الرئيس مرسي وبين من اشار باصابع الاتهام الى وزارة الداخلية والنظام القائم بحكم مسؤوليته السياسية والامنية في ما يبدو بانه استرجاع للماضي القريب قبل «ثورة يناير» منذ حوالى عامين عندما كان يتم تحميل وزير الداخلية آنذاك حبيب العدلي مسؤولية قتل المتظاهرين وتحميل نظام حسني مبارك مسؤولية بعض الاحداث الطائفية منها حادثة الاعتداء على كنيسة القديسين في الاسكندرية.

لقد عزف الطرفان المسيحي والمسلم النشيد الموحد بعد الحادثة الاخيرة، ولكن هناك من يريد اشعال الفتنة بين ابناء الوطن الواحد من خلال اختلاق احداث تستفز المشاعر الدينية وتؤدي الى فتن طائفية تجر الوطن الى فوضى يستفيد منها اعداء مصر واعوانهم الفاسدين!

إذن مرة اخرى يتم ترحيل المسؤولية الى من يسموا باعداء مصر اي الاشباح الذين يتلاعبون بالدم المصري والسلم الاهلي.

حتى هذه اللحظة وبعد كل الاستنكار والشجب والمناشدات بعدم الانزلاق الى اتون حرب طائفية خطيرة من المؤكد أن ما حصل يجب ألا يتجاوز -الخطوط الحمر- وإن يبدو انه تجاوزها- لا يزال شريط الاحداث الامنية وتصادم الغضب الشعبي ضد سلطة الاخوان وسياساتهم الاقتصادية والاجتماعية وسعيهم لاختطاف الدولة ومؤسساتها كافة، كل ذلك يشير الى تعثر ولادة مصر «الجديدة» وتحيا كوميديا سوداء ساخرة يشكل احد ابطالها الاعلامي الساخر باسم يوسف.

باسم يوسف هذا الاعلامي اللامع في زمن الاخوان والثائر الساخر والذي استغل هفوات الاخوان في الحكم وبنى عليها مسرحياته الساخرة التي لاقت استحسانا واسعا ومتابعة لافتة في مصر والعالم العربي حتى الصحافة الاجنبية التي وجدت فيه الركيزة الاولى لمصر الثورة والتجديد، ومن هنا كانت التغطية الواسعة التي حصل عليها في محاكمته بتهمة اهانة الرئيس وازدراء الدين الاسلامي وهو الامر غير المسموح به في دولة «المرشد».

وتمثل ظاهرة يوسف احد ارهاصات الثورة المصرية واصحاب الفكر المضاد لفكر الاخوان، وتأكيد على ان الثورات العربية الحديثة لم تعد تتصدى لها فقط الاحزاب والمؤسسات الرسمية والشخصيات السياسية، بل اصبح الاعلام والفن ومنظمات المجتمع المدني والشارع البسيط احد اهم ابطالها المساهمين في رسم مشهديتها وكتابة سيناريواتها، لا بل وصل التعاطف مع هذا الاعلامي الى تدخل وزارة الخارجية الاميركية باتهام السلطات المصرية بخلق قيود على حرية التعبير وبانها تتباطأ بشكل ملائم في التحقيق بالهجمات على متظاهرين امام القصر الرئاسي في كانون الأول الماضي وقد اثار تعليق الخارجية الاميركية حفيظة الاخوان وزاد سخطهم على باسم يوسف وبدأت الاتهامات «بالتأمرك» و»العمالة» ترمى بوجهه على عادة هذه الدول التي لا تستطيع مواجهة «الفيل» فتستقوي على «النملة»!

هذا التعاطي «الاخواني» مع الاعلام والاعلاميين يتماشى مع السياسة العوجاء والهوجاء التي تنتهجها ازاء مختلف القضايا في مصر بدءاً من القضاء الغاضب منه بسبب تدخله في مجالهم وتعيينه نائباً عاماً غصبا عنهم، اضافة الى رفض الكثير من احكام القضاء وعزله لبعض قضاة المحكمة الدستورية العليا، وصولا الى ملف الامن والسلم الوطني والواقع المرير الذي تمر به مصر من احتقان طائفي يكاد ينفجر في اي مناسبة يهدد فيها النسيج المصري لما للرمزية التي يتمتع بها الاقباط في مصر خصوصا والمنطقة عموما، وصولا الى الحوار المقطوع مع المعارضة التي تستغل حوادث هكذه دموية لتحمل المسؤولية لفشل النظام القائم بمسؤولياته ناهيك عن الازمة الاقتصادية الخانقة وقرب الاقتصاد المصري من حافة الافلاس والجوع لشعب يفوق تعداده السبعين مليون، والذي لطالما كان «قمحه» يرسم سياسات حكومته التي كانت تغرد خارج سرب مصر «العروبة» و»الناصرية» ما جعل مواقفه السياسية مرتهنة وعرضة للابتزاز والاستغلال من قبل الدول المهيمنة على مقدرات الاقتصاد والمال والسياسة في العالم.

عندما اعاد باسم يوسف توزيع اوبريت وطني حبيبي واستبدلها بقطر حبيبي في اشارة لدور قطر الرائد حالياً على الساحة المصرية والعربية اراد ارسال رسالة مفادها ان قطر «الصغيرة» «الحبيبة» ها هي اليوم ترعى مصر العظيمة «الاخت الكبرى» لها وتستثمرها وتبيعها وتتاجر بها وبتاريخها وبموقعها مقابل عقود استثمار.. طبعا هذه هو ثمن الاخوّة «الساخرة» في زمن الكوميديا السوداء و»SHOW» باسم يوسف.