جدّد رئيس الإئتلاف السوري المعارض، معاذ الخطيب، إستقالته بعد أقل من شهر على إستقالته للمرّة الأولى في 24 آذار الماضي، علماً أنّ ولايته تنتهي أصلاً في 11 أيّار المقبل. وأهميّة هذه الإستقالة ليست في تأثيرها الميداني على المعارضة السورية والذي هو محدود جداً، لكن في أهمّيتها المعنوية حيث تُعبّر عن خيبة أمل متجدّدة للمعارضة السورية من الدول العربيّة الداعمة لها، وخصوصاً من المجتمع الدولي والغربي. وتختصر هذه الإستقالة أيضاً نتائج مؤتمر "مجموعة أصدقاء الشعب السوري" الذي عُقد في إسطنبول.

فعلى الرغم من الدخول بقوّة في العام الثالث من الأحداث الدمويّة في سوريا، وفي الوقت الذي تلقى المعارضة المسلّحة خسائر ميدانية كبيرة بفعل شراسة الهجمات الأخيرة عليها، لا يزال المجتمع الغربي يرفض الإنخراط بالأزمة المتفاقمة في سوريا، بشكل عسكري فعّال، لا مباشرة ولا غير مباشرة. فلا نيّة حتى الساعة بتنفيذ أيّ من مطالب المعارضة السورية، وأبرزها فرض حظر جوّي للطيران فوق سوريا، وإقامة منطقة آمنة، أو ضرب منصّات إطلاق الصواريخ بعيدة المدى، ولا حتّى تزويد المعارضة بأسلحة ثقيلة مثل الدبّابات والمدفعيّة.

صحيح أنّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري أعلن رفع قيمة المساعدات الأميركية إلى المعارضة السورية من 60 إلى 250 مليون دولار، إلا أنّ ذلك لن يشمل إلا سترات واقية من الرصاص وبعض مناظير الرؤية الليلية وربما مركبات نقل خفيفة، إضافة إلى المساعدات السابقة من الأدوات الطبّية والمأكولات! وبالنسبة إلى الدول الأوروبيّة فهي لا تزال بمرحلة "درس رفع حظر الإتحاد الأوروبي على الأسلحة إلى المعارضة"، وتطالب بضمانات بعدم وقوع هذه الأسلحة الموعودة - والتي هي أصلاً دفاعية ومحدودة الفعالية، في أيدي مجموعات متشدّدة دينياً وغير مضبوطة التصرّف. وفي ما خصّ تركيا، فهي بإستضافتها المؤتمر المناهض للنظام السوري في عاصمتها، وبإستمرار توفيرها الدعم اللوجستي العربي والغربي للمعارضة عبر أراضيها، تُثبت بالواقع الميداني أنّها لم تتراجع عن إنحيازها الواضح لصالح المعارضة، وإن كانت حدّة تصاريحها المناهضة للنظام السوري قد تراجعت بشكل ملموس. وممّا سبق، يمكن القول إنّ مؤتمر أسطنبول الأخير، كما المؤتمرات السابقة، ما هو إلا بطاقة تمديد للأزمة السورية، حيث لا تغيير جذري من جانب أيّ من الأطراف المتصارعة، أكانت ميدانياً في الداخل السوري، أمّ سياسياً على مستوى الدول الإقليمية والعالمية. وبالتالي، الكلمة ستبقى للغة السلاح لفترة إضافية للأسف الشديد.

واليوم، يعتقد البعض أنّ الإنتصارات الميدانية لصالح الجيش السوري ستدفع الأمور إلى تسوية قريبة جداً، خاصة وأنّ الأسابيع والأشهر المقبلة تحمل أكثر من إجتماع إقليمي ودولي مهمّ، وصولاً إلى قمّة بين الرئيسين الروسي والأميركي. لكن الرهان على التسوية حالياً، هو في غير مكانه، كما الرهان على التسوية منذ بضعة أشهر(1)!

فالنظام السوري الذي تنشّق جرعة ثقة إضافية غير مستعدّ اليوم لوقف المعركة والذهاب إلى طاولة المفاوضات، حيث يعتقد أنّه إذا إستمرّ في هجماته العنيفة، في ظلّ الدعم الذي يلقاه من أكثر من جهة وطرف، سيعزّز مكاسبه أكثر فأكثر على الأرض، بشكل يخوّله رفع شروطه على أيّ طاولة مفاوضات مستقبلاً. في المقابل، إنّ المعارضة السورية المسلّحة التي رفضت شروط وقف القتال السابقة، ليست اليوم بوارد القبول بشروط أشدّ قساوة، بفعل خسائرها الميدانية في بعض ساحات القتال. وما يساعدها على الإستمرار في المعركة، هو عدم توحّد مقاتليها في قيادة واحدة، ولا في جيش واحد، بحيث أنها لا تتضرّر بشكل شامل من أيّ خسارة عسكريّة ميدانية، ولا حتى من أيّ ضربة سياسية معنوية. وكل التقارير الواردة من سوريا، تؤكّد أنّ عدد المقاتلين المعارضين لم يعد مقتصراً على بضعة آلاف، بل صار بعشرات الألوف من مختلف جنسيّات العالم! وعمليّات تجنيد مقاتلين جُدد تحت ذريعة "الجهاد" سائرة على قدم وساق، ليس في الدول المحيطة بسوريا أو دول الخليج فحسب، بل حتى في الدول الأوروبية وتلك البعيدة جداً عن ساحات القتال مثل أميركا مثلاً. وعمليّات التجنيد "الدينيّة" هذه، أثارت قلق حكومات العديد من الدول الغربيّة، ودفعتها إلى إصدار لوائح إسميّة بسحب الجنسيّة من أي مواطن يتوجّه للقتال في سوريا، وبمنع عودته إليها في المستقبل. وهذا يعني أنّ لا خيار أمام هؤلاء الأشخاص الذين يسمّون أنفسهم "المجاهدين" سوى إتمام ما أتوا من أجله، أي "نيل الشهادة" بحسب تفسيرهم لعقيدتهم الدينيّة.

وبالتالي، معركة خاسرة هنا أو معركة رابحة هناك لن تنهي الحرب المفتوحة في سوريا، التي كل يوم قتال جديد فيها، يصبّ في صالح إسرائيل، لجهة إضعاف النظام وحلفائه ونقل إهتمامهم إلى الشأن الداخلي السوري. وكل يوم قتال جديد فيها، يصبّ في صالح الغرب، لجهة التخلّص من مزيد من المتشدّدين دينياً والمستعدّين للموت في سبيل ما يؤمنون به. وكل يوم قتال جديد فيها يصبّ في صالح كل من يعمل ليل نهار لإشعال فتنة مذهبيّة سنّية – شيعية، ستُدمّر إن إشتعلت بشكل شامل، قوّة الكثير من الدول الإسلامية في هذا العالم!

(1) لا بدّ من التذكير أنّه يوم كانت بعض التحاليل منذ بضعة أشهر تتحدثّ عن أنّ التسوية السورية صارت على باب قوسين، إستندت في مقالاتي إلى تحاليل أخرى توقّعت أن تشهد سوريا معارك كسر عظم وأن يقوم الجيش السوري النظامي بهجمات إستباقية على ريف دمشق لإفشال التحضيرات الخاصة بالهجوم على العاصمة السوريّة. وقد أثبتت الأحداث في خلال الأشهر والأسابيع وحتى الأيّام القليلة الماضية، صحّة التكهّنات باستمرار المعارك الضارية، وصحّة خطّة الهجوم السوري الإستباقي على المعارضة.