ليس لاننا نفضل قانون 1960، بل لان لا حيلة لمجلس النواب الحالي، الذي أشرفت ولايته على الانتهاء، في إيجاد قانون جديد للانتخاب في الوقت الملائم خلال السنوات المنصرمة من عهده، وعندما اراد اثبات مقدرته على التشريع، فاذا به، حفاظا على مقاعد اعضائه في الندوة البرلمانية، يعمد الى تعطيل الدستور عن طريق اجتراح قانون بمادة وحيدة يخرق فيه القواعد والمبادئ والاصول الدستورية، وبمادة وحيدة، واستنادا الى قانون عادي، يعلق احكام الدستور دون ان يدرك، وهو تحت تأثير صدمة ضياع المقاعد النيابية من يده، النتائج القانونية لهكذا عمل خشن وفائق التصور بحق الحرية والديمقراطية في لبنان، ودون أن يعلم أنّ قانون الانتخاب هو قانون متلازم مع احكام الدستور، واداته التنفيذية، والذي على اساسه يعتبر لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية يقوم على مبدأ احترام الحريات العامة.

وبكل بساطة.. وعن طريق اقتراح قانون معجل مكرر ـ وبعد ان قدم اكثر من مائة مرشح ترشيحهم استنادا الى قانون 1960 المرعي الاجراء - يعلق المجلس النيابي الحالي (المفوض السامي في عهد الانتداب!) كل المهل الواردة في قانون الانتخابات رقم 25 تاريخ 8/10/2008 (اي قانون 1960) وحتى 19 آيار 2013، ويلغي أحكام المادة 50 من هذا القانون (المتعلقة بتزكية المرشحين) ويقفل باب الترشيح قبل الموعد المحدد للانتخابات بثلاثة اسابيع (اي اختصرت المدة مــن 60 يومــا الى ثلاثة اسابيع).

وبكلام اوضح، ان المجلس النيابي الحالي بقانونه العادي (تعليق المهل والغاء المادة 50 من قانون 1960 واقفال باب الترشيح) قد خرق الفقرتين "ج" و"هـ" من مقدمة الدستور والفقرة الاولى من المادة 24 دستور، لاسيما المادة 42 منه التي تنص: "تجري الانتخابات العامة لتجديد هيئة المجلس في خلال الستين يوما السابقة لانتهاء مدة النيابة" ما يعني ان هذه المهلة الدستورية (60 يوما) قد خرقت بقانون عادي! ثم ان هذه المدة هي مدة اجرائية، لاجراء الانتخابات، وليست مدة لتقديم الترشيحات خلالها، وباعتبار ان الترشيحات يجب أن تقدم قبل بدء مهلة الستين يوما الدستورية وليس خلالها.

وان المجلس الحالي عندما يلغي المادة 50 من قانون 1960 (المتعلقة بتزكية المرشحين) يعني انه قد نقض الفقرة "ها" من مقدمة الدستور التي تنص: "الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية" فهذا المبدأ الكلي يحرم على المجلس النيابي المساس بالمادة 50 من قانون 1960 بحيث انه، لا يحق له استصدار قانون بالغائها، للحؤول دون تمكين المواطنين من ممارسة حقوقهم السيادية عبر مؤسسة الانتخاب، أو وقف أو تعطيل أو تعليق مفاعيلها لحظة واحدة. ولا مناص من القول أن تعليقه لجميع المهل الواردة في قانون الانتخاب المرعي الاجراء دون ان يكون هناك قانون بديل، يشكل هذا الامر، ايا ً كانت فترة التعليق، إطاحة بالنظام الديمقراطي البرلماني الحرّ المنصوص عنه بالفقرة (ج) من مقدمة الدستور.

وعليه، إن المجلس النيابي الحالي لم يتعرض لقانون الانتخاب المرعي الاجراء وحسب بل تعرّض وبشكل بارز وخشن للنصوص الدستورية والمبادئ الاساسية للوطن ولحقوق المواطنية كافة. ويستفاد من هكذا عمل نهوض جريمة كبرى بحق الوطن ودستوره.

وحيال ذلك، فلرئيس الجمهورية اللبنانية، الساهر على احترام الدستور (عملاً بالمادة 49 منه) وبحكم الضرورة والاضطرار وحفاظا ً على الصالح العام، الحق كل الحق بعدم توقيع قانون تعليق مهل الانتخابات وبرد هذا القانون الى المجلس النيابي. وإذا ما أصرّ عليه هذا الاخير، فلا مفرّ من الطعن به امام المجلس الدستوري.

يُذكر أنّ العملية الانتخابية بمقتضى قانون الستين اصبحت أمراً واقعا ً ويجب السير بها حتى النهاية لأن إجراء الانتخابات بمواعيدها الدستورية أهم بكثير من عدم اجرائها وتعريض البلاد للمصير المجهول.