زمن الوهم العربي

نعم، إنه ليل الظلامية العربية الجديدة وليس ربيع جمال ثورة الحرية والكرامة والمساواة. طبعاً في المستقبل سيكون الخجل طابع هذه الأيام السوداء التي لم توّلد إلاّ الدمار والموت وعبودية العقل والقلب وامتهان كرامة المرأة والإنسان. والكلام فقط عن "جهاد النكاح" وليس جهاد الحرية والمساواة. إذا كانت بعض الكلمات هي المفاتيح الأساسية للفكر فالكلمة الأساسية التي اخصبها العقل الثوري العربي اليوم هي "النكاح". مرعب هذا الواقع أن ترى انساناً ينهش قلب انسان/ انها عودة إلى زمن الأنتروبوفاجي يُضاف إليها تهديم دير مار الياس.

إنه الوهم. زمن الوهم كما يقول هيغل تمر الأيام لكن سيأتي ربيع جديد تقف عنده ثرثرة هذيان العقل الديني الغارق في اللامعقول العبثي واضعاً على رأسه طرحة الملائكة منقباً جمال الأوجه التي خلقها الله لتمجده.

إعتذار

تحضرني هذه الأيام قصيدة مظفر النواب: عربٌ أَنتم يا أولاد.... (النهار الأحد 27 تشرين الأول 2003) والتي كتب تعليقاً عليها الدكتور ياسين سويد.... اعتذر من أصدقائي النبلاء المسلمين وأنا اكتب هذه الكلمات بعد ما هزتني فتوى الشيخ محمد خالـد agencies 7 أيار 2013 يطلب فيها من المعاقين عن القتال أن يقدموا دابرهم وليتلذذ بها الأبطال المقاتلون كأن الذاهبين الى الشهادة والموت لا فكر عندهم ولا رسالة إلاّ شهوة الجسد والنكاح التي يتكلم عنها فرويد وكأن من عجز عن القتال يمكنه بعد فتوى مخيفة أن يتمجد بممارسة الجنس مع أمه أو أخته أو ابنته. وهزتني صورة فتاة مربوطة على السرير والدم يغمرها والصليب مغروس بفمها وهي تُغتصب. حقاً العار لمجد جهاد النكاح الذي أفتى به بعض دعاة الإسلام.

وأنا أخجل من كتابة هذه الكلمة التي يستعملها هؤلاء الدعاة أو العلماء والتي يسمونها «النكاح» وإذا لم يتوفر لهم ذلك فلا بأس من مضاجعة الأموات... أيها العار المجد لك... كأن الغار والمجد والإنتصار العربي لا يولد من رماد الذي أحرق ذاته في تونس بل من الجنس. والمضحك المبكي في هذا العقل الذي شرفّه ابن رشد وابن خلدون وسواهم الكثيرون من الفلاسفة والمفكرين والمتصوفين انه إذا فقد سلاح الذخائر ومضدات الطائرات والرشاشات ومدافع الهاون فاستعمل الكوسى والبذنجان والخضار وكل ما هو منتصب (لا أريد هنا أن أتوقف عند ما يسميه فرويد الرموز الفاليةsymboles phalliques ) وأطلب من الدعاة المزيد من الفتاوى قبل أن يستيقظ العقل والحياء ويعود علماء النفس يحللون هذه النفوس والعقول المريضة، المعقدة، المهووسة التي تدنّس المقدس وتبعده عن خصوبة قراءة جديدة ومدلولات جديدة. وأحيي انتفاضة الدكتور محمد السّماك والنائب عماد الحوت والنائب السابق مصطفى علّوش (النشرة الجمعة 3 أيار 2013).

مرافقة الحب الإلهي

الأزمة جديدة واختبارات بشرية جديدة إنها مرافقة الله في ثبات حبه وعنايته بالإنسان مع التحولات الزمنية والتاريخية. فلا جمود في كلمة الله وحبه بل خصوبة دائمة لعيش الإنسان سعادة تاريخه في أزمنة جديدة آتية من المستقبل خارجاً من جمود الماضي وموته حدثاً آثراَ وحجراً وفكراً كموت القلب والعقل وليس اختباراً صوفياً ملتهباً كما تجلّى في الأم تريزا والأب بيار والأخت إمانويل وشربل ورفقا والحرديني والأب يعقوب الكبوشي والأب مراد المخلصي، في الزهد والإبتعاد عن ملاذ الدنيا والعالم وشهواته أو في الغرق في الفحش الجنسي المدمّر لجمال الشخص البشري في اختبار الحب والعلاقة الجنسية الحقة والمقدسة المباركة في سر الزواج والعائلة بسر اللقاء الرائع بين رجل وامرأة يقوم على الأمانة والديمومة.

أيةُ صورة للإسلام؟

هذه الصورة البشعة التي تقدم اليوم عن الإسلام والتي تمسخ صورته الحقيقية خاصة عندنا نحن وقد أثرت فينا كلمات وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني وأفكار العديد من الأصدقاء المنورّين. نحمد الله ان هناك بقية منورّة من الأصدقاء المسلمين والعقلاء، يسمحون لنا أن لا نبكي كالنساء، اختباراً إنسانياً حضارياً رائعاً للعقل والحرية والكرامة والعيش المشترك وخاصة حرية وكرامة المرأة، لم يُحافظ عليه الرجال، كما قالت ام زين العابدين وهو هارب من الأندلس باكياً "لا تبكِ كالنساء مُلكاً لم تحافظ عليه كالرجال".

بالله عليكم أيها العلماء والعقلاء والفضلاء، أوقفوا هؤلاء المرضى دينياً الذين يشوهوّن صورة الإسلام، أزيحوا عنا هذه «السيدا» النكاحية الجهادية الدينية الضاربة بمجتمعنا لتدنس قدسية رسالة الله لنا بالحب والنقاء والطهارة والسمو الجنسي وكرامة الطهارة ونقاء وقدسية الجسد والشخص البشري ( الرسالة إلى النساء، ومفهوم الجنس بنظر البابا يوحنا بولس الثاني).

لن نربح الثورة بالجنس والدمار والموت وقتل الأبرياء أو خطف الأساقفة وتحليل دم الأقباط في مصر والمسيحيين في العراق (الوثائق الكاملة لفتاوى السلفيين ضد أقبـاط مصر (Rosaweekly العدد 4311، 22 يناير 2011، د. رفعت سيّد أحمد)، (إيلاف 14/5/2013) الأمين العام لحزب الجهاد الإسلامي، محمد أبو سمرة). أو كما أفتى المرجع الشيعي العراقي البغدادي بقتل المسيحيين وسبيي نسائهم وهو يُعتبر آية من آيات الله). وقتل المسيحيين بل بالإبداع الجمالي والثقافي والحضاري والفني والفكري واحترام كرامة الشخص البشرية في عيش الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة بين جميع الناس خاصة بين الرجل والمرأة فالمرأة ليست موطىء قدم الرجل (خطبة لأحد العلماء في عمان). وموضوع لهوه ولذته. انها شريكة الحياة ورسولة النقاء والحب والبذل والعطاء وليست موضوع هذا الإحتقار والمهانة التي يبررها دعاة ينقصهم العلم الحقيقي والنقد التاريخي وقد أصابتهم الأمراض التي تكلم عنها فرويد وعلماء الجنس. كفوا عن استعمال هذه الكلمة المهينة التي لا قدسية فيها ولو أتت من فم الله ذاته مباشرة وليس من أوضاع اجتماعية وثقافية وتاريخية معيّنة. بعض الكلمات لها ولادة في ظروف تاريخية وزمنية وبعض الكلمات لها حقاً مصدر القدسية الإلهية تتكيف مع الأيام والإختبارات والتغييرات وتبقى هي في قدسيتها ومعانيها السامية ولا تجرح شعور وكرامة الإنسان. هذه الكلمة لا قدسية فيها بل هي بحرٌ من المهانة والإحتقار لكرامة المرأة ولجسدها وأكيدٌ أن الله القدوس لا يتلفظ بهذه الكلمات. بل عقول الدعاة الممروضة.

* البروفسور الأب يوسف موّنس أمين سر اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، ورئيس دائرة الإعلام في مجلس كنائس الشرق الأوسط