في العام 1885، تم تأمين خدمة الكهرباء في لبنان لأول مرة، كما أنيرت مدينة طرابلس فيما مضى وسائر محافظة الشمال في العام 1926. من يسمع بهذه التواريخ القديمة يظن أنّ لبنان من اوائل الدول في العالم التي اضيئت بنور الكهرباء، إلا أنّ الواقع المرير هو عكس ذلك. فعلى ما يبدو، لم تكن 128 سنة، الرقم الذي يصادف أنه نفس عدد نواب الأمة، كافية لتصبح كهرباء لبنان مؤمنة على مدار الساعة في بلد مساحته أصغر من مساحة ولاية أميركية واحدة.
تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة كما يقال، فالمواطن اللبناني سئم سماع الذرائع والحجج عن سبب غرقه بالعتمة في القرن الحادي والعشرين، فساد مسؤولي الكهرباء منذ ما بعد اتفاق الطائف حتى اليوم، فشل أو إفشال أيّ مشروع للكهرباء، سرقات وتعديات على الشبكة من المواطنين والكثير من اسباب الفشل. اليوم يبدو أنّ لوزارة الطاقة مشروعها لتأمين الكهرباء 24 ساعة كاملة بدءا من العام 2015، ومن ضمن خطة الوزارة المتشعبة ازالة التعديات على الشبكة الكهربائية في جميع المناطق اللبنانية ذلك لأنّ حوالي 30 بالمئة من حجم إنتاج الكهرباء يذهب هدرا بسبب السرقات والتعديات، التي تتفاوت بين المناطق فهي حسب ما أعلن منذ فترة وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل تبلغ في بيروت 26%، وفي جبل لبنان 18%، وفي الجنوب 59%، وفي الشمال 68%، والبقاع 67%.
بعد بدء مشروع شركات مقدمي الخدمات وتعاقدها مع الوزارة، تم تقسيم المناطق اللبنانية الخاضعة لادارة مؤسسة كهرباء لبنان لثلات مناطق كهربائية وزعت على الشركات الثلاث بحيث استلمت مجموعة "بوتك" المنطقة الاولى المؤلفة من انطلياس وجبل لبنان الشمالي بالاضافة للشمال، واستلمت شركة "الخطيب وعلمي" المنطقة الثانية المكونة من بيروت الادراية والبقاع، واخيرا شركات "دباس" استلمت المنطقة الثالثة التي تضم الشياح والجنوب وجبل لبنان الجنوبي.
الحملة مستمرة وتصاعدية
بدأت الحملة في الأول من نيسان ولا تزال مستمرة حتى اليوم، وهي حسب ما علمت "النشرة" من مصدر في مؤسسة كهرباء لبنان، مفتوحة وتصاعدية بدأت بنمط بطيء ولكنها ستتصاعد لنصبح أمام حملة لازالة التعديات في كل دائرة خلال شهر أيار الجاري، مع حملة مركزية كبيرة.
وأضاف المصدر عبر "النشرة": "في المراحل الاولى نحن أمام فترة مسامحة بحيث لا نقوم بملاحقة المخالف قانونيا سوى عبر محضر الضبط الذي يحرر بحقه، إلا أن هذه الفترة شارفت على النهاية وبالقريب العاجل سيصل صاحب المخالفات الكبيرة او المحاضر المتكررة للسجن". ولفت المصدر إلى أنّ وزير العدل كلف محاميا لتحريك ومتابعة كل القضايا المتعلقة بالمخالفين والمعتدين على الشبكة امام النيابة العامة.
556 محضر مخالفة منذ بدء الحملة حتى اليوم مقسمة على المناطق الكهربائية كالآتي: 72 محضر مخالفة في الأولى و119 في الثانية و365 في الثالثة. هذا العدد الذي يبدو منخفضا اذا ما تقارن بالاعداد الضخمة للمعتدين على الشبكة مرده حسب المصدر نفسه إلى أنّ الهدف من هذه الحملة هو ازالة التعديات وليس معاقبة الناس وبالتالي "هناك الكثير من المواطنين الذين يزيلون تعدياتهم قبل وصولنا او بعد سماعهم بنية التفتيش". واضاف: "نلاحق هذا الامر عن كثب عبر مرورنا في نفس المنطقة اكثر من مرة كي لا يعود المعتدي نفسه لتنفيذ اعتدائه مجددا بعد خروجنا".
تنسيق مع الفعاليات والقوى الامنية
أثناء تحرك فرق التفتيش على الارض قد تواجه بعض المشاكل في مناطق لبنانية وضعها الامني قد يعتبر معقدا، وكي لا تتعرض هذه الفرق للاذى تقوم عناصر قوى الامن الداخلي بمؤازرتها عند الحاجة. وعن هذا الامر اشار احد مسؤولي الفرق الفنية الى ان التنسيق مع القوى الامنية امر ضروري في هذه الحالة. وقال في حديثه لـ"النشرة": "قبل توجهنا لاي منطقة نقوم بالتنسيق مع فعاليات هذه المنطقة من مخاتير الى احزاب وبلديات بالاضافة الى التنسيق مع القوى الامنية لتواكب عملنا، وهذا سهل علينا العمل ومنع وقوع اي مشكلة حتى اليوم، خصوصا ان الفعاليات ابلغت من يعنيهم الامر انها لن تغطي اي مخالفة". وشدد المصدر على اهمية تعاون الاهالي ايضا الذين حتى اليوم لم يشتكوا من عمليات التفتيش بل على العكس تماما.
ولفت المصدر الى ان نجاح مهمة ازالة التعديات عن الشبكة الكهربائية بحاجة لتعاون الجميع وخصوصا المواطنين، معتبرا ان نجاح المهمة يتوقف ايضا على الاستقرار الامني الضروري في كل المناطق لمواجهة اي حالة تعدي والمحاسبة.
الهدف خفض السرقات قدر الامكان
"خفض رقم السرقات هو الهدف، وطالما ان الرقم ينخفض فنحن مستمرون"، هذا ما خلص اليه المصدر في حديثه، معتبرا ان استمرار التعاون من الفعاليات في المناطق وتكثيف عمليات التفتيش واعادة التفتيش مرة بعد مرة في نفس المنطقة هي امور تدفع باتجاه الافضل.
لا يمكن العمل لزيادة الانتاج من جهة وابقاء السرقات والهدر كما هو عليه من جهة ثانية. هذا امر بديهي تحاول وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان العمل عليه ضمن خطة تحسين الكهرباء. المطلوب هو التعاون وارتقاء فكر المواطن لمستوى المواطنية لان التعدي على الشبكة يؤدي لزيادة الضغط وبالتالي لزيادة الاعطال اي الى اذية الحي بأكمله، كما ان المطلوب من الدولة تأمين الكهرباء وتوزيعها بشكل عادل. هذا التوازن بين واجبات الدولة والمواطن يوصلنا لبناء دولة لا تزال بعيدة المنال حتى يومنا هذا.