يستمرّ الصراع الغربي على سورية منذ أكثر من عامين بدون تحوّل جذريّ يُنبئ باقتراب نهاية قريبة له، اتفاق روسي – اميركي للعمل على تفعيل حلّ سياسي ينهي الصراع القائم، اتفاق لايزال يأخذ شكل التصريحات اليومية من أخذ وردّ من دون التوصل إلى حلول ملموسة تنعكس على الداخل السوري. فالاجتماع أُجّل أكثر من مرة ليستقر موعده اخيراً بين العاشر والثاني عشر من حزيران المقبل، ولا يبدو أن هذا التاريخ سيكون نهائياً في ظلّ التطورات الميدانية والسياسية المتلاحقة.
تصريحات للجانب السوري أعقبت الاتفاق لم تعوّل كثيراً عليه، بل حذرت من النوايا المبيّتة للولايات المتحدة الاميركية وحلفائها وطالبت الخارجية السورية أميركا بإثبات نيتها حول التزامها بحلّ سياسي للأزمة، من خلال الضغط على حلفائها لإيقاف دعم الارهاب والارهابيين الذين يقاتلون في سورية.
وأعقبت تصريحات أخرى تصريح الخارجية على لسان عدد من المسؤولين السوريين ليتوّج هذا الحذر السوري باللامبالاة والاستخفاف من قِبل رأس الدولة السورية بالنوايا الاميركية.
تصريحات الرئيس بشار الاسد الاخيرة لوسائل إعلام ارجنتينية لم تكن جديدة، بل أكد من خلالها على الثوابت السورية منذ بداية الازمة، لكن اللافت أن الاسد لم يعط أهمية كبيرة للتقارب الروسي – الاميركي بل رحّب به بطريقة عادية جداً واكتفى بالتأكيد على أن الحوار هو الحل الوحيد، وأن الحكومة السورية منفتحة على كل الاطراف. وجدد ترحيبه بأي حل يجنب البلاد العنف المستمر، مشكّكاً بنوايا الغرب حول الحل السياسي، وأكد ان مطلب الغرب له بالتنحي وأي مطلب سياسي آخر هو شأن داخلي سوري لا يحق للولايات المتحدة ولا لأية دولة اخرى ان تتدخل فيهه وهو امر محسوم.
وقال الاسد: «لا نعتقد أن كثيراً من الدول الغربية تريد فعلاً حلاً في سورية، ولا نعتقد أن الكثير من القوى التي تدعم الإرهابيين يريدون حلا للأزمة، لذلك هم ردوا مباشرة على الاجتماع الروسي ـ الأميركي برفضهم لأي حوار مع الدولة في سورية، نحن ندعم هذا المسعى ونرحب به ولكن علينا أن نكون واقعيين لأن هناك قوى لا تريد حلاً سياسياً وتضغط باتجاه إفشال أي حوار أو حل سياسي، وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك حل من طرف واحد في سورية. أنت بحاجة إلى طرفين على الأقل».
المعطيات تقول إن الولايات المتحدة تجهد لتركيب وفد من المعارضة ليكون قادراً على التحاور مع الوفد الحكومي السوري إذ اعلن سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي استعداده لهذا، ويرجع تأجيل المؤتمر بحسب المعطيات الى عدم قدرة الولايات المتحدة على تشكيل هذا الوفد كما أن تصريحاتها حول تنحي الرئيس الاسد تأتي في هذا السياق لكسب الوقت وهذا ما اكده لافروف ايضاً، اذن تأخير موعد جنيف 2 يعود لعدم جاهزية الولايات المتحدة ووفدها المعارض لكن!!.
الرئيس الاسد في مقابلته أكد ان التصريحات الغربية بشأن ما يتعلق بسورية سواء بالنسبة الى الكيماوي أو موضوع التنحي تتغير كل يوم، وقال: «اليوم هناك كيماوي أو هناك دليل بأن هناك استخداماً لأسلحة كيماوية، وفي اليوم التالي يقولون إنه لا يوجد دليل، وفي ثالث يوم هناك دليل... علينا أن ننتظر لكي يستقرّ رأي المسؤولين الغربيين على شيء واحد. علينا ألا نضيّع وقتنا على تصريحاتهم».
يبدو فعلاً أن الولايات المتحدة تريد حلاً سياسياً، لكن فوري، أي أن التقارب الروسي – الاميركي وتحديد مؤتمر جنيف 2 كما يعلم الجميع جاء بعد إنجازات عسكرية كبيرة للجيش السوري، وجاء بطلب أميركي لأن موسكو منذ بداية الازمة كانت ثابتة على موقفها. إذن فقد طرأ التغيير على الموقف الاميركي الذي تحول بسرعة ليؤكد على الحل السياسي، في ظل تصريحات حفظ ماء الوجه حول الكيماوي السوري وتنحي الاسد.
فلماذا هذا التحول السريع في الموقف الاميركي؟ وهل يخفي وراءه خسائر استراتيجية لأميركا بدأت تتكشف بعد الغارة «الاسرائيلية» على دمشق والتقدم الميداني للجيش السوري؟ و هل تسعى أميركا إلى حل سريع للأزمة السورية يخفي وراءه خسائر كبيرة لها؟.
يبدو أن دمشق وموسكو غيرتا من الاستراتيجية المتبعة في الازمة حديثاً، وما تم تداوله إعلامياً وداخل الاروقة عن انجازات استخبارية كبيرة حققتها معركة القصير وما جرى التكتم عنه ولم يكشف الا عن العربة (الاسرائيلية) اليتيمة أمس والتي لا يمكن اعتبارها لوحدها بمثابة تأكيد على التدخل اليهودي المباشر والنصر الكبير للجيش السوري الا من خلال ربطها بما خفي و سيكشف لاحقاً.
تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الاخيرة التي ادلى بها لصحيفة «روسيسكايا غازيتا» و نشر اللقاء كاملا أمس، قال فيه: «إنه لا يجوز فرض قيود زمنية محدّدة على المؤتمر بشأن سورية، وأوضح لافروف أن «بعض شركائنا (وقد ذكر ذلك وزير الخارجية الأميركي جون كيري) يرى أنه تكفي بضعة أيام أو أسبوع واحد وهذا غير مجدٍّ»، وأورد لافروف مؤتمر دايتون والمؤتمر بشأن لبنان الذي استغرق تحضيره 14 سنة كأمثلة، وقال لا أريد أن يحدث الأمر نفسه بشأن سورية، لكنه من غير المنطقي أبدا فرض أية قيود زمنية، وقال: «أعربت واشنطن عن نيتها تنظيم مؤتمر واسع النطاق بشأن سورية قبل قمة الثماني الكبار المزمع عقدها في النصف الثاني من شهر حزيران المقبل».
فلماذا قارن الوزير الروسي بين مؤتمر دايتون والمؤتمر بشأن لبنان الذي استغرق تحضيره 14 سنة من جهة و ؤتمر جنيف من جهة أخرى وفي هذا الوقت بالتحديد؟.
يبدو أن الجانبين الروسي والسوري لم يعودا مستعجلين على حل سياسي في الوقت الراهن خصوصاً بعد التقدم الميداني الكبير للجيش السوري والذي فرض تغييراً جذرياً لموازين القوى وانعكس ارتياحا على دمشق عسكرياً وسياسياً، ويبدو أن دمشق ومن خلفها موسكو تخططان للاستفادة من كل انجاز يحققه الجيش السوري في ميدان السياسة لإحراج الطرف الاميركي ولفرض شروطهما التي لن يكون بالامكان التفاوض عليها وتغييرها بعد الآن. كل ذلك يأتي مع دعم روسي سياسي وعسكري غير محدود آخره صواريخ s300 وياخونت المتطورة للدفاع الساحلي ومرابطة الاسطول الروسي في طرطوس السورية. يبدو أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة الشروط والحلول السورية بامتياز.