لطالما إستأثرت معتقدات شعبية بعقول اللبنانيين، ولا تزال حتّى يومنا هذا حاضرة في كلّ المجتمعات بنسب متفاوتة. ويُعتبر "الفأل" بوجهيه السيء والحسن أحد أبرز المعتقدات الشعبية السائدة في مجتمعاتنا، حيث لا يزال عدد كبير من الناس يتشاءم من بعض الأمور، ويعتبرها فألاً سيئاً، في حين أن بعضهم الآخر لا يؤمن بها حتى يصل به الحد إلى السخرية ممن يصدقونها.

التمسّك بـ"الفأل".. أو السخرية ممن يؤمن به؟

"رش الماء باليد على شخص آخر" يُعتبر فألاً سيئاً يعبّر عن إنقطاع العلاقة معه، و"إذا حكتك يدك اليمين" فأل حسن يعني ان أحداً سيدفع لك نقوداً، "رؤية غراب لا تبشّر بالخير وتنذر بأن أمراً سيئاً قد يحصل"، وكثير من "الفالات" الأخرى تصادفك لدى تواجدك في كل المناطق وفي مختلف المجتمعات، بحسب ما أشارت إليه سعدى رزق الله، المرأة السبعينيّة لـ"النشرة".

وأضافت انه "تبعاً للتجارب، أثبتت هذه المعتقدات صدقيّتها، ويؤمن بها كل من يلاحظ أن لكل حدث قبل حصوله، إشارة تدلّ عليه". في المقابل، ردّ جورج حداد عبر "النشرة" على هذه المعتقدات، قائلاً: "ياما فتحت شمسيّة بالبيت وما صار معي شي عاطل"، مضيفاً بسخرية: "ان مسألة "الفأل" والإيمان به ليس إلا تمسّكاً بمعتقدات ظنّ العديد من الناس انّها صادقة"، معتبراً ان "الإنسان، ومن منطلق طبيعته التوّاقة إلى معرفة المستقبل، يتمسّك بكل ما يساعده على كشف ما يخبّئ له الزمن من أسرار".

من ناحيتها، أشارت رنا بيطار، في حديث لـ"النشرة"، إلى انها "لا تؤمن بالفالات ولكنّها تجد نفسها، ومن غير وعي، حذرة من الفالات السيئة وتبتعد عن كل ما ينذر بالشرّ"، قائلةً: "إذا لقيت مقصّ مفتوح، بسكرو دغري لأنّو بقولو بموت حدا من أهل البيت". وفيما يتعلّق بالفالات الحسنة، لفتت رنا إلى انها "تستبشر خيراً بها، إنما لا تعلّق آمالاً عليها"، وقالت: "إذا حكّتني رجلي اليمنى، فسأسافر قريباً"، مضيفةً ممازحة: "على هالحالة ما بقعد بلبنان".

تقليد ينتقل عبر الأجيال..

لم يظهر "الفأل" من العدم، فهو نابع من المجتمع وتتأثر به مباشرة النفوس التوّاقة إلى المعرفة، خاصةً معرفة ما يخبئ لها المستقبل. فلطالما سمعنا أهلنا وأجدادنا يتفاءلون خيراً أو شرّاً من تصرّفات معيّنة، وإذا سألنا عن السبب يقولون "هيك بقولو"، بحسب ما أشارت إليه المعالجة النفسية شارلوت خليل، في حديث لـ"النشرة"، واصفةً "الفأل" بأنه "تقليد يتحوّل إلى حالة وراثية من حيث تنقّله".

وأضافت ان "الإنسان بطبعه يسعى إلى معرفة المجهول ويتمسّك بكل ما يساعده على ذلك، بما فيه الفأل أو الأبراج أو المنجّمين، حتى أنه ينطلق منها في قرارات مصيرية قد تصادفه في حياته"، لافتةً إلى ان "أحد الأشخاص إمتنع عن توقيع عقد عمل بسبب إعتماده على "فأل" سيء حصل معه قبل يوم من مقابلة العمل".

وإعتبرت خليل أن "الفأل" تقليد ينتقل عبر الأجيال، لا أساس علمي وواقعي وحسّي له، إنما حظي بأهمّية كبيرة من خلال التربية المنزلية التي تشجّعه"، قائلةً: "مجتمعاتنا عايشة على التقاليد وبتتمسّك فيا"، لافتةً إلى ان "الإيمان بـ"الفأل" يصبح حالة لا واعية لدى الإنسان الذي يصدّقه ويبني آمالاً عليه".

"الفأل" يتربص بالإنسان الضعيف..

ممّا لا شكّ فيه ان الإنسان بطبعه يسعى إلى كشف المجهول، كما انه لا يوفّر جهداً لينجح بكل ما يقوم به، في العمل وفي حياته الشخصية، إلا ان الإتّكال على "الفأل" كمقرر للمصير قد يجرّ الإنسان إلى حالة مرضيّة من الصعب التخلّص منها، إذ انه لا يمكنه الإعتراف بأن حالته باتت "مرضيّة" تستوجب العلاج النفسي. هذا ما شرحته خليل، قائلة: "نعتبر أنفسنا في عالم منفتح، ونصدّق ما لا يمكن ان يصدّق"، لافتةً إلى أن "الإنسان ضعيفٌ في طبيعته وتخيفه الأمور المجهولة، مما يسهّل التحكّم به كلما قلّت ثقته بنفسه وكلما كانت شخصيّته أضعف"، مضيفةً: "هناك من يستغلّ هذا الضعف ويعتمد على "طاقة الإنسان السلبية" ليتحكّم به من خلال ضعفه"، مشددةً على ان "حب البقاء لدى الإنسان يجعله يقوم بكلّ ما يلزم ليضمن بقاءه ونجاحه، ولو لزم الأمر ان يتمسّك بأمور مجهولة تنبؤه بالمستقبل، بنظره".

ومن جهة أخرى، يحدّد علم النفس 5 عناصر أساسية وحساسة تهمّ للإنسان في مسيرته الحياتية، وهي: العائلة، الحياة الإجتماعية، الثقافة، العمل، والمعتقدات أو الدين، بحسب ما قالت خليل، مضيفةً: "عندما يؤثّر "الفأل" على أحد هذه العناصر لدى إنسان ضعيف يتمسّك بالمجهول، عندها تصبح حالته مرضية، بحيث يصبح "الفأل" في هذه الحالة يهدّد بقاءه"، لافتةً إلى انه "في معظم الأحيان لا يلجأ المريض، بنفسه ومن خلال قناعته بأنه مريض، إلى المعالج النفسي بل غالباً ما تطلب عائلته أو محيطه ذلك"، موضحةً ان "الإيمان بالفأل قد يدفع البعض إلى إيجاد سبب واقعي لتبريره"، وهذا يذكّر بالخوف من فتح مظلّة داخل المنزل لإعتبار البعض أنها "فأل"، وذلك لأن البعض يقول ان المظلات كانت تُستخدم أثناء الذهاب إلى المقابر البعيدة.

ولا تقلّل خليل من خطورة ما تبثّه مواقع التّواصل الإجتماعي وما يتم تداوله على صفحات الإنترنت، خاصة بين الشّباب، من خلال صور تحذّر من أنّ عدم نشرها بين الأصدقاء قد يحمل في الساعات المقبلة خبراً سيئاً لمن يتجاهلها، قد يصل إلى حدّ التّهديد بالموت.

قد يتكلّم العديد من الناس عن "الفأل" من باب المزاح أو روح النكتة، لكنّ هذه الحالة الإجتماعية "المضحكة" قد تتحوّل إلى حالة مرضيّة جديّة تستوجب علاجاً نفسياً دقيقاً. وبين "الفأل الحسن" و"الفأل السيء"، يبقى من الواجب التنبه من أن تتحوّل هذه العادات الإجتماعيّة اليومية إلى "هوس" يلاحق الأفراد في كل تفاصيل حياتهم اليوميّة.