حضرة رئيس المجلس الدستوري -

مراجعة طعن في دستورية قانون -

مستدعو الطعن: النواب: ميشال عون – ادكار معلوف - إبراهيم كنعان – زياد أسود – فريد الخازن - سيمون أبي رميا – نبيل نقولا - حكمت ديب – آلان عون – ناجي غاريوس.

القانون المطعون بدستوريته: القانون الرقم 246 الصادر بتاريخ 31 ايار 2013 والمنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 24 تاريخ 1 حزيران 2013، والذي ينص في مادته الوحيدة على أن "تنتهي ولاية مجلس النواب الحالي بصورة استثنائية بتاريخ 20 تشرين الثاني 2014".

- مستند رقم 1 مرفق – القانون الرقم 246 تاريخ 31 ايار 2013 والأسباب الموجبة والملحق بها.

*****

يتشرف مستدعو الطعن بالتقدم من المجلس الدستوري بمراجعة الطعن هذه بدستورية القانون الرقم 246 الصادر بتاريخ 1 حزيران 2013 والمنشور في ملحق خاص من الجريدة الرسمية رقم 24 تاريخ 1 حزيران 2013، وذلك وفقاً للاختصاص المحفوظ للمجلس الدستوري في المادة 19 من الدستور، وقد راعى مستدعو الطعن المواد 18 و 19 من القانون الرقم 250/1993 وتعديلاته (إنشاء المجلس الدستوري) و 30 الى 33 ضمناً من القانون الرقم 243/2000 وتعديلاته (النظام الداخلي للمجلس الدستوري)، طالبين قبول هذه المراجعة في الشكل والأساس وتعليق مفعول النص موضوع المراجعة ونشر قرار التعليق في الجريدة الرسمية عملاً بالمادتين 20 من قانون إنشاء المجلس الدستوري و34 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري المشار إليهما أعلاه، وذلك للأسباب التالية:

أولاً: في الشكل:

بما أن مراجعة الطعن هذه مقدمة ضمن مهلة الخمسة عشر يوماً التي تلي نشر القانون في الجريدة الرسمية، على ما نصّت عليه المادة 19 من قانون إنشاء المجلس الدستوري، وهي مستوفية سائر الشروط الشكلية لاسيّما لجهة تقديمها إلى رئاسة المجلس الدستوري مذيّلة بتوقيع عشرة نواب شخصياً،

لذلك، يطلب مستدعو الطعن من مجلسكم الكريم قبول هذه المراجعة شكلاً.

ثانياً: في تعليق مفعول القانون المطعون فيه:

بما أن القانون المطعون فيه والمشار إليه في مقدمة الطعن يقضي، بصورة استثنائية، بتمديد ولاية المجلس النيابي الحالي إلى 20 تشرين الثاني 2014، تلك الولاية التي كانت لتنتهي في 20 حزيران 2013،

وبما أن من شأن تعليق مفعول هذا القانون تمكين السلطات المختصة من إجراء العملية الانتخابية بالتاريخ المحدد في 16 حزيران 2013 والذي يراعي المادة 42 من الدستور لجهة وجوب إجراء الانتخابات النيابية حتماً قبل انتهاء ولاية مجلس النواب، ما من شأنه أن يحول دون الفراغ في السلطة المشترعة وهو الخطر الأدهى الذي يجب تفاديه ليس من طريق ​التمديد​، بل من طريق التقيد بمبدأ تداول السلطة واحترام الوكالة الشعبية بمندرجاتها الزمنية والتقيّد باستفتاء الشعب مداورة بواسطة الانتخاب، وهو مصدر السلطات وصاحب السيادة التي يمارسها عبر المؤسسات الدستورية، على ما ورد في الفقرة "د" من مقدمة الدستور،

وبما أن وزارة الداخلية البلديات لاقتراع المغتربين في 7 و 9 حزيران 2013،

وبما انه لا يرد على طلب تعليق مفعول هذا القانون بأنه في حال ردّ مراجعة الطعن من قبل مجلسكم الكريم، تكون الانتخابات قد جرت بالتاريخ المحدد أعلاه وتنتفي بالتالي الغاية من قرار رد مراجعة الطعن أو من القانون المطعون فيه، ذلك أن تحقق واقعة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها ينفي طابع الاستثناء والعجلة والضرورة والإلحاح والخطر الأمني وما شابه من أسباب تم إيرادها في متن الأسباب الموجبة للقانون المطعون فيه، ما يعني أن الاستحقاق الدستوري المفصلي قد جرى بموعده دون عوائق، فتتحقق الغاية الدستورية من الانتخاب، مع الإشارة إلى توافر عناصر الرقابة بواسطة "هيئة الاشراف على الحملة الانتخابية" التي تم تأليفها، كما الرقابة الحاسمة التي يجريها مجلسكم الكريم على صدقية أي انتخاب مطعون فيه،

لذلك، يطلب مستدعو الطعن من مجلسكم الكريم اتخاذ القرار فوراً بتعليق مفعول القانون المطعون فيه ريثما يصار إلى بت الطعن في الأساس.

ثالثاً: في الأساس: في أسباب الطعن:

1- في مخالفة القانون المطعون فيه المبادئ الواردة في مقدمة الدستور:

بما أن مقدمة الدستور قد تم استنساخها حرفياً من وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف)، وهي تنص على مبادئ يرتكز عليها نظامنا الدستوري السياسي،

وبما أن اجتهاد مجلسكم الكريم قد استقر على اعتبار هذه المبادئ ذات قيمة دستورية، ومقدمة الدستور متمتعة بالقوة الدستورية ذاتها التي تتمتع بها أحكامه، ذلك أن المقدمة والمبادئ التي تتضمن ومتن الدستور تؤلف معا كلّاً لا يتجزأ، من ضمن ما يسمّى بـ "الكتلة الدستورية" bloc de constitutionalité،

وبما أن الفقرة "ب" من مقدمة الدستور تنص على أن لبنان عضو عامل ومؤسس لمنظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها كما هو ملتزم الإعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان، وأن على الدولة أن تجسد المبادئ الواردة في هذا الإعلان في جميع الحقول والمجالات دون استثناء،

وبما أن الفقرة "ب" من المادة 25 من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية الصادرة عن الأمم المتحدة بتاريخ 16/12/1966، والتي انضم لبنان إليها سنة 1972، تنص على أن يحق ويتاح لكل مواطن، دون أي تمييز بسبب أحد الاعتبارات المنصوص عليها في المادة 2 ودون أي قيد غير معقول، "الاشتراك اقتراعاً وترشيحاً في انتخابات دورية صحيحة نزيهة تجري على أساس الاقتراع العام المتساوي السري وتضمن الإعراب الحر عن إرادة الناخبين".

وبما أن المادة 21 من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان الذي خصه الدستور بالتسمية تنص على "أن لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً" (فقرة 1) وان "إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الارادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت"(فقرة 3 )،

ما يدل على أن الدورية في ممارسة الشعب لحقه في اختيار ممثليه هي عنصر أساس في التعبير عن إرادة الشعب، على ما ورد في أحدث قرار لمجلسكم الكريم،

- القرار الرقم 1/2013 تاريخ 13/5/2013 بالمراجعة رقم 1/و/2013

وبما أن الفقرة "ج" من مقدمة الدستور تنص على أن " لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية" ما يعني العودة إلى القواعد التي ترعى الأنظمة الديموقراطية البرلمانية، وقد لخصّها مجلسكم الكريم في القرار الأحدث له والمشار إليه أعلاه، بموضوع ممارسة الشعب حقّه باختيار ممثليه، بالقاعدتين التاليتين:

- "إن الانتخابات الحرة والنزيهة هي الوسيلة الوحيدة لانبثاق السلطة من الشعب، وهي أساس الديموقراطية البرلمانية".

- "إن مبدأ التنافس في الانتخابات هو الأساس والقاعدة في الأنظمة الديموقراطية وهو مبدأ ذو قيمة دستورية".

وبما أن الفقرة "د" من مقدمة الدستور تنص على أن "الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية" ، ما يعني أن الشعب يستولد كل سلطة ، وأن السلطة الأكثر التصاقا به وبإرادته مباشرة في لبنان هي مجلس النواب، أي الهيئة التي ناط بها الدستور السلطة المشترعة وسلطة الرقابة على الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية، وسواها من الاختصاصات المحفوظة لمجلس النواب في الدستور، وأن على هذه الهيئة بالتالي أن تعود إلى الشعب السيد بصورة دورية كي تستمدّ منه السلطة، دون أن يتاح لها اختزال إرادته أو مصادرتها في الزمن أو الاستغناء عنها، على ما استقر عليه اجتهاد مجلسكم الكريم الذي اعتبر "أن الانتخاب هو التعبير الديموقراطي الصحيح والسليم عن سيادة الشعب وهو لا يكون كذلك إلا إذا تأمنت من خلاله المبادئ العامة الدستورية التي ترعى الانتخاب ...."، وأن الدستور "أوجب تأليف مجلس النواب على أساس الانتخاب، وهو وإن ترك للمشترع أمر تحديد عدد النواب وكيفية انتخابهم، فإن المجلس يبقى مقيداً في وضع هذا القانون بأحكام الدستور والمبادئ العامة الدستورية المتعلقة بهذا الموضوع"،

- القرار الرقم 4/96 تاريخ 7/8/1996 بالمراجعتين الرقم 2 و3 /96.

- القرار الرقم 2/97 تاريخ 12/9/1997 بالمراجعة الرقم 2/97.

وبما أن الإرادة الشعبية هي في الوقت ذاته، عند التعبير عنها في صندوق الاقتراع، إنما تمارس سيادة من نوع آخر، أي المساءلة والمحاسبة، وهما من صميم النظام الديموقراطي البرلماني، حتى إذا طال أو حال الزمن دونهما، تفلّت ممثلو الشعب من مساءلته ومحاسبته عندما يحين زمن المساءلة والمحاسبة دورياً وبصورة منتظمة،

وبما أن الفقرة (هـ) من مقدمة الدستور تنص على أن "النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها"، ما يستدعي التساؤل عن كيفية تأمين الحد الأدنى من التوازن بين السلطات في ظل تمديد ولاية إحداها، ما يجعلها مشرفة، خارج الولاية الأصلية، على استيلاد الحكومات أو إقالتها من طريق منح الثقة أو حجبها، والمقصود السلطة الاجرائية المتمثلة بمجلس الوزراء مجتمعاً، وانتخاب رئيس الجمهورية، أي رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، الذي تنتهي ولايته قبل انتهاء ولاية المجلس الحالي الممددة بصورة مخالفة للدستور،

وبما أن هذه المبادئ تنطلق من مبدأ أساس، يبرر وجود المجلس الدستوري، وهو مبدأ تداول السلطة:

"Loin d'être un frein à l'alternance, le Conseil constitutionnel en protège le principe en régulant ses effets juridiques. Il existe même une dialectique de légitimation réciproque : le Conseil constitutionnel légitime l'alternance et l'alternance légitime à son tour le Conseil constitutionnel.

Protecteur du principe d'alternance, le Conseil constitutionnel joue le rôle d'aiguilleur des pouvoirs publics nationaux. Par ailleurs, les décisions de conformité sous réserve lui permettent de concilier les intérêts de l'opposition avec ceux de la majorité au pouvoir. Conférant aux réformes politiques un "certificat de constitutionnalité", le Conseil constitutionnel rend possible le fonctionnement régulier de l'alternance et intègre les réformes politiques dans "l'ordre constitutionnel". Le Conseil constitutionnel légitime, ainsi, le principe d'alternance. En excluant tout monopole du pouvoir par la majorité, la jurisprudence constitutionnelle garantit le principe d'alternance qui, réciproquement, légitime le rôle du Conseil constitutionnel".

-Le Conseil constitutionnel et l'alternance-Tome 106

Marie-Christine Steckel-Éditeur : L.G.D.J-Collection : Thèses

وبما أنه ينهض عن كل ذلك أن تمديد ولاية مجلس النواب يخالف مبادئ وثيقة الوفاق الوطني التي استقى دستور ما بعد الطائف حرفياً منها مقدمته، وأن من شأن هذه المخالفة التي تجبه المبادئ تلك أن تجعل من القانون المطعون فيه قانوناً مخالفاً للمبادئ الدستورية، ما يقتضي معه إبطاله.

2- مخالفة القانون المطعون فيه لأحكام الدستور:

أ‌- مخالفة المادة 27 من الدستور:

بما أن المادة 27 من الدستور تنص على أن عضو مجلس النواب "يمثل الأمة جمعاء ولا يجوز أن تربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه"، ما يعني بصورة لا تقبل اللبس أن ما يربط النائب بالشعب هو توكيل محرر من أي قيد أو شرط، أي وكالة مطلقة الصلاحية، تنسحب بمفاعيلها على الأمة جمعاء،

وبما أن الوكالة المطلقة التي يعطيها الشعب للنائب عند انتخابه ترتب على النائب مسؤولية تحاكي الإطلاق الذي تتصف به الوكالة المذكورة، لاسيما لجهة التقيد بأجلها عند منحها، أي عند انتهاء السنوات الأربع التي هي مدة ولاية مجلس النواب بمقتضى المادة الأولى من القانون الرقم 25/2008 الساري المفعول والمعدلة حكماً بالقانون المطعون فيه والممدد للأجل المذكور،

وبما أن الوكالة المطلقة تلك ترتبط ارتباطاً عضوياً بالسيادة الشعبية غير القابلة للتفرغ الكلي والنهائي عنها، أو التقادم المسقط، أي مرور الزمن عليها:

Le principe de toute souveraineté réside essentiellement dans la Nation. Nul corps, nul individu ne peut exercer d'autorité qui n'en émane expressément.

Elle comporte un certain nombre de conséquences. La Nation, être collectif et unique, a une volonté et une seule : elle peut donc déléguer sa souveraineté mais elle doit alors la déléguer tout entière à ses représentants élus, c'est-à-dire aux assemblées parlementaires (la souveraineté est indivisible) et elle ne peut le faire que de manière temporaire, pour une durée limitée (la souveraineté est inaliénable), sans qu'aucune délégation d'exercice, aussi longue soit elle, puisse l'empêcher de s'en ressaisir au moment de son choix (la souveraineté est imprescriptible)."

-Institutions Politiques- Droit Constitutionnel- Pierre Pactet- 21ème éd. Pages 87-88.

وبما أن المبادئ العامة التي ترعى الوكالة تنص على أن الوكالة تنتهي بحلول الأجل المعين لها، على ما ورد في المادة 808 من قانون الموجبات والعقود،

وبما أن الوكالة الشعبية، المقترنة بمبدأ دورية الانتخاب، تعني، على ما استقر عليه العرف، أن هذه الوكالة تنتهي بعد أربع سنوات من منحها، أي في حالتنا الراهنة في 20 حزيران 2013، وأنه لا يجوز للوكيل أن يتجاوز أجل الوكالة بقرار منفرد منه،

وبما أن هذا العرف المستقر عند انتخاب كل مجلس نواب إنما تأيد على مستويين:

على مستوى دستوري بمقتضى المادة 44 من الدستور التي يستفاد من صراحة نصها أن ولاية المجلس أربع سنوات بدليل أنه يعود له أن ينزع الثقة من رئيسه أو نائبه بعد سنتين من انتخابهما،

ومستوى قانوني بمقتضى المادة 21 من القانون رقم 97/665، حيث نصت على امكانية طرح الثقة برئيس البلدية و نائبه بد انقضاء ثلاث سنوات، أي في منتصف ولاية المجلس البلدي المحددة بست سنوات بمجب الماد العاشرة من قان البلديات.

وبما أنه سبق لمجلسكم الكريم أن قرر، عن طريق تصديه للقانون برمته، إبطال المادة الخامسة من القانون الرقم 530/96 التي حددت، خلافاً لأي نص آخر وبصورة استثنائية، مدة ولاية المجلس النيابي المنتخب بعد صدور القانون المذكور بأربع سنوات وثمانية اشهر تنتهي بتاريخ 15/6/2001، حيث اعتبر مجلسكم أن نص هذه المادة "ينطوي على تمديد إضافي لولاية مجلس النواب القادم ويخلّ بالقاعدة العامة والعرف البرلماني، ولا يبرره الاستثناء الوارد فيه".

- القرار الرقم 96/4 تاريخ 7/8/1996 بالمراجعتين الرقم 2 و 3 /96،

وبما أن الأمر أدهى في المراجعة الراهنة من المراجعتين المشار إليهما أعلاه، واللتين صدر بشأنهما قرار إبطال، ذلك أن الولاية الممددة هي ولاية مجلس النواب الحالي بقانون منه، وليس ولاية مجلس نواب قادم يتم انتخابه على أساس ولاية مضافة عما استقر عليه العرف البرلماني، هذا العرف الذي يقضي بأن ولاية مجلس النواب هي أربع سنوات، وهي المدة التي دخلت في ذهن الشعب اللبناني وقرارة نفسه بالتواتر والأخذ المتكرر والمستمر بها إلى حدّ الانصياع الطوعي والتلقائي لها ولاستحقاقها الزمني بحيث أن الشعب ينفر من كلّ تعديل يطالها عنوة، على ما يتبين راهناً من ردود الفعل السلبية، المعبر عنها إعلامياً، على القانون المطعون فيه وتصرّف الأكثرية النيابية التي أقرته بالخروج عن الولاية النصية والعرفية لمجلس النواب،

وبما أن المشرع الدستوري، وليس المشرع العادي، هو الذي يتصدّى للحالات الشاذة عن العرف المذكور، على ما هي الحال على سبيل المثال عند خلو مقعد في مجلس النواب قبل انتهاء ولايته، حيث نصّت المادة 41 من الدستور على حالة الخلو هذه فقضت بانتخاب الخلف في خلال شهرين من تحقق حالة الخلو، على أن لا تتجاوز ولاية النائب الجديد ولاية المجلس، حتى إذا خلا المقعد في المجلس قبل انتهاء ولايته بأقل من ستة أشهر، لا يعمد الى انتخاب الخلف، ما يدلّ بصورة قاطعة على أن هذه الولاية النصية والعرفية عصيّة على الاستنساب وأنها محصنة بالمبادئ والنصوص الدستورية فقط،

وبما أنه سبق ايضا لمجلسكم الكريم في القرار الأحدث له والمشار إليه أعلاه، أن أعطى تفسيراً للمادة 27 من الدستور، معتبراً أن القانون الرقم 245/2013 الرامي إلى تعليق العمل بالمهل في قانون الانتخاب رقم 25/2008 لم يتناول "لا من قريب ولا من بعيد طبيعة التمثيل النيابي في النظام الدستوري اللبناني، كما لم يتناول طبيعة الوكالة اللبنانية المعمول بها في لبنان ومفهومها"، في حين أن نص المادة 27 من الدستور "يحدد طبيعة التمثيل النيابي وطبيعة الوكالة النيابية ومفهومها"، ما يعني أن مجلسكم الكريم لم يجد في مجرد تعليق العمل بالمهل المحددة في قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب مخالفة للمادة 27 المذكورة طالما أن هذا التعليق لم يمس طبيعة التمثيل النيابي في نظامنا الدستوري أو طبيعة الوكالة ومفهومها في هذا النظام، كما حددتهما المادة 27 من الدستور، في حين أن القانون المطعون فيه راهناً يجبه مباشرة المادة 27 المذكورة وفقا لمنطوق قراركم المذكور والأسباب التي أوردنا أعلاه،

- القرار الرقم 1/2013 تاريخ 13/5/2013، بالمراجعة الرقم 1/و/2013.

لذلك، يقتضي إبطال القانون المطعون فيه لمخالفته المادة 27 من الدستور.

ب‌- مخالفة المادة 42 من الدستور:

بما أن المادة 42 من الدستور تنص على أن "تجري الانتخابات العامة لتجديد هيئة المجلس في خلال الستين يوماً السابقة لانتهاء مدة النيابة،

وبما أن ولاية مجلس النواب الحالي محددة بأربع سنوات، تنتهي في 20 حزيران 2013،

وبما أن موعد إجراء الانتخابات العامة قد حدد في 16 حزيران 2013 من السلطة المختصة، أي ضمن مهلة الستين يوماً التي تسبق انتهاء ولاية مجلس النواب،

وبما أن القانون المطعون في دستوريته يرجئ موعد الانتخابات بتمديده ولاية المجلس الحالي بصورة استثنائية حتى تاريخ 20 تشرين الثاني 2014، ما من شأنه أن يحول دون إجراء الانتخابات في الموعد المحدد في 16 حزيران 2013، أي ضمن المهلة المحددة في المادة 42 من الدستور، ويؤدي عملياً إلى حرمان المواطن اللبناني المستوفي شروط الانتخاب والترشح من حقه الدستوري في أن يكون ناخباً ومنتخباً،

وبما أنه لا يردّ بأن ولاية المجلس المحددة بقانون إنما تعدّل بقانون، اختصاراً أو تمديداً، وذلك للأسباب الواردة أعلاه في متن هذه المراجعة، لاسيما في ضوء وجوب مراعاة القانون، في هذه الحالة، المبادئ العامة والأحكام الدستورية التي تم استعراضها بصورة مستفيضة،

Le Conseil constitutionnel a clairement affirmé dans un considérant de principe que lorsque la Constitution confie à la loi la fixation de règles ou la détermination de principes, ceci “ne saurait dispenser le législateur, dans l’exercice de sa compétence, du respect des principes et des règles de valeur constitutionnelle qui s’imposent à tous les organes de l’Etat”. Le dernier membre de phrase est particulièrement significatif et important: aucun organe de l’État, aucun pouvoir institué, n’échappe au respect de la norme constitutionnelle.

C.C 82 -132 D.C.16 janvier 1982, Rec.18, Les grandes décisions du Conseil constitutionnel, 11 ème édition, n 31, p.459.

وبما أن الدستور هو القانون الأسمى في الدولة، لا بل هو المرجعية الميثاقية العليا التي تعلو هرمياً كل النصوص وكل المواقف السياسية التي يتم التعبير عنها بنصوص قانونية أو تنظيمية،

وبما أنه لا يكفي أن تمدد ولاية مجلس النواب الحالي "بصورة استثنائية" كي يجد الاستثناء مبررا له للتمديد، على ما أسلفنا،

وبما أن الاستثناء يفسر حصراً وبصورة ضيَقة l’exception est de droit étroit ولا يجوز التوسع فيه بالنظر إلى تداعياته على المبدأ الذي يبرر الاستثناء الخروج عنه،

وبما أنه لا ينهض من الأسباب الموجبة للقانون المطعون في دستوريته، والتي لم يكتفَ بها بدليل إضافة ملحق إليها بتاريخ 28/5/2013، هو بمثابة استدراك واستلحاق علّه يرفد الأسباب الموجبة الواهنة بروافد تبرر عبثاً التدبير القانوني المخالف للدستور، أن ثمة ظروفاً قاهرة أو حالات من الضرورة القصوى أو الاخطار الداهمة التي من شأنها أن تؤلف عناصر الاستثناء المشار إليه في القانون المطعون فيه، وإليكم الأدلّة الموضوعية:

1- أن تكون الحكومة مستقيلة أو معتبرة مستقيلة باستقالة رئيسها، ما يجعل منها حكومة تصريف أعمال بالمعنى الضيق، لا أثر له على الإطلاق على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، ذلك أن الاستحقاق الدستوري لا تحول دون تحققه الوضعية القانونية لحكومة تصريف الأعمال.

2- لا خشية في أن يكون إجراء الانتخابات النيابية في موعدها قد أصبح متعذراً أو أن نقع في "الفراغ القاتل"، ذلك أن موعد الانتخاب قد تحدد في 16 حزيران 2013 وانتهت التحضيرات القانونية واللوجستية حكومياً وفي الوزارة المختصة، حيث بادر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 27/5/2013 إلى اتخاذ سلسلة من القرارات التي تصب جميعها في خانة تمكين الوزارة المختصة، أي وزارة الداخلية والبلديات، من إجراء الانتخابات أو مراعاة قانون الانتخاب الساري المفعول، بتحديد القسم المتحرك من سقف المبلغ الأقصى الذي يجوز لكل مرشح إنفاقه أثناء فترة الحملة الانتخابية، وتشكيل هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية وتحديد التعويض الشهري المقطوع لرئيسها وأعضائها لغاية انتهاء أعمالها.

- المستندات ذات الأرقام 2 و3 و 4 و 5 مرفقة - قرارات مجلس الوزراء المستخرجة من محضر مجلس الوزراء تاريخ 27/5/2013.

3- أن يكون مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة، عملا بالمادة 69 من الدستور، لا يعني أن على مجلس النواب أن يستمر خارج ولايته النيابية المحددة قانوناً، وإلا نكون في حالة تنعكس فيها استقالة الحكومة على الولاية النيابية، فيختصر رئيس الحكومة في شخصه سلطة إقالة الحكومة باستقالته طوعاً وإطالة أمد الولاية البرلمانية في آن واحد!؟

4- أن الفراغ يملؤه الانتخاب وليس التمديد، وإلا أصبح التمديد القاعدة منعاً لحصول الفراغ، في حين أن المبدأ هو تداول السلطة منعاً للفراغ وتعبيراً عن إرادة الشعب الذي هو مصدر كل سلطة وصاحب السيادة على ما أسلفنا.

5- أن تكون الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان على ما هي عليه إنما هو أمر لا يتصف على الإطلاق بالقوة القاهرة، ذلك أن لبنان لا يشهد حرباً مدمرة على أراضيه سواء كانت حرباً أهلية أو من الخارج، على ما كانت عليه الحال حين مدد مجلس نواب 1972 لذاته مراراً خلال سنوات الحرب التي عصفت بوطن الارز. إن الأخذ بالأوضاع السياسية والأمنية السائدة مبرراً لتأجيل موعد الاستحقاق الانتخابي المحوري في حياة الأمة، بحجة أن ثمة أحداثاً أمنية تجري في غير منطقة من لبنان بصورة متقطعة، أو أن انقساماً أو تجاذباً سياسياً حاداً يجعل اللبنانيين في حالة من الاصطفاف السياسي، هو بمثابة عذر أقبح من ذنب، ذلك أنه يكفي مستقبلاً أن يصار إلى إثارة بعض الأحداث الأمنية أو إلى تأزيم الحياة السياسية كي يذهب مجلس النواب مذهب الخروج عن المبادئ والأحكام الدستورية لتمديد ولايته. إن اصطناع الحدث السياسي أو الأمني لا يمكن أن يركن إليه كاستثناء أو ظرف طارئ، أو قوة قاهرة، تبرر تجاوز الاستحقاقات الدستورية، وإلا وقعنا في الاستنساب المطلق. وما يؤيد هذا المنطق أن وزارة الداخلية والبلديات قد أجرت مؤخراً انتخابات فرعية نيابية في أحد الأقضية وبلدية في بعض القرى في معظم المناطق اللبنانية، بالرغم من الحدة التي ترافق الانتخابات البلدية.

6- بالله عليكم، ما هي الرسالة التي يوجهها قانون تمديد ولاية مجلس النواب إلى المجتمع المحلي والإقليمي والدولي، مقروناً بأسبابه الموجبة، بإعلانه أن الأوضاع الأمنية والسياسية في لبنان سيئة إلى درجة تحول دون إجراء الانتخابات النيابية في موعدها؟ ألا يبرر هذا القانون الصادر عن السلطة المشترعة، أي عن ممثلي الشعب اللبناني، ما اتخذته بعض الدول من تدابير لمنع رعاياها من القدوم إلى لبنان، أو من دعوات لمغادرته؟ ألا يؤلف هذا القانون وأسبابه الموجبة إساءة إلى سمعة لبنان وإحباطاً لجهود مسؤوليه الساعية إلى تشجيع السياحة والاستثمار فيه؟ ألا يؤلف هذا القانون دعوة إلى اللبنانيين للهجرة الدائمة من لبنان، بلد اللاستقرار الدائم؟

ومن يضمن بأن الأوضاع الأمنية والسياسية المتذرع بها لتبرير تمديد ولاية مجلس النواب لمدة سبعة عشر شهراً ستكون أفضل بنهاية هذه المدة بحيث يتاح إجراء انتخابات حرّة؟ وهل سنكون أمام تمديدات متتالية لولاية مجلس النواب بنهاية كل تمديد؟

7- بالله عليكم، ما علاقة الثروة النفطية المرتقبة في لبنان بتأجيل الاستحقاق الانتخابي؟ فإذا كانت التوقعات بوجود ثروة نفطية تمنع إجراء انتخابات، فماذا عند استخراجها؟

8- بالله عليكم، ما هو انعكاس إجراء الانتخابات النيابية في 16 حزيران 2013 على الموسم السياحي؟

9- أيضاً وأيضاً، هل أن ما يرد في الأسباب الموجبة من "شلل اقتصادي تام" يبرر تمديد ولاية مجلس النواب، أم على العكس من ذلك، الدعوة الى استيلاد سلطة دستورية متجددة يضخ دماً متوثباً فيها ؟

10- هل أن الوضع السياسي الدولي "المنغمس في مصالحه" هو بمثابة القوة القاهرة التي تحول دون إجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده؟

11- هل أنه يكفي أن تهدد المواقف السياسية بالفراغ تبريراً للتمديد، كي تتأسس حالات القوة القاهرة والضرورة القصوى والظروف الاستثنائية على أسس سليمة، ما من شأنه استباحة المبادئ والأحكام الدستورية دون وجل أو خوف، ومتى كان الموقف السياسي حالة موضوعية بذاتها، حتى لو تحصن هذا الموقف بتوافق أكثري في مجلس النواب، يبقى في كل الحالات توافقاً خارجاً على الدستور وليس وفاقاً منبثقاً عنه.

12- أما الملحق للأسباب الموجبة تاريخ 28/5/2013 والذي أتى استدراكا واستلحاقا لوهن في الأسباب الموجبة، فلم يأتِ بأي جديد سوى أنه قتّم الأسباب الموجبة بصورة اعتباطية، كأن المطلوب أن يرتفع منسوب القلق لدى الشعب اللبناني إلى حدود قصوى تشلّ إرادته في التغيير والإصلاح السياسي، حتى بلغ الأمر بالملحق أن تحجج بأن العديد من الدول العربية والأوروبية نصح الرعايا بمغادرة لبنان أو عدم المجيء إليه إلا في حالات الضرورة القصوى!؟

يكفي هذا القدر من الخلاصات التي نترك أمر تقديرها إلى المجلس الدستوري الذي يعود له، على ما استقر عليه اجتهاده، أن يعمل رقابته على توافر الظروف الاستثنائية التي تبرر سن قوانين لا تتوافق وأحكام الدستور:

" وبما أنه إذا كان يعود للمشترع أن يقدر وجود ظروف استثنائية تستدعي منه سن قوانين لا تتوافق وأحكام الدستور، في حدود المدة التي تستوجبها هذه الظروف فإن ممارسته لهذا الحق يبقى خاضعاً لرقابة المجلس الدستوري".

- القرار الرقم 2/97 تاريخ 12/9/1997 بالمراجعة الرقم 2/97.

هذا ولا يسعنا من باب الأمانة العلمية وكشفاً للمستور في الأسباب الموجبة والملحق، إلا أن نشير إلى مفارقة فيها كل الدلالات والمعاني، وهي أن يلجأ الملحق للأسباب الموجبة تاريخ 28/5/2013 إلى الحيثية ذاتها من قرار مجلسكم الكريم أعلاه ويتوقف عند حق المجلس الدستوري بإعمال رقابته على توافر الظروف الاستثنائية!؟

لا يرد على ذلك أن المجلس الدستوري لا ينظر في ملاءمة التشريع بل في دستوريته فقط، ذلك أن الأسباب الموجبة هي جزء متمم للقانون وتعبر عن مقاصده ومعانيه، وأن الرقابة على الملاءمة التشريعية هي في صلب اختصاص المجلس الدستوري، لاسيما عند توافر حالة من حالات الانحراف التشريعي أو الإجرائي على ما هي حال القانون المطعون بدستوريته في المراجعة الراهنة.

لهذه الاسباب جميعها،

يطلب النواب المستدعون من مجلسكم الكريم:

أولاً: قبول المراجعة الراهنة في الشكل لاستيفائها جميع الشروط الشكلية المفروضة قانوناً.

ثانياً: تقرير وقف العمل بالقانون المطعون بدستوريته في المراجعة الراهنة ريثما يصار إلى بتها في الأساس.

ثالثاً: إبطال القانون الرقم 246 الصادر في 31 ايار 2013 والمنشور في ملحق خاص من عدد الجريدة الرسمية رقم 24 تاريخ 1 حزيران 2013.

رابعاً: إبلاغ أي قرار يصدر عن مجلسكم الكريم في المراجعة الراهنة من المراجع الرسمية المختصة ونشره في الجريدة الرسمية.

النواب المستدعون

ميشال عون

ادكار معلوف

إبراهيم كنعان

زياد أسود

فريد الخازن

سيمون أبي رميا

نبيل نقولا

حكمت ديب

آلان عون

ناجي غاريوس