في ايام قلائل لا تصل في عدتها الى الاسبوع اتخذت جبهة العدوان على سوريا بقيادة اميركية من المواقف الكلامية ما يبرر وصفه بالهستريا الواضحة، مواقف لم تستطع تلك الجبهة ان تقرنها بتنفيذ ميداني مؤثر، وكانت المواقف في مجملها متسمة بصفة التخبط و الارتباك الى حد كاد البعض من المتابعين يعلنون عجزهم عن فهم ما تريد تلك الجبهة بالضبط و ما هي الامور التي يمكنها فعلها في هذا النطاق.

ولنبدأ مع رأس الشر الكوني – اميركا – فهي بعد ان كانت تفاهمت مع روسيا على عقد مؤتمر دولي حول سوريا من اجل ايجاد مخرج سلمي من الازمة التي دفعت اليها، ملتزمة بان يكون بيان جنيف 2012 اساسا للمؤتمر ما يعني رفض العنف ورفض التدخل الاجنبي في الشأن السوري، بعد هذا التفاهم عادت وتحدثت وبشكل علني تهديدي عن نيتها بتزويد ما اسمته "المعارضة السورية" باسلحة فتاكة، ونيتها اقامة منطقة حظر جوي في سورية كما فعلت يوما في العراق قبل غزوه، ثم اختلقت اكذوبة الاسلحة الكيماوية متهمة الحكومة السورية باستعمالها ما يخرق الخطوط الحمر التي وضعتها اميركا وما تسميه هي ايضا المجتمع الدولي، وخلصت في مواقفها تلك التي اطلقها بصورة رشقية تعبر عن غضب واحتقان ظاهر، الى ادانة حزب الله في "تدخله في سوريا" الى جانب النظام طالبة تراجعه...

وبعد مواقفها تلك عادت اميركا ودفعت ادواتها و من ارتهنوا لها في مشروعها الشرق اوسطي المتخذ لاكذوبة "الربيع العربي" سبيلا لتحقيقه، عادت ودفعت بهم الى مواقف تلائم مواقفها الهستيرية تلك واتت مواقف محمد مرسي الاخيرة المتمثلة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا وهجومه وتهديده لحزب الله في هذا السياق. ترافق ذلك مع "الاحتفالية الفلكورية" لما اسمي "مؤتمر اتحاد العلماء المسلمين" في القاهرة، و الاصح تسميته مجموعة "العملاء الخونة للاسلام" الذين نسوا القدس و فلسطين لا بل باعوها للصهيونية و لم يعقدوا او يتخدوا موقفا واحدا لنصرتها و الان يأتون لنصرة اميركا و الصهيونية في وجه سوريا المقاومة.

لقد اوحت اميركا بانها تفكر جديا باستعادة المشهد العراقي العام 2003، و ظنت انها بهذا "العصف" من المواقف قد توفق الى اعادة اقامة توازن ميداني ما بعد ان اختل اثر انهيار الجماعات المسلحة في القصير. و لكن فات اميركا ان جبهة الدفاع عن سوريا تعمل و تدرك، وعليها هي ان تدرك الحقائق التالية:

1) ان قرار الدفاع الاقليمي الشامل الرامي الى اقامة "شرق اوسط لاهله" على انقاض "حلم اميركا" بـ"شرق اوسط مستعمر لها" هو قرار نهائي لا يثني اصحابه عن السير به تهديد او تهويل. و ان هذا القرار الموضوع موضع التنفيذ دخل في الاونة الاخيرة مرحلة جديدة لن تستطيع اميركا ان توقف الاندفاعة فيها مهما كانت السبل و الوسائل المستعملة. وان محور المقاومة يملك من الطاقات والقدرات ما يمكنه ويؤهله لتحقيق النصر الاكيد و هو لا يشك في ذلك لحظة واحدة.

2) ان اميركا عاجزة اليوم وبشكل لا نقاش فيه عن استعادة تجربة العراق او ليبيا او افغانستنان ولذلك يجب ان تعلم ان من توجه اليه التهديد يعلم عجزها ويدرك قدرته وبالتالي لن يكون للتهويل والتهديد والتلفيق اثر في مسيرة الدفاع عن سوريا وعبرها الى المنطقة والامة بكاملها، فمن اتخذ قرار الدفاع سيستمر في تنفيذه وليصرخ المفجوعون بهزائمهم ولن يغير صراخهم قيد انملة في الخطة الموضوعة للدفاع عن الذات.

3) ان اتكال اميركا على مجموعة الادوات المركبة في الميدان من المرتزقة والارهابيين و في كراسي الحكم والعروش من العملاء والتابعين لها من اجل تنفيذ مشروعها، ان هذا الاتكال لن ينجح في وصولها الى مرادها، وعليها ان تتذكر قصة تتردد في سياق القصص الرمزية التعبيرية في التراث العربي، قصة فحواها "ان صياداً اطلق كلبه لملاحقة غزال، فنظر الغزال للكلب وقال له لن تلحقني، فانا اركض لنفسي و انت تركض لسيدك"، والامر ذاته برمزيته يتكرر فالمدافعون عن سوريا و المنطقة و الامة يعملون لانفسهم والمرتزقة والعملاء يعملون للصهيونية ولاميركا وشتان ما بين الاثنين هدفا ونتيجة والمعادلة هنا تقود للقول بان الواحد من المدافعين بعشرة والعشرة من المرتزقة لا يعدلون واحدا.

4) ان جبهة الدفاع الاقليمي المتمثلة بمحور المقاومة تدرك ان مواقف اميركا ما هي الا حرب نفسية وان هذه الجبهة باتت تملك من المناعة ضد الحرب النفسية ما يجعلها لا تعبأ بمفرادت ما يوجه اليها من ضغوط و تهويل وتلفيق، وبالعكس هي تملك من القدرات في مجال الحرب نفسها ما يجعل الخصم والعدو يتجرع زعاف سم ما صنعت يداه.

5) ان الفجور و الوقاحة التي تمارسها اميركا و من معها من عملاء وادوات والدعوة الى اقامة توازن بين الدولة السورية و الارهابيين الذين سلحتهم اميركا للنيل من امن سوريا ووموقعها، امر مرفوض مرفوض ومدان وبكل قواعد القانون الدولي و الاخلاق و الاعراف و انه يمثل انتهاكاً صارخاً لميثاق الامم الامتحدة، وبالتالي ان تمسك اميركا به واعلانها عن القيام بما يلزم لتحقيقه عبر تسليح الارهابيين او اقامة منطقة الحظر الجوي لصالحهم فوق الاراضي السوري-و لهذا حضرت الباتريوت و ال ف 16 الى الاردن-، انه عمل عدائي ضد سوريا يمكن المعتدى عليها من اللجوء الى كل االوسائل لممارسة حق الدفاع المشروع عن النفس وفقا لقواعد القانون الدولي، و ان الرد هنا لا يكون على اميركا وحدها بل سيكون ردا على جبهة العدوان كلها و في طليعتها اسرائيل، رد تقوم به جبهة الدفاع بمحورها المقاوم كله، ومحورها اذا قال فعل و من لم يكن قد صدق الوعيد في الماضي فلينظر الى الميدان في الحاضر و فيه الخبر اليقين.

6) على اميركا ان تعلم ان الجميع يدركون ان ما من سلاح وصل الى الارهابيين بما في ذلك السلاح الكيماوي الا بقرار اميركي، و ان الارهابيين سلحوا بكل ما يمكنهم استيعابه واستعماله و ان تحشدهم وصل الى الحد الاقصى الممكن و ان مستقبل قدرات الارهابيين الى انحدار و تراجع، ولذلك لا يكون للتلويح بتزويدهم بسلاح نوعي جديد اثر فعلي في الميدان، كما ان محاور الامداد تغيرت و تراجعت.

7) على اميركا ان تعلم ان جبهة الدفاع تدرك جيدا الحال الذي وصلت اليه جبهة العدوان من تفكك و تصدع ويأس ولن يغطي هذا الحال البائس صراخ هنا او زعيق هناك من مصر الى تركيا مرورا بالسعودية وصولا الى قطر .. جبهة بات لكل من مكوناتها شأن يلهيه عمن سواه حيث:

-لن يحجب الصراخ فشل حكم الاخوان في مصر و ما يتهددهم من اسقاط و عزل في 30 حزيران المقبل، صراخ رئيسهم الاخواني الذي فقد توازنه في ستاد القاهرة بالامس و اطلق من المواقف ما يتنافى مع طبيعة مصر العروبة و الاسلام ، فاساء الى مصر قبل ان يسيء لاحد اخر. ولن يستطيع اخوان مصر ان يعوضوا بهذا الصراخ تراجع الدور التركي في العدوان على سوريا لانشغال اردغان بمصيره الشخصي ومصير حزبه المجافي للعدالة والتنمية في تركيا.

-لن تستطيع اميركا بهذا التهويل ان تخفي معاقبتها لشيخ قطر و عزلها له لفشله في تحقيق المراد في سوريا في المدة المحددة، وكم هو معبر ان ترى من كان يحدد المهل لسوريا ورئيسها بالساعات طالبا الاذعان لقرارات اميركا الصادرة باسم "جامعة العربان القطرية"، ان تراه يستلم صك اقالته وابعاده عن المسرح بقرار سيدته اميركا.

-لن يجد الثنائي السعودي المشكل لمحور الصقور العدوانية ضد سوريا ما ينقذ احلامه في فرنسا، التي ليس لها من الشأن الا ان تطيع ما تقرره اميركا وخفي حنين الذين عاد بهما الثنائي الى الرياض من باريس خير اشارة الى سوء وضعه.

-اما اردغان المتخبط في ازمته الداخلية و المتنكر لكل ما كان ينظر به من دروس في الحرية والديمقراطية كان يوصي بها سوريا، اردغان هذا بات عاجزا عن امداد المشروع العدواني بما يلزم لانه شغل الان بنفسه و كفى..

على اميركا ان تعلم كل ذلك وان تعلم اضافة له ان محور المقاومة وكامل جبهة الدفاع هي في ارقى الاوضاع واحسن الاحوال تماسكا ووضوح رؤية و قدرات و هي ماضية في معركتها الدفاعية حتى هزيمة العدوان كليا، وعلى اميركا ان تختار الان بين المؤتمر الدولي الذي يخرجها من الازمة مع حفظ ماء الوجه بحد معقول او ان يخرجها الجيش العربي السوري و القوات الرديفة من الميدان . فان عقد ذاك المؤتمر كان به و ان لم يعقد فلن يبكي عليه احد من المدافعين عن الحق في سوريا ومنطقتها و امتها، و هنا نسأل هل ان اميركا بدأت تدرك شيئا من ذلك، فتراجعت ضمنيا عن بعض مواقفها عندما قالت بان "استعمال الكيماوي وتدخل حزب الله يؤخر الحل السلمي؟".