سوريا تعاني. كذلك لبنان. فمنذ أسبوعين تقريباً، زرتُ قرية صغيرة في سهل البقاع في شمال لبنان على مقربة من الحدود مع سوريا.

رأيتُ مركزاً لرعاية الأطفال، تابعاً لمنظمة اليونيسف. في الخارج، وفي الحر القائظ، تجمّعت نساءٌ سوريات كنّ قد عبرن الحدود في اليوم الفائت وغادرن منازلهنّ سيراً على الأقدام. جلسن بهدوء على صفّ من الكراسي البلاستيكية الرخيصة وسط الغبار، كان الخوف الذي يعتريهنّ يتعارض بصورة صارخة مع ملامح الفرح التي تعلو سمات الأطفال، وهم يلعبون على مقربة منهنّ ويغنّون وعلى وجوههم رسوم زاهية.

على الرغم من هذا الخوف، أرادت النساء إسماع قصصهنّ. فقالت لي امرأة إنّها فقدت ابنها وزوجها، وفرّت مع أولادها الثلاثة. وأخبرت أخرى أنّ عائلتها تعرضت للذبح، وأنّ قوات الأسد استولت على المستشفى المحلي متّخذة منه قاعدة لها، وأنّ قريتهم حوصرت. وأن امرأة أخرى خسرت منزلها، وسيارتها، وأبقارها، هؤلاء النساء اليوم في رعاية الشعب اللبناني.

يفتح اللبنانيون منازلهم أمام الغرباء ويهبونهم السلع والمال. كما يعتنون بأولادهم ويساعدونهم على تشييد مساكن مؤقتة يقطنون فيها. يجب على العالم أن ينتبه إلى الضغط الذي يرزح لبنان تحته على خلفية هذه الأزمة، كما يجب علينا أن ننتبه إلى السخاء الذي يتميّز به الشعب اللبناني. في لبنان اليوم نحو 1,2 مليون سوريّ، 500 ألف منهم مسجّلون، وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم ليلامس المليون لاجئ بنهاية العام الحالي.

هذا الوضع برمّته يلقي ضغطاً على لبنان، ومع ذلك، يترك لبنان حدوده مفتوحة، ليصل عدد السكان فيه إلى 4,2 مليون نسمة، ما يعني أنّ لبنان عانى زيادة بنسبة 25% في عدد سكانه في غضون عامين فقط. بالنسبة إلى أستراليا، كان هذا الرقم ليوازي تدفق خمسة ملايين ونصف المليون لاجئ إلى أستراليا في الفترة الزمنية عينها. تصوّروا أستراليا مع خمسة ملايين ونصف المليون لاجئ!

فتدفق اللاجئين يفترض تقلّصاً في الوظائف، وأماكن السكن، والمقاعد الدراسية المتوافرة. وكما شاهدنا هذا الأسبوع، بدأ العنف المميت يتمدّد عبر الحدود.

أثناء زيارتي لبنان، أعلنت عن تمويل إضافي بقيمة 9 ملايين دولار لمساعدة اللاجئين في لبنان والأردن، وبذلك، يرتفع إجمالي الدعم الذي قدّمته أستراليا إلى سوريا إلى 78,5 مليون دولار، إنه لمبلغ كبير لكنّي أعترف صراحة بأنّه غير كافٍ نظراً إلى نطاق الأزمة. فقد دخل الصراع في سوريا عامه الثالث، كما يزداد العنف حدّة، ولا يزال نظام الأسد والمعارضة عاجزين عن فرض تفوّقهما. ولقي ما يزيد عن 80 ألف شخص حتفهم حتى الآن، في حين يحتاج 6,8 ملايين سوريّ إلى المساعدة الإنسانية. هذا ويزيد عدد النازحين داخلياً عن الأربعة ملايين، بينما يصل عدد اللاجئين إلى 1,6 مليون لاجئ. قبل زيارتي لبنان، إلتقيت وزراء وقادة في الإمارات العربية المتحدة وقطر. وأبدوا جميعاً تشاؤمهم حيال آفاق سوريا المستقبلية. وتكهّن أحد نظرائي، قائلاً إنّ ما يحصل في سوريا قد لا يعدو كونه بداية الأزمة وإنّ الآتي أعظم.

وبعد زيارتي إلى سهل البقاع، وعدتُ بأن أُخبر العالم عن سخاء لبنان. وعدتُ بأن أشجِّع المجتمع الدولي على تحمّل مسؤوليته لتخفيف الضغط الذي يواجهه لبنان السخي والشجاع. لكن يجب ألاّ يُلقى هذا العبء على عاتق بلد وحده.

*وزير الخارجية الأسترالي السيناتور ​بوب كار