من عاصمة الشمال واشتباكاتها التي لا تتوقف، وعاصمة الجنوب وجنونها الذي يستيقظ بين الفينة والأخرى، والبقاع الذي يشهد توترات وتحرّشات لم تعد بخافية على أحد، يبدو واضحا أنّ صوت "المعركة" ليس هو الذي تفوّق على كلّ "الأصوات"، فـ"صوت الفتنة" قد يكون هو القاسم المشترك بين كلّ هذه المناطق، "صوت" بدا أشبه بـ"حلم" بالنسبة لكثيرين في وطن يحرص "مسؤولوه" على "طمأنة" الناس أنه "على حافة الانهيار"..

هكذا، دقت "الفتنة" باب صيدا بالأمس في جولة أخرى من جولات "الجنون" التي باتت تتكرّر بين الفينة والأخرى دون أن يعرف أحد لا أسبابها المباشرة ولا كيفية توقّفها، جولات قد يكون أحمد الأسير هو قاسمها المشترك، وهو الذي ذهبت بعض المصادر إلى حدّ القول أنه "يشتبك مع نفسه"، علما أنّ الرجل لا يتردّد في دولة "الفلتان" بالخروج إلى العلن بسلاحه الظاهر، بل وبإعطاء "المهل" وإطلاق الوعيد والتهديد بـ"الآتي الأعظم"، و"الدولة" تكتفي بـ"التفرّج" مع "شوق" ربما للمزيد..

وإذا كانت صيدا تجاوزت "قطوع" الأمس بانتظار "الجولة المقبلة" التي حدّد أحمد الأسير موعدها يوم الاثنين، فإنّ "التطمينات" بـ"الآتي الأعظم" تنقّلت بين ألسنة السياسيين، وبين هؤلاء قوى الرابع عشر من آذار التي سلّمت رئيس الجمهورية مذكّرة جديدة حذرت فيها من "حرب أهلية" قالت أنّ "حزب الله" يدفع إليها بـ"سلوكه"..

حلم الفتنة الصامد..

هكذا إذا، ورغم "إحباط" المخطّط في أكثر من مكان خلال الايام القليلة الماضية، بقي "حلم الفتنة" صامدا بنظر من يقفون وراءه، وهو يترجم "صموده" عبر تحرّكات "مشبوهة" متنقلة بين المناطق حطّت بالأمس في صيدا، عاصمة الجنوب وبوابتها، مع اشتباكات بدت مفاجئة شكلا ومضمونا، علما أنّ المعلومات ذكرت أنّها بدأت بـ"إشكال فردي" سرعان ما توسّع بطريقة لا يمكن فهمها بسهولة، علما أنها ترافقت مع "شائعات" كثيرة على جري العادة.

وقد استدعت اشتباكات صيدا تدخلا حاسما من الجيش لانهاء الاقتتال الذي سقط نتيجة له قتيل وسبعة جرحى، وأدى الى اقفال كل شوارع شرق صيدا، وأسواق المدينة، حيث "أنذرت" قيادة الجيش المسلحين بوجوب الانسحاب الفوري من الشوارع، متوعّدة بأنها لن تسمح بنشر الفلتان الأمني وستطلع النار على أي مسلح وسترد على مصادر إطلاق النار بالمثل، قبل أن تعلنعودة الوضع لطبيعته مساءً بإخلاء المظاهر المسلحة وفتح الطرقات.

وفي وقت تنوّعت، على جري العادة أيضا، "الروايات" لحقيقة ما حصل بين من حمّل أحمد الأسير المسؤولية الكاملة عما حصل حتى أنه اتهمه بأنه كان "يشتبك مع نفسه" في بعض الأماكن وبين من حمّل "حزب الله" المسؤولية بوصفه "من دبّر حوادث صيدا" كما قال مصدر في كتلة "المستقبل" لصحيفة "النهار"، لفت ما قاله إمام مسجد القدس في صيدا الشيخ ماهر حمود، في حديث لـ"النشرة"، من أنّما قام به الأسير "مناورة لمعركة قد تكون مقبلة"، وهو ما دفعه لمطالبة الجيش اللبناني بالتعاطي بشكل حازم مع الموضوع "وإلا ستكون النتيجة خسارة صيدا وسقوطها في دوامة من الأحداث الأمنية". وإذ شدّد حمود على وجوب "التريث بمقاربة الموضوع"، استهجن مساعي البعض لتصوير المعتدي على أنه معتدى عليه والعكس، مستغربا كيف أنّ الرأي العام ينجرّ مباشرة في حملات الأكاذيب وتشويه الحقائق.

"سابقة رئاسية".. و14 آذار "تستنسخ" مذكرتها

سياسيا، توزّعت اهتمامات الساعات الماضية بين الجلسة "الشكلية" ما قبل الأخيرة للمجلس الدستوري الذي بدا وكأنه "استسلم" مع إصرار الأعضاء الثلاثة على التغيّب عن جلساته وبالتالي تعطيل النصاب لمنع إقرار الطعن المقدّم بقانون التمديد لولاية المجلس النيابي، وبين المذكرة التي سلّمتها قوى الرابع عشر من آذار لرئيس الجمهورية العماد ​ميشال سليمان​ والتي وُصفت بأنها "مستنسخة" عن المذكرة التي سبق أن قدّمتها القوى نفسها للرئيس نفسه قبل أشهر معدودة، فيما لفت أيضا كيف أنّ رئيس الجمهورية "تمرّد" على "تمرّد" وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عدنان منصور فسلّم "شكواه" ضدّ سوريا مباشرة إلى الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي، في "سابقة" لم يقدمها عليها أيّ من الرؤساء، علما أنّ الوزير منصور حرص في أحاديث صحافية على التأكيد على أنعلاقته برئيس الجمهورية "ممتازة"، كاشفا أنه سيزوره خلال الساعات المقبلة.

بالنسبة لجلسة المجلس الدستوري، فإنّ "السيناريو" المرسوم لها طُبّق بحذافيره، حيث حضر الأعضاء السبعة أنفسهم وتغيّب الأعضاء الثلاثة أنفسهم فلم تنعقد الجلسة للسبب نفسه ألا وهو فقدان النصاب، ليحدّد موعد أخير لتكرار "المشهد" نفسه يوم الجمعة المقبل، وفيما غابت التعليقات السياسية على الموضوع ولفت قول رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون أنه "قدّم طعنا والتزم الهدوء"، برز إقرار رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان بثغرات في نظام المجلس، إذ قال أنه "بات من الواجب فور الانتهاء من هذه المرحلة أن تنصبّ الجهود لتعديل المادة التي تتحدّث عن النصاب، ليكون هذا النصاب مساوياً لعدد الأصوات المطلوبة لاتخاذ القرار"، داعيا النواب "الحريصين على المجلس الدستوري والدستور" إلى التقدم باقتراح قانون لتعديل هذه المادة "وتعطيل هذا اللغم في قانون المجلس"، كما وصفه.

وسط ذلك، سلّم وفد قوى 14 آذار الرئيس سليمان نص المذكرة المتضمنة رؤية هذه القوى للواقع الراهن على الساحة اللبنانية والانعكاسات الناتجة من الازمة السورية في الداخل اللبناني والداخل السوري والتي أتت "نسخة طبق الأصل" عن المذكّرة السابقة وعن المواقف التي تنادي بها هذه القوى منذ فترة، إذتمنّت على سليمان ان يطلب من "حزب الله" الانسحاب الفوري والكامل من القتال في سوريا، ونشر الجيش اللبناني على طول الحدود الشمالية والشرقية وطلب مؤازرة "اليونيفيل" وإعمال حكمة وشجاعة رئيس الجمهورية لانقاذ لبنان والعمل على قيام حكومة تتبع نهج الحياد والانحياز للمصلحة الوطنية العليا، ويكون اعلان بعبدا في برنامجها.

كلمة أخيرة..

ما حصل في صيدا بالأمس لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، وما سيحصل في صيدا وغيرها خلال الأيام القليلة المقبلة لا يمكن أن يُعتبر أنه "وليد لحظته"..

"الصدمة" التي تعتري السياسيين والمعنيين كلما وقعت الواقعة وحلّت الكارثة لم تعد لا عفوية ولا مقبولة، والتهاء هؤلاء بسجالاتهم التي لا تقدّم ولا تؤخر لم يعد مبرّرا..

"الفتنة" تدق الأبواب، ولم يعد يكفي ترداد عبارة "لعن الله من أيقظها" لأنّ المؤشرات باتت تدلّ على أنها "استيقظت" فعلا، وأن من "أيقظوها" قد لا يُعدّون على أصابع اليد الواحدة، وبالتالي المطلوب أن يعمل المعنيون على إعادة "دفنها" أو أقلّها "تنويمها" قبل أن يفوت الأوان ولا يبقى مجال لـ"الندم"!