دفعت الحالة السياسية والأمنية التي يعيشها ​لبنان​، اليوم، المجتمع الدولي الى اتخاذ مواقف حيال القضية اللبنانية، وتجاه بعض اللبنانيين في الخارج، على خلفية الحراك الثوري في سوريا، الأمر الذي جعل مصالح بعض اللبنانيين المنتشرين في بلدان أجنبية وعربية صديقة، معرضة لأكثر من سؤال.

وحيال هذا الوضع الدقيق الذي لا يمكن تجاهله، ولا الاختباء وراء حجج ضعيفة أو تبريرات واهية، لا يمكن للمثقف اللبناني وانطلاقاً من الحرص على صورة لبنان الانفتاحية، ودوره الحضاري، ومسيرته السلامية، إلا الوقوف وقفة نقدية مسؤولة، نتطلع من خلالها إلى مصلحة لبنان الدولة، ومصالح اللبنانيين في الداخل والخارج، وذلك بهدف الاسهام بجلو الصورة والمساعدة على ترميم العلاقات مع الدول العربية الصديقة والحاضنة لمئات الاف اللبنانيين، المقيمين في ربوعها والعاملين في استثمارات واسعة، منذ عشرات السنين، والذين يرون في دول التعاون الخليجي ملاذاً هادئاً للعيش بطمأنية والعمل بسلام، والتوظيف الاستثماري الامن، فضلاً عن حالة الرخاء الامني والاجتماعي، الذي تحرص أنظمة هذه الدول وقوانينها على توفيره للمقيمين على أراضيها، وللبنانيين خصوصاً، نظراً لما أظهرته الجاليات اللبنانية من نشاط اقتصادي، وإسهام إنمائي وتفاعل مجتمعي مع أبناء الدول الخليجية الذين ينظرون إلى اللبنانيين نظرة أخوية، أساسها الاحترام والتعاون على الخير.

إنّ صورة لبنان في الخارج، أو صورة بعض اللبنانيين في الخارج، هي مسؤولية الدولة اللبنانية، والمجتمع السياسي اللبناني بشكل عام، وهي أيضاً من اهتمامات الجماعات الثقافية، انطلاقاً من أنها تشكل مرجعية لبنانية تعنى بصورة اللبنانيين في أنحاء العالم، وتهتم بشؤونهم وتغار على مصالحهم، وتنتصر لمطالبهم وتسعى لتحقيق آمالهم، ضمن احترام القوانين والانظمة وخصوصيات كل بلد وسلوكيات كل شعب، لان صورة لبنان من صورة أهله.

وإنّ سعينا للحفاظ على صورة لبنان ودوره وعلاقاته الاخوية مع الدول المضيفة والحاضنة، هو واجب وطني وشعور انساني، لأنّ المسؤولية التي يحملها كل لبناني، هي علاقة تكاملية لا علاقة احتكارية ولا علاقة موسمية.

فالواجب يدعونا كمثقفين لان نبقى إلى جانب الحقّ أبداً، ولأن نعمل من أجل كرامة بلدنا وأهلنا، وأن ننبه إلى أمور ونشجع على أخرى حرصاً على مصلحة لبنان وعلاقاته مع المجتمع الدولي لأنّ قوة لبنان هي بقوة صداقاته، وباتساع قدرات أبنائه من المنتشرين والمتحدرين، والذين يشكلون كتلة اقتصادية ذات وزن عالمي، له تأثيره الفاعل على الكثير من القطاعات والمحافل السياسية في العالم.

إنّ مأزقية العلاقة، التي تحكم الترابط بين الازمات السياسية في الداخل اللبناني، وبين المحيط العربي الساخن، يجب أن تكون محور اهتمامات المسؤولين والمرجعيات السياسية والمجتمع المدني وكل القطاعات الفكرية والمنابر الثقافية. وهذا ما يفرض بنا جميعاً أن نرفع الصوت جميعاً لانقاذ صورة لبنان واعادة رسالته الحضارية ودوره الانساني الى الضوء.

فحرام علينا أن نتنكر لدورنا وتاريخنا وتراثنا...

وحرام علينا أن لا نقول كلمة الحق حيث يجب أن تقال...!

وحرام على كل لبناني أن يختبئ في ظلمة التاريخ، فنحن أبناء النور كلنا مدعوون للعمل من أجل الولاء التام والكلي للبنان، الوطن النهائي والوحيد لكل مكوناته الطائفية والمذهبية .

دعوتنا الصريحة إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عدنان منصور، أن يولوا قضية اللبنانيين في الخارج اهتماماتهم القصوى، خصوصاً أن صورة لبنان الدولة وصورة لبنان الوطن هي مسؤولية مشتركة... وهي مسؤولية الوطن...!

وكل التمّني أن يمرّ لبنان الى بر السلام، بجهود كل أبنائه، وأن يتم العمل لتأليف حكومة، تعطي دفعاً وزخماً وطنياً من جديد، وتضع استراتيجية إنقاذ لصورة لبنان، ودوره في صناعة السلم الاهلي والسلام في المنطقة... ذلك لأنّ اللبنانيين هم أبناء سلام ومحبة... لا أبناء قتال وتفرقة... وهذه هي الصورة التي يجب أن نحافظ على بريقها...!

والدعوة اليوم، صريحة، لأن نعمل جميعاً من أجل اعادة لبنان إلى الضوء، وإلى أن نعلن بصراحة وبجرأة، أن لبنان لن يموت...!

* الدكتور ​جورج كلاس​ هو عميد كلية الاعلام والتوثيق منذ العام 2009، وكان قد شغل منصب مدير الفرع الثاني لكلية الاعلام والتوثيق بين العامين 1999 و2005، ومدير عام الأبحاث والدراسات في مجلس النواب بين العامين 2005 و2006. من مؤلفاته: "الصحافة الفكرية" عن دار النهار (1994)، "الصحافة السنوية: نشأتها وتطورها" عن دار الجيل (1996)، "الدليل الى الاعلام الثقافي والفني" عن الجامعة اللبنانية (2005)، "الاعلام الديني" عن الجامعة اللبنانية (2012) وغيرها.