أصابَت قوى الثامن من آذار حين ذهبت بعد انفجار الضاحية الجنوبية إلى اتّهام «لقاء مجدليون» بالمسؤولية عن العبوة، لكن ما تقصّدت هذه القوى التعامي عنه، هو أنّ ما فعله اللقاء الموسّع هو تفكيك العبوة وليس تفخيخها.

العبوة في الأساس قديمة الصنع، يعود تاريخها إلى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقد طوّرتها أحداث السابع من أيار، وحسَّنت من فعاليتها الاستفزازات اللاحقة، وعراضات القوّة التي أسقطت حكومة الرئيس سعد الحريري، وزاد خطورتها إلى الحدّ الأقصى قتال «حزب الله» في سوريا، ولم ينفجر منها في صيدا إلّا الصاعق. أمّا تفجير الضاحية الإرهابي، فيمكن أن يكون البداية للسيناريو الأسوأ، الذي لن يعود بالإمكان السيطرة عليه، مهما كانت قدرات مفكّكي العبوات كبيرة، ومهما كان إصرار مسبّبي العبوات على الهروب إلى الامام بسياسة المغامرات غير المحسوبة النتائج.

بين حدّين خطِرين، تمّ ترتيب لقاء قوى الرابع عشر من آذار في مجدليون. الحدّ الأوّل هدفَ إلى دعم المدينة بعد أحداث عبرا وما تركته من آثار، خصوصاً منها استباحة السلاح غير الشرعي لصيدا ونتائجه السيّئة التي كانت أشبه بسابع من أيّار جديد، والحدّ الثاني هو دعم المؤسّسة العسكرية عبر منع من يتلطّون وراءَها من تحقيق الأهداف التي حقّقوها سابقاً في السابع من أيّار، وفي واقعة القمصان السود. ليس سرّاً أنّ لقاء مجدليون أراد أيضاً أن يقطع الطريق على ظهور أسير آخر يمكن أن يولد في صيدا أو خارجها، راسماً لطائفة الاعتدال خريطة طريق تؤدّي بها إلى الأسر في سجن التطرّف الذي يريد خصومها جرّها إليه.

كانت النائب بهية الحريري سبقت لقاء مجدليون في تحقيق هدف منع صيدا من أن تعاني من 7 أيار ثانٍ. عالجت الحريري نتائج المعركة ميدانيّاً، استقطبت العائلات التي سقط منها قتلى، قامت بورشة فورية لإحصاء الأضرار الهائلة، ووضعت هدفاً بإعادة الأهالي إلى بيوتهم بحلول عيد الفطر. فعَّلت الاتصالات مع الجيش للإفراج عن الموقوفين، وهم بالمئات، وفي الوقت نفسه رفعت إلى المؤسّسة العسكرية في مذكّرة مشتركة مع الرئيس فؤاد السنيورة لائحة بما كان يُفترض أن يتم تفادياً للمعركة، والمتعلق بإقفال الشقق الأمنية ووقف التجاوزات.

أمّا الجهد الأهمّ فكان الالتفات إلى أهالي صيدا الذين عاشوا رعب أيام المعركة، والذين وقعوا تحت ضغط «حزب الله» الذي نصب الحواجز في صيدا وأطرافها. هذا الجهد استلزم شدّ عصب أهالي المدينة، ليتجاوزوا نتائج ظاهرة الأسير، الذي يعلم جيّداً من اتّهموا الحريري بإيوائه، أنّها رفضت استقباله ولو لمرّة واحدة سرّاً أو علناً.

كانت وظيفة اللقاء في مجدليون القول إنّ العيش المشترك هو مسؤولية وطنية إسلامية - مسيحية، هذا يعني بالكلام «المشبرح» بعد أحداث عبرا، أنّ خطراً داهماً اقترب من تهديد هذه الصيغة بمكوّنها السنّي، الذي بات يشعر بأنّه مستهدف، وبأنّ أدواته في الدفاع عن نفسه تكاد تهبط إلى مستوى الأهداف التحت-وطنية.

من هنا كانت المشاركة المسيحية في لقاء عبرا أكثر من ضرورية. يقول منسّق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد إنّ هذه المشاركة قطعت الطريق على خطة وضع الطائفة السنّية في مواجهة الجيش، ومشاركتنا مع تيار «المستقبل» كانت دائماً صمّام أمان للّحظة التاريخية التي ولدت في 14 آذار 2005، والتي يسعى النظام السوري وحلفاؤه إلى اغتيالها، وقد برهنت تجربتنا معهم منذ قرنة شهوان إلى اليوم، أن لا شيء يصعقهم كهربائياً، إلّا حين نظهر في مشهد واحد مسلمين ومسيحيّين متفقين على أجندة وطنية عابرة للطوائف.

ويبقى السؤال: هل نجح لقاء مجدليون في تفكيك العبوة تماماً، وهل إنّ ما ينتظر الوضع الأمني في الأيام المقبلة، أكبر من قدرة أيّ طرف داخلي على مواجهته؟

الأرجح أنّ حدود اللعبة باتت خارج قدرات أيّ طرف محلّي، فالقتال داخل سوريا ضرب آخر ما تبقّى من شبكة الأمان الأمنية والسياسية، ولن يكون تأليف الحكومة كافياً لوقف مسار الاندفاع إلى العنف والفوضى.