يبدو أن حادثة بيصور الأخيرة سوف تساهم في فتح حوار كبير داخل الطائفة الدرزية، لا سيما أنها تركت تداعيات خطيرة في المجتمع اللبناني، بالرغم من حرص العديد من الجهات على وضعها في إطار "فردي"، لكن هذا الأمر لم ينجح حتى الآن، والصوت بدأ يرتفع من أجل فتح حوار شامل داخل الطائفة يتناول مختلف القضايا السياسية والإجتماعية والدينية.

كان رئيس جبهة "النضال الوطني" النائب ​وليد جنبلاط​ أول المبادرين إلى طرح هذه الفكرة قبل أيام قليلة، من خلال دعوته إلى أن يذهب المجتمع الدرزي إلى حوار داخلي حول مستقبل الطائفة، لا سيما أن هناك موجة من الخوف العارم من المستقبل تجتاح أبناءها بسبب الأوضاع في المنطقة، ولكن هل ستلقى دعوة "البيك" التجاوب من باقي القوى؟

الشارع الدرزي خائف

على الرغم من أن جنبلاط إنطلق من حادثة بيصور "الفردية" من أجل الحديث عن الأوضاع داخل الطائفة الدرزية، إلا أن "البيك" طرح العديد من الأسئلة الهامة في هذه المرحلة الحرجة، متحدثاً عن الإستمرار في ثقافة رفض الآخر التي تولد التعصب والكراهية، والتي تشكل خطراً على المصير والمستقبل، وصولاً إلى طرح واقع الدروز في سوريا من جديد.

المخاوف التي يطرحها جنبلاط ليست بعيدة عن نبض الشارع الدرزي، هذا الأمر تجمع عليه مختلف القوى الفاعلة داخل الطائفة، حيث أن لديها مخاوف من المستقبل في ظل الأحداث التي تعصف بالمنطقة، ويشير مستشار رئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" ​سليم حمادة​ إلى أن الطائفة كغيرها من الطوائف متخوفة من الأحداث التي تمر بها المنطقة، ويرى أن اللعبة السياسية أكبر من اللاعبين السياسيين.

وعلى الرغم من الخلاف مع جنبلاط حول الموضوع السوري، يرى حمادة، في حديث لـ"النشرة"، أن هناك إمكانية لتجاوز هذا الأمر من خلال ترك هذا الموضوع إلى أهالي السويداء، حيث هم يعلمون أكثر من غيرهم ما هو الموقف المناسب.

من جانبه، يوافق نائب رئيس حزب "التوحيد العربي" ​سليمان الصايغ​ على الحديث عن هذه المخاوف، ويرى أن هذا الأمر حالة عامة من خلال التذكير بأن هناك العديد من الفئات التي لديها مخاوف كبيرة، لكنه يعتبر أن هناك إختلافاً مع جنبلاط في النظرة إليه، لا سيما في ما يتعلق بالشأن السوري.

ويشير الصايغ، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنّ حزبه إختار منذ البداية الوقوف خلف أهالي السويداء في الموقف الذي يرونه مناسبا على قاعدة أن أهل مكة أدرى بشعابها، لكن جنبلاط أراد أن يفرض عليهم العداء للنظام، متسائلاً: "هل يريد أن يكونوا إلى جانب جبهة النصرة؟"

إلى الحوار الداخلي

لم يكتف جنبلاط بالحديث عن المخاوف من المستقبل، أراد أن يذهب بعيداً من خلال الحديث عن فتح آفاق وطرق جديدة أمام الأجيال المستقبليّة من أجل الحفاظ الوجودي والثقافي وفقاً لسياسات الاعتدال والانفتاح، والإشارة إلى أن رفض ذلك سيؤدي إلى الإنقراض السياسي والفناء الثقافي والوجودي.

وفي هذا السياق، يرى حمادة أن من المجدي أن تقوم الطوائف والمذاهب على غرار الأحزاب والتجمعات بين الحين والآخر بعملية تقويم لنشاطها في الحياة السياسية والاجتماعية، أي القيام بنقد ذاتي، من أجل تصويب الواقع ووضعه في إطار يتناسب مع المتطلبات التي تفرضها المرحلة، ويشير إلى أن ممارسة أقطاب الطائفة الدرزية، على غرار الطوائف الأخرى، قد تكون على خطأ أو صواب في موقف ما أو مرحلة معينة.

ويؤكد حمادة أن الحوار الداخلي ضرورة اليوم، ويشير إلى أن هناك العديد من القضايا العالقة التي يجب إيجاد الحلول لها، خصوصاً في ما يتعلق بموضوع مشيخة العقل، ويؤكد أن الدروز لم يكونوا يوماً من دعاة العنف، وهم لم يدخلوا في تاريخهم موقعة إلا من أجل الدفاع عن النفس، ويدعو إلى عقد مؤتمر درزي-درزي يكون قدوة للآخرين لأن الأوطان لا تبنى من دون حوار، ويشدد على أن كل الأمور قابلة للنقاش، حتى المواضيع الدينية التي يرى البعض أنها غير ذلك، ويوافق دعوة جنبلاط إلى التثقيف الديني.

من جانبه، يشير الصايغ إلى أن ليس هناك من إختلاف على موضوع الحوار داخل الطائفة الدرزية، لكنه يدعو جنبلاط إلى طرح العناوين من أجل التوافق عليها، ويؤكد أن ليس هناك من رفض لمبدأ الحوار، لا سيما أن هناك توافقاً على تحييد الجبل عن كل الصراعات، وعلى ضرورة أن لا يحصل أي إشكال في منطقة الجبل.

ويشدد الصايغ على أنه لا يوجد أي فريق ضد الحوار والإنفتاح على الآخر، ويلفت إلى أن "منهجنا الديني يرفض التقوقع ويدعو إلى تحكيم العقل"، لكنه يشير إلى أن بعض المواضيع ذات الطابع الديني التي تطرح لا بد من العودة فيها إلى مشايخ الطائفة كي يقرروا ما هو الموقف المناسب، حيث من غير الممكن أن يكون القرار في هذا الموضوع لرجال السياسة.

في المحصلة، تبدو الأجواء مهيئة من أجل الإنطلاق في حوار شامل داخل الطائفة الدرزية، بالرغم من أن الدعوة التي ألمح إليها رئيس جبهة "النضال الوطني" لم تحدد إطاره، ولكن بعد الإطلاع على مواقف القوى السياسية قد تكون الفرصة مناسبة الآن.