في انتظار الموعد المرسوم في أذهان البعض من أنّ نهاية رمضان المبارك ستفتح الطريق أمام تشكيلة وزارية جديدة، لم يرصد متتبّعو المسيرة الحكومية ما يشي باحتمال التوصّل الى صيغة مقبولة، ما دامت الظروف الإقليمية لم تنضج بعد، ولذلك ستبقى طريق المصيطبة -السراي ملغّمة الى أجل غير مسمّى.

من المؤكد أنّ مسلسل الملفات والقضايا الذي يملأ الوقت الضائع سيبقى مفتوحاً، فما أن يقفل المسؤولون إستحقاقاً حتى يدهمهم الآخر، والتفرّغ من ملف ما غير مسموح، ولذلك تتوالى الإستحقاقات وتتراكم وتقفل على زغل.

تجاوز اللبنانيون قانون الإنتخاب بالتمديد للمجلس النيابي، وتناسوا، قصداً أو عن غير قصد كل القضايا التي رافقت التحضير للإنتخابات، فنسي الجميع القانون الجديد، وآلية انتخاب المغتربين ووقف المرشحون لانتخابات 16 حزيران الماضي في طوابير أمام دائرة المحاسبة في وزارة المال لإجراء مقاصّة بين مستحقات الدولة من رسوم ميكانيك وضرائب على الدخل ورسوم مختلفة، قبل أن يسترجعوا ما تبقى لهم من رسوم الترشيح والضمان المالي للإنتخاب.

وأمام الفراغ في الدوائر الرسمية بقي العجز الرسمي عنوان الملفات المرتبطة ببقاء الشواغر في المواقع القيادية في الوزارات والمؤسسات العامة والهيئات المستقلّة. ولو كان الفراغ مقبولاً في قيادة الجيش ورئاسة الأركان بعد وصول المجلس العسكري بتركيبته الى الحد الأدنى من نصابه القانوني لتسيير أمور المؤسسة العسكرية، لما جنّد المسؤولون الكبار عبقرياتهم القانونية والدستورية لتأمين مخرج يقي الجيش شغوراً قد يفرغ البلد من مقوّمات الأمن الوطني وأمن الدولة والناس. وعليه سيبقى "جيش الفراغ" زاحفاً الى ما تبقى من المواقع الإدارية، ما لم يلامس الحد الأدنى من الأمن القومي ومن هيكلية الدولة وسلطاتها الدستورية.

وعلى هذه القاعدة يمكن البناء على التعثر الذي أصاب ولادة التشكيلة الوزارية الجديدة، فالرئيس المكلّف تمّام سلام ما زال يبحث عن أسماء الوزراء بتأن، حتى لا يكون بينهم من يشاكس أو يثير حساسية أو تحدياً لأحد، للوصول الى تركيبة حكومية متجانسة خالية من الثلث المعطل لئلا تحمل بذور إنفجارها من الداخل في لحظة ما، قبل أن يتمكن أحد من تفكيك صاعقها، وهو يصرّ على أن تأتي هذه التركيبة جامعة تراعي المصلحة الوطنية قبل أي معيار آخر.

وما زال الرئيس المكلّف يدعو الى التروّي والصبر "لأنّ الصبر مفتاح الفرج"، وقد أتقن ذلك بلا تشكيك ولا شك، فهو أسير دارة المصيطبة يبحث في حناياها عن خريطة تفتح الطريق منها الى السراي الحكومي الكبير فلم يعثر عليها لا في "MAPS" ولا في "GOOGLE EARTH"، فيما يتسع القصر لخرائط مختصرة وضعت دارة المصيطبة سابقاً في القصر الحكومي قبل بزوغ عصر السراي الكبير.

ويدرك العارفون أنّ إصرار سلام على صيغة الـ 8+8+8 لن يؤدي حتى الساعة الى مخرج من الحلقة المفرغة التي يدور فيها ملف التأليف منذ الأيام الأولى للتكليف على رغم الثقة الكبيرة التي لم يحصل عليها أحد سواه منذ الفرز العمودي بين اللبنانيين الذي نشأ منذ 14 شباط 2005 بين فريقي 8 و14 آذار وما بينهما من تحالفات وسطية قادرة على تقديم خيار أي منهما بين إستحقاق وآخر وفق معادلة "غُب الطلب".

ويرى العارفون أنّ التمسّك بهذه المعادلة يعني أنّ الأمور ما زالت في نقطة الصفر وأنّ ولادة الحكومة ما زالت بعيدة ومتعثرة، لأنّ المعادلات في المنطقة، وتحديداً في سوريا، لا تسمح حتى الآن بتفوّق محور على آخر في قلب لبنان، والغموض الذي يلف مستقبل الوضع السوري ما زال من الصعب فهمه، وستظل تداعيات ما يجري في العالم العربي سبباً في بقاء الملف اللبناني على رف الأزمات التي تنتظر خريطة الطريق الى الحل السوري بعدما تشعّبت ضحاياه في كثير من دول المنطقة والعالم وابقت القرار الدولي أسير التطورات الميدانية، وهو ما دفع أحد الظرفاء الى القول إنّ سلام يدرك أنّ "تلّة الـ 888" ما زالت مفخّخة ومعها الصيغة عينها الى أجل غير مسمّى.