تقدّمت إلى الواجهة في الأشهر الأخيرة الأخبار حول انغماس المكوّن الكردي في الحرب الدائرة في سورية لا بل جرت محاولات اجتذابه من قبل أقطاب هذا الصراع في محاولة لتشكيل اصطفافات جديدة قد تقلب المشهد الميداني على الأرض.

الأكراد في سورية وهم أكبر أقلية فيها حيث يشكّلون حوالى 15 من سكان البلاد ويتمركزون في شمال شرق سورية في محافظة الحسكة وفي منطقتين صغيرتين في شمالي حلب هما عين العرب وعفرين والمناطق المحيطة بهما وهي مناطق تشهد الآن «زحفاً هادئاً» من قبل قوات الجيش السوري للسيطرة على مناطق استراتيجية في مدينة حلب ومحيطها وتحقيقاً لهذه الغاية كان لا بد من استقطاب المكوّن الكردي لما يمكن أن يساهم في تحقيق إنجازات عسكرية على الأرض وقد يساعد هذا الطرف أو ذاك على تحقيق أهدافه وتسجيل انتصاراته.

وقد برز صراع لافت بين الأقلية الكردية السورية مع تنظيمات ما يسمى بدولة العراق والشام الإسلامية وجبهة النصرة عززته عمليات قتل واختطاف قامت به الجماعتان ضد الأكراد رغم تصاعد بعض الأصوات من المعارضة السورية بضرورة تحييد المدنيين وأهمية احتواء الأكراد كعامل مساعد قد يسهم في تغيير الكثير من المعادلات على الأرض داخل سورية وخارجها.

ومن أجل استغلال هذه اللحظة عملت ما يسمى «بقوات الحماية الشعبية الكردية» على تخريج دورات عسكرية لعشرات المقاتلين الأكراد تمهيداً لمشاركتهم في العمليات العسكرية وذلك تزامناً مع أقامة معسكرات تدريب تتوزّع في منطقة محاذية للحدود التركية السورية وذلك على خلفية تواصل المعارك بين مقاتلي حماية الشعب الكردي «والكتائب الإسلامية المتشددة» حيث أعلن الأكراد عن «النفير العام» في مواجهة «الجهاديين» في الاشتباكات التي تشمل محافظتي حلب والرقة وذلك بعد احتجاز المقاتلين الإسلاميين لنحو مئتي كردي منذ فترة في ريف حلب.

ويأتي انغماس الأكراد بشكل مباشر في الحرب الدائرة في سورية أيضاً بعد القرار الذي اتخذه النظام السوري بمنح الأكراد سلطة ذاتية بإدارة مناطقهم والتي تعدّ أقرب إلى الحكم الذاتي وذلك بخطوة تكتيكية انتهجتها الحكومة السورية لتشجيع الأكراد على عدم الوقوف إلى جانب المعارضين وذلك بهدف الحفاظ على سلطتهم الذاتية.

إلاّ أن الهواجس التي بدأت تظهر على السطح حول تغيير المسار «الكردي السوري» هو ما طرحه الـ»PYD» المحسوب على حزب العمال الكردستاني في تركيا حول مشروع دستور محلي سمي «بالعقد الاجتماعي» والذي يحوي أسس تشكيل كيان كردي مستقل يشبه إلى حد التطابق تجربة إقليم كردستان العراق الذي تأسس عام 1991 وما يعزّز هذه الهواجس ما صرح به أحد أقطاب هذا التجمّع من أن هذا العقد كمرحلة أولى يهدف إلى تشكيل إدارة مشتركة من الجميع ستكون مهمتها الأساسية تهيئة الأجواء لإجراء انتخابات برلمانية ثم سنّ دستور لبناء مقوّمات وأسس الدولة المؤسساتية التقدمية بمناطق الأكراد حسب تعبيره مع وجود مقترح بإجراء انتخابات برلمانية وتنظيم استفتاء على الدستور بيوم واحد.

يرى الأكراد أن ما يعيشونه اليوم في مناطقهم هو وضع يسمى بـ « ذي فاكتور» أي الأمر الواقع وهم بذلك يحاولون تجاوز المرحلة السابقة باتجاه مأسسة السلطة وإنشاء إدارة ذاتية لا مركزية تنفيذاً لمبادىء عملوا من أجلها وناضلوا.

ويعتبر وضع ما يسمى «بوحدة الحماية الشعبية» التابعة لحركة «المجتمع ديموقراطي» وهو الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي والذي تعتبره تركيا إرهابياً قد يكون متمايزاً عن أقرانه في العراق وتركيا من حيث التموضع الجغرافي والموزاييك العراقي فهم أي أكراد سورية مجموعة متمايزة عرقياً ولغوياً وبشكل أكثر دقة فإن المنطقة التي يسكنونها لا تمثل إقليماً سواء سياسياً على عكس نظرائهم في العراق حيث أن المناطق ذات الغالبية الكردية في الشمال الشرقي تنتشر فيها مناطق متفرقة تضم السنّة والآشوريين والأرمن والتركمان واليزيديين.

لكن الوضع الراهن في سورية قد فتح ثغرة بإمكانية تحقيق «حلم مشابه» للحلم الكردي الذي تحقق في العراق عام 1991 مرة أخرى عام 2003 عند سقوط نظام صدام حسين حيث يمكن أن تتوافر الآن فرصة تصحيح ظروفهم أو على الأقل تصحيح ما اعتبروه ظلماً تاريخياً لحق بهم حيث قامت سلطات الانتداب الفرنسية والبريطانية بتقسيم الشرق الأدنى بطريقة تركتهم أكبر جماعة بلا دولة في المنطقة مخلّفة بذلك أكبر أزمة «لأقلية» تبعثرت في عدة دول واضطرت للتعايش مع أنظمة غريبة عنها فكان تعايشاً صعباً وصل حد الاقتتال العسكري والتطهير العرقي بعض الأحيان.

لا شك بأن أصوات وتيارات مختلفة ترتفع داخل «الحالة الكردية السورية» تتجاذبها اعتبارات عدة حيث أن عدداً لا بأس به من الشباب الأكراد انضموا إلى ما يسمى بالانتفاضة السورية عام 2011 وردّدوا دعوات إسقاط النظام آملين بحصول مكاسب معينة وذلك بعد العلاقة الشائكة التي ربطتهم بالنظام الحاكم في سورية لعقود طويلة.

إلاّ أن الخطاب الذي طغت عليه «الصبغة الإسلامية المتطرفة» لبعض القوى المعارضة أدى إلى «تنفير» الأكراد خصوصاً أنصار حزب الاتحاد الديموقراطي الكردستاني كما أسهم في توسيع الفجوة بين ما يعتقد أنه اعتماد المعارضة غير الكردية على «رعاة» متزمتين من تركيا والخليج ما قد يهدّد بتحول المشهد إلى صراع عرقيّ: عربي- كردي يحول مسار الأحداث في بعض مناطق سورية.

هذا الصراع الذي أجّج المعركة غير المعلنة على خلفية «روحية الحركة الكردية» في البلدان الأربعة التي يوجدون فيها سورية العراق- تركيا- إيران وعلى دور أكراد سورية في تجنّب الإفراط في الانغماس في هذه المعركة الإقليمية الكبرى وعدم استغلالها لتحقيق مكاسب «قومية» معيّنة قد لا تسهم بتحقيق الحلم الكردي قريباً بتأسيس الدولة الكردية.