يمكن مواجهة الهَم الأمني، بالدعوات إلى تكاتف اللبنانيين، من دون تصنيف المؤسّسات الأمنية ومذهبتها، وصولاً إلى المَسّ بموقع رئيس الجمهورية ودوره في ضوء ما عبّر عنه شخصياً. والأخطر أن يواجه البعض الإرهاب في منطقةٍ بفَرضِه على مناطق أخرى، وتعميمِه لاستدراج اللبنانيين إلى أتون الفتنة، فكيف يمكن تحاشي ذلك؟

على رغم ردّات الفعل الوطنية الشاملة التي واجه بها اللبنانيون "جريمة الرويس" وحجم التضامن الذي لقيته على بشاعتها، يبدو أنّ هناك من يسعى الى التفريط بهذا الإنجاز وتحويله "نصراً مؤقتاً"، إن لم يتبخّر كلّ ما فيه من إيجابيات.

وعلى هذه الخلفيات، يبدو أنّ هناك من يستعدّ لضرب كلّ هذه الإنجازات التي تحقّقت من خلال استغلال ما حصل لأهداف آنيّة وشخصية، وهو أمر يترجمه البعض بتوجيه الاتهامات والسهام في اتجاهات خاطئة قد تعزّز الاحتقان الموجود في الشارع الإسلامي في مرحلة هي الأخطر.

ومن هذه المنطلقات تحذّر مراجع معنية من أيّ "دعسة ناقصة" قد تؤجّج المشاعر إذا استمرّ البعض في تجاهل كثير من الحقائق، وأوّلها أنّ ما يجري اليوم في لبنان ليس لأسباب أو دوافع لبنانية فحسب، بل بسبب التوغّل البعيد المدى في الأزمة السورية، ما حوّل لبنان متنفّساً لكلّ المآزق السورية، ونموذجاً آخر لهذه الأزمة ما لم يتوقف غرز الأصابع اللبنانية فيها.

وبناءً على ما تقدّم، لا يمكن الفصل بين ما يجري في لبنان وضاحية بيروت الجنوبية، إلّا من خلال فهم ما يجري على الساحة السورية وامتداداته الطائفية والمذهبية، فليس صحيحاً القول إنّ الدولة قصّرت في واجباتها، فرئيس الجمهورية ألغى بعد انفجار الرويس إجازته القصيرة التي كان مقرّراً أن يقضيها في الخارج، ولم يزُر الديمان يوم الجمعة الماضي. كذلك بادرَ إلى عقد المجلس الأعلى للدفاع، ويواصل يوميّاً إتصالاته بالمراجع الأمنية والعسكرية حاضّاً على تطويق التردّدات السلبية المحتملة. فهل يمكن بعد كلّ هذا أن يتّهمه أحد بأنّه يحمي فئة ضدّ أخرى، ويحمّله مسؤولية توفير "البيئة الحاضنة" لما يجري، إلّا إذا صحّ اعتبار البعض، أنّ ما يجري فيه كثير من "الخدمات المتبادلة" بين طرفي النزاع، أيّاً كان الثمن الذي تدفعه البلاد والعباد؟

ولذلك، لا يوازي هذا الخطر سوى التصنيف الذي يجريه البعض، قصداً أو بغير قصد، بين الأجهزة الأمنية، فيعتبر أنّ شعبة المعلومات مثلاً هي للسُنّة، والأمن العام والجيش للشيعة، متجاهلاً الإنجازات المشتركة التي تحقّقت. أليس الأمن العام هو من اكتشف شبكة "سيارة الناعمة"، وإنّ شعبة المعلومات هي التي استكملت ما بدأه من توقيفات.

ولتذكير البعض، خصوصاً "أصحاب الذاكرة المثقوبة"، أليست شعبة المعلومات أوّل من وصل الى داريّا عند اكتشاف أفراد شبكتها، واستكملت المخابرات الفصل الثاني منها، إلى أن أصبح معظم أفراد هذه الشبكة "الخبيثة والخطيرة" في السجون ورهن التحقيق؟

وتبقى الإشارة ضرورية الى أنّ ما جرى في الأمس على أبواب الضاحية الجنوبية ومناطق أخرى من إجراءات ميدانية، لا بدّ أن يخضع للتدقيق وإعادة النظر، فليس مقبولاً أن يستمرّ الوضع، قبل توضيح الصورة وتحديد الجهة أو الآلية التي تنازلت بموجبها السلطات الأمنية والعسكرية عن أسباب إخلاء الساحة للأمن الذاتي.

يقولون أنْ لا الجيش سمح بذلك، ولا وزارة الداخلية، ولا القضاء الذي يُفترض أن يكون "مرشداً وحاضناً" لكلّ عمل أمنيّ بهذا الحجم يعترف بما حصل. لا بل إنّ النيابة العامة العسكرية كانت على وشك السؤال عن أسباب ما يجري. ذلك أنّه ووفقاً لقانون العقوبات، هناك حالات نادرة يسمح فيها القضاء لـ"قوّة غير شرعية" أو "يرخّص لمدنيّين" بمعاونة الأجهزة الأمنية، وكلّها حالات لم تنشأ بعد للسماح بما يجري. ولذلك، يجوز السؤال: هل بهذه الطريقة يواجه الإرهاب؟ أم أنّ ما يجري قد يعزّزه؟