لم تحمل مستجدات الساعات الماضية "مفاجآت" تُذكر بل بدت بمجملها متوقّعة، ليبقى "الهاجس الأمني" متربّعا في صدارة الاهتمامات دون "منافسة" تُذكر..

هكذا، بدا "الفراغ السياسي" الآخذ في التصاعد "تحصيلا حاصلا"، ومرّت الجلسة النيابية العامة التي أرجئت على جري العادة بسبب ما سُمّي بـ"فقدان النصاب"، وهو تعبير "لطيف" للدلالة على "مقاطعة" النواب للمؤسسة التي مدّدوا لأنفسهم فيها، مرور الكرام وكأنها لم تكن، فيما بقي الملف الحكومي، على حساسيته، مقفلا بل إنّ كلّ "المحرّكات" المعنيّة به بقيت "مفرملة"، في مشهد بات "مستفزا" لكثيرين.

وإذا كان هذا "الفراغ" لم ينعكس على التصريحات والاطلالات الاعلامية التي وجد فيها السياسيون ضالتهم، وهم الذين رموا جانبا وبسرعة قياسية شعارات "الوحدة الوطنية" التي رفعوها بعيد انفجار الرويس في الضاحية الجنوبية لبيروت، وعادوا إلى "انقساماتهم" و"اتهاماتهم"، في حين برز تطوّر قضائي لافت على صلة بقضية المخطوفين اللبنانيين في أعزاز والمخطوفَين في تركيا تمثل بما تسرّب عن "الادعاء" على 13 من أهالي مخطوفي أعزاز بتهمة "الاشتراك بخطف الطيارين التركيّين".

من "ضحايا" إلى "مطلوبين"

إلى واجهة الضوء، عادت قضية المخطوفين اللبنانيين في سوريا بعدما تحوّل أهاليهم من "ضحايا" إلى "مطلوبين" في ضوء ما سُرّب عبر وكالة أنباء "الأناضول" التركية عن أنّ النائب العام الإستئنافي في جبل لبنان القاضي كلود كرم ادّعى على 13 شخصاً من أهالي المخطوفين في أعزاز بقضية خطف الطيارين التركيين، وأحال الملف على قاضي التحقيق في جبل لبنان القاضي زياد مكنا، وقد أرفقت الوكالة التركية الخبر بالأسماء الثلاثية للمدّعى عليهم الذين لم يكن القاضي قد حدّد موعدا لاستدعائهم لاستجوابهم بعد، وقد وُجّهت لهم رغم ذلك تهم "الاشتراك في خطف الطيارين التركيين بواسطة العنف وتهديدهما بالأسلحة الحربية وحجز حريتهما، والتحريض على الخطف والنيل من سلطة الدولة".

وقد سارع أهالي المخطوفين للردّ على الاتهام الذي وصفوه بـ"السياسي"، فأوضح المتحدّث باسمهم دانيال شعيب، في حديث لـ"النشرة"، أنّ أهالي المخطوفين لن يقفوا مكتوفي الايدي اذا حاول فرع المعلومات اعتقال اي شخص من الذين وردت اسماؤهم في التقرير، بل إنهم لن يلتزموا بهذه القرارات، فيما ذهبت منسقة حملة "بدر الكبرى" الحاجة حياة عوالي لتعد المعنيين بـ"مفاجآت"، مشيرة إلى أن لديها الحق برفض الامتثال لفرع المعلومات، الذي وصفته بأنه "جهاز أمن تيار المستقبل".

وخلال الساعات الماضية، وقبيل تسريب هذه المعلومات، كان لافتا الحراك الذي قام به السفير التركي في لبنان اينان اوزيلديز الذي جال على المسؤولين، حيث سمع من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تأكيدا على أنّ الحكومة اللبنانية تقوم بكل الاجراءات المناسبة لكشف مصير الطيارين التركيين اللذين خطفا على طريق المطار، فيما أعلن وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل "فصل ملف المخطوفين اللبنانيين في اعزاز عن ملف الطيارين التركيين"، مشددا على المتابعة الدؤوبة للاجهزة الامنية لمسألة الطيارين توصلا الى اطلاق سراحهما.

وفي سياق متصل، لفت ما ذكرته صحيفة "النهار" لجهة أنّ وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أبلغ نظيره اللبناني عدنان منصور، في آخر اتصال جرى بينهما، أنّ "استمرار خطف الطيارين قد يدفع أسرتيهما الى خطف لبنانيين في تركيا ردا على خطف ابنيهما في بيروت".

"المستقبل": إجراءات "حزب الله" ميليشيوية!

سياسيا، عادت لغة "الانقسامات" لتسود الساحة السياسية على كلّ الأصعدة، منهية مفعول "الوحدة المزيّفة" التي ظهرت بعض "معالمها" بعيد انفجار الرويس في الضاحية الجنوبية، والذي خرج بعده المسؤولون ليؤكدوا على ضرورة "التضامن" لمواجهة هذه المرحلة "الحساسة" و"الصعبة" بأقلّ الأضرار الممكنة.

هكذا، خرجت كتلة "المستقبل" بعيد اجتماعها الأسبوعي لتصوّب نحو "حزب الله" وتحمّله مسؤولية الحالة التي وصلتها البلاد والتدهور الكبير في الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية والمعيشية، وذلك بسبب القرار "المتهوّر" بالمشاركة في الصراع المسلح الذي تشهده سوريا، معتبرة أنّ إعلان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله "ما افترض أنها الحرب على التكفيريين في سوريا كما يدّعي" هي معركة "لم يستشر بها الشعب اللبناني ولا الدولة اللبنانية قبل خوضها"، كما صوّبت الكتلة نحو الاجراءات الأمنية التي يقوم بها الحزب في الضاحية الجنوبية وبعض مناطق الجنوب والبقاع منذ انفجار الرويس واصفة إياها بـ"الميليشيوية"، معتبرة أنها مرفوضة ويجب أن تتوقف "لأنها تذكر بتجربة سابقة لاعتماد الأمن الذاتي التي أدت إلى انفصال ديمغرافي بين اللبنانيين".

وعلى خط مواز، كان قيادي تيار "المستقبل" النائب السابق مصطفى علوش يصوّب نحو "التيار الوطني الحر" من خلال وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال نقولا صحناوي، إذ وصفه علوش في حديث لـ"النشرة" بـ"المنافق"، معتبرا أنه وفريقه السياسي "متواطئان في جرائم الاغتيال السابقة"، مستندا بذلك إلى منح صحناوي داتا الاتصالات في قضية انفجار الرويس بعد أن كان يرفض ذلك في السابق بذريعة "احترام الخصوصيات".

أما تكتل "التغيير والاصلاح" فصوّب، بعيد اجتماعه الأسبوعي، نحو "الحزب التقدمي الاشتراكي" وبالتحديد مفوض الاعلام فيه رامي الريس الذي كان قد وصف عبر "النشرة" طرح "التيار الوطني الحر" حول النازحين السوريين بـ"العنصري"، حيث اعتبر رئيس التكتل العماد ميشال عون أنّ "العنصري هو من يصنّف الموارنة بالجنس العاطل"، في إشارة إلى رئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط، كما ذكّر بـ"مجزرة معصرة الشوف".

ووسط كل هذه التطوّرات، لم تحمل الجلسة النيابية العامة أي "مفاجآت نوعية"، إذ سارت على درب "سابقاتها" كما كان مرسوما لها بالتحديد، حيث أدّت المقاطعة "المدروسة" لها إلى فقدانها لنصابها فأرجئت إلى موعد آخر، حدد في الثالث والعشرين من أيلول المقبل، وفق جدول الأعمال نفسه، في حين عادت الاتهامات المتبادلة بـ"التعطيل" بين الفريقين "الخصمَين"، ولفت في هذا السياق قول عضو كتلة "المستقبل"، التي قاطعت الجلسة، النائب أحمد فتفت، أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري "يعطّل" المجلس "لأنه يرفض البحث في حلول جدّية لجدول أعمال الجلسة".

كلمة أخيرة..

سريعا، أعاد جميع "اللاعبين" تمركزهم، واضعين حدا لـ"تمثيلية" الوحدة الوطنية، التي لم تنطلِ أصلا على الشعب اللبناني الذي بات "مدركا" لكلّ التفاصيل..

سريعا، عادت لغة "التخوين" و"الاتهامات" لتسيطر على ما عداها، وكأنّ المرحلة التي تعيشها البلاد مرحلة "وردية" لا ينقصها سوى "تباينات" و"خلافات" لن تحقق سوى أهداف "المخلين بالأمن"..

ليعد السياسيون إلى "خطاباتهم" هم يوم الخميس الماضي، ليستعد كلّ منهم ما قاله بنفسه بعد انفجار الرويس، ولينفذه احتراما لنفسه، لعلّه ينقذ بذلك البلد فيحوّل الشعارات إلى وقائع لا لبس فيها!