بعد أن راوحت قضية اللبنانيين المخطوفين في أعزاز مكانها بظل وعود بحلول قريبة، تم خطف طيارين تركيين هما ميرات اكبينار ومساعده ميرات آكسا على طريق المطار فجر ثاني أيام عيد الفطر في 9 آب لتشتعل نار هذا الملف من جديد. تبنت مجموعة "زوار الامام الرضا" العملية وطالبت بالافراج عن اللبنانيين التسعة في أعزاز مقابل الافراج عن الطيارين. عملية الخطف هذه شغلت الدولة اللبنانية أكثر مما فعلت قضية المخطوفين في سوريا ما أثار حفيظة أهالي المخطوفين الذين رحبوا بعملية خطف التركيين مع نفيهم أيّ علاقة لهم بالخطف.

تحركت الدولة عبر فرع المعلومات لمعرفة ملابسات العملية، فقام هذا الفرع حسب مصادر مطلعة على مجريات الامور بالتركيز فقط على أهالي المخطوفين ومن يدور بفلكهم كمشتبه بهم وحيدين في القضية وهنا كانت البداية. أما الدولة اللبنانية، التي يفترض بها العمل الجدي لمصلحة مواطنيها، فلا تزال حتى اليوم تماطل في توقيع بروتوكول خاص لتشكيل محكمة دولية عنوانها ملف مخطوفي اعزاز. وعلمت "النشرة" أنّ هذه المحكمة لا ترتب على لبنان أيّ كلفة إلا أنّ المماطلة أتت بعد ضغوط تركية كبيرة على كبار المسؤولين اللبنانيين.

لماذا أوقف فرع المعلومات المواطنين الثلاثة؟

بعد أيام قليلة جدا على عملية الخطف، أوقف فرع المعلومات ثلاثة أشخاص قال أنهم متورطون بالعملية، وقام قاضي التحقيق زياد مكنى بالادعاء على 10 اشخاص آخرين بتهمة التورط في خطف الطيار التركي ومساعده. محمد صالح، حسن صالح ونديم زغيب هم الشبان الثلاثة الذين أوقفهم فرع المعلومات. حسن جميل صالح وهو ابن المخطوف جميل صالح ألقي القبض عليه حسب ما علمت "النشرة" من مصادر خاصة، بسبب رسالة هاتفية تلقاها من أحد الاشخاص بعد عملية الخطف تقول: "سطلين اللبن صاروا بمطرح اخر"، ومن ثم رد حسن برسالة اخرى تقول: "انا بدي سطل من السطلين".اثناء التحقيق مع حسن قال: "لم اكن اعرف ان سطلين اللبن يمثلان المخطوفين التركيين حين ارسلت الرسالة، إلا أنني علمت بذلك بعد فترة قصيرة"، مع الاشارة الى ان حسن لم يكن داخل بيروت عندما حصلت عملية الخطف.

اما محمد صالح فتلك قصة اخرى حسب ما تفيد المصادر، اذ ان محمد وهو المغترب في فنزويلا منذ زمن اراد التفاخر بنفسه فسقط ضحية مفاخرته. وفي التفاصيل ان محمد قام بعد عملية الخطف وانتشار الخبر بارسال رسالة نصية هاتفية الى احد اصدقائه في فنزويلا قال فيها بما معناه انه شارك بعملية الخطف. وخلال التحقيق معه اكد صالح انه كان يريد التفاخر او "التشبيح" على اصدقائه في فنزويلا، وانه بالتأكيد لم يكن على علم بموضوع الخطف ولا اي موضوع اخر متعلق بقضية اللبنانيين في اعزاز.

يبقى اخيرا نديم زغيب وهو صديق مقرب لأدهم زغيب. نديم يعمل كشرطي بلدي قبل الظهر وسائق تاكسي في المطار بعد الظهر. تم توقيف زغيب بناء على رسالة هاتفية وصلته من ادهم قبل حصول عملية الخطف وتقول الرسالة: " بعدنا عالموعد؟". تحليل فرع المعلومات كان بأن نديم زغيب مكلف من قبل ادهم بتولي مهمة مراقبة الطائرة التركية ومراقبة الطيارين التركيين بحكم قربه من ادهم وعمله في المطار. اثناء التحقيق معه اكد نديم ان علاقته بادهم قوية جدا وبأنه كان يراه كل يوم خلال السهرة وعلى الافطار في شهر رمضان، لافتا الى ان الرسالة اتت في هذا السياق ولا علاقة له بعملية الخطف. بينما مصادر اخرى قريبة من اهالي المخطوفين تؤكد بأن همّ المحققين كان اعتراف نديم بعلاقة ادهم بالخطف.

من ينتهك كرامتنا سنعامله كاسرائيلي..

لا يزال أهالي المخطوفين على إصرارهم بعدم الخروج عن الطرق القانونية في مقاربة هذا الملف رغم تأكيدهم على تدخّل السياسة فيه. الشيخ ​عباس زغيب​ المكلف من المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى متابعة قضية المخطوفين يؤكد من جهته في حديث لـ"النشرة" على اهمية الدولة ودورها في هذا الملف وضرورة الابتعاد عن السياسة. ويقول: "نحن اكثر من ضحى لاجل قيام الدولة في لبنان عبر مقاومتنا على مر التاريخ، ونحن لا نملك بيوتا سوى في لبنان ولا نملك وطنا غيره وبالتالي اي حديث عن اننا لا نريد الدولة هو غير صحيح". ويشدد زغيب على ان مقاربة فرع المعلومات لملف المخطوفين اللبنانيين في اعزاز وملف خطف الطيارين التركيين يمكن ان يؤدي لنتائج وخيمة لان الشعب الذي قاوم اسرائيل رفضا لانتهاك كرامته لن يسمح لاي كان ان ينتهكها. ويضيف: "سنتعامل مع من يريد ان ينتهك كراماتنا كما تعاملنا مع العدو الاسرائيلي ولن يتم السكوت على هذا الامر مطلقا". كما يذكّر زغيب كيف قام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير المال محمد الصفدي باستعمال سياراتهم الشخصية من اجل اخلاء سبيل موقوف، ويتابع: "نحن بامكاننا ان نقوم بذات التحرك واخراج الموقوفين ولكننا حتى الان ما زلنا نراهن على الدولة والدولة فقط".

هل يتم التحضير لصفقة ما؟

مصادر اهالي المخطوفين ترى ان الملف منذ بدايته خاضع للتسييس، وبالتالي فلن يجرؤ اي قاضٍ على اخذ قرار ما يتعلق بهذه القضية وخصوصا إن كان القرار هو الافراج عن الموقوفين. كما تتخوف المصادر نفسها من صفقة ما يمكن ان تكون قيد التحضير مفادها التبادل بطريقة غير مباشرة بين المخطوفين التركيين والموقوفين الثلاثة من اهالي المخطوفين. وتشدد المصادر على ان مجرد التفكير بهذه الفكرة يعني اولا ان فرع المعلومات لا يريد الحديث حتى بامكانية براءة الاهالي من الخطف، وثانيا يعني نسيان قضية المخطوفين التسعة في اعزاز. من جهته لا يرى الشيخ زغيب اي دليل على أن فرع المعلومات يفكر في هذه الصفقة لان تفكيره فيها يعني نهاية الدولة، داعيا جميع المسؤولين الى عدم تسييس قضية الاهالي لان القيمة الانسانية لهذا الملف اكبر بكثير من القيمة السياسية.